الانتهازيون استولوا على الانقلاب !!

 


 

 

بــهدوووء_
قديماً ضرب الناس مثلا بجمل يدور في مكانه لإخراج الماء من بئر ولا يتقدم. (دلو) ماء يوحي بالحياة لكن الجمل يخرج من مكانه غالبا ميت، واتخذت هنا هذا المثل لوجه الشبه نفسه. الدوران في المكان الواحد واستيهام التقدم لكن الموت هو النهاية.
جمل الانقلاب في السودان يدور في مكانه و هاهو يكمل سبعة أشهر بالبرهان نفسه. يجمّع فريق الانتهاز من حوله ويستعدان لدورة اقصائية أخرى موجهة ضد فئة تعلمونها جيدا وكل من تسول له نفسه التحالف الديمقراطيين. أما الديمقراطية والتقدم والتنمية فوهم كبير مثل الماء الذي يتوهم الجمل استخراجه من بئر نسي الناس أن يحفروها. باع الأمريكيون القطار للإسلاميين ورتبت مصر والامارات الوضع السوداني مرة أخرى وأمامنا دورة اقصائية جديدة تستوجب (فريسة) اخرى. لقد كسب اليسار السوداني عقدا آخر من الخمور المدعومة وليس لهم من مكسبهم إلا ذلك.
أين ذهبت جملنا الرنانة عن الانقلاب الذي يترنح؟ لقد كنا نرى الجنرال المنقلب وفريقه وكثير من الغوغاء التي ناصرته ثم هربت من مواجهة عارها في الشارع. ولم ننتبه (وها نحن ننتبه بكثير من التأخير) أن الانتهازيين قد استولوا على الانقلاب رغم الزهو الغبي لصاحب الاستشارة. الذي لا يزال يظن أنه يحكم.
لم نول الأمر أهمية كبيرة. فقد كانت الضجة التي تحدثها بعض القضايا الانصرافية التي صدرت عن بعض وزراء الحكومة الانتقالية في عهد حمدوك (كتغيير المنهج) و(سيداو ) في الوسائط وفي الشارع تجذب انتباهنا بعيدا عن العمل الدؤوب الذي كان يخطط له بخبث شديد و يهدف إلى استعادة السلطة من المدنيين إلى ملاكها (الأصليين حسب زعمهم) وقد أنفقنا وقتا كثيرا في السخرية من البرهان بينما كان لوبي المال المالك الحصري للإسلاميين المزروع في المؤسسة العسكرية يتسرب قريبا منه ويدفعه إلى الانقلاب وقد فعل.
لقد أنجز الجنرال المهمة المطلوبة وهي تعطيل الدستور المخيف وحل الحكومة وإغلاق لجنة ازالة التمكين ثم حلها ثم (مرمطة)رئيس وزراء حكومة الثورة وبقية أعضاء حكومته المتمسكين بالشرعية الثورية والآن يريد فرض دستور جديد (يكتبه رجال عمر البشير في هذه اللحظة). نهاية البرهان ستكون بنهاية كتابة دستوره. حتى ذلك الحين سيسمح له بالحلم أن يكون رئيسا للدولة الانقلابية البرهانية. التهديد الباقي هو قوى الحرية والتغيير وأنصاره وحلفاؤه وفيهم لفيف من الديمقراطيين المخيفين بجانب الظهير الخطير (لجان المقاومة) . ليس من السهل ضربهم بطريقة الإسلاميين ونظام البشير الحاسمة ولكن جرهم إلى سباق بين المحاكم والقضايا الجنائية الصغرى كفيل بشغلهم عن تعطيل المسار. قد تكون آخر ضربة مطلوبة من الجنرال للمسار الديمقراطي هو وضع قانون جديد للأحزاب ينظف الساحة من كل الأسماء الموجودة الآن. أي الحزب الوحيد الذي سيتركه قائما فعلا هو حزب المؤتمر الوطني.
لقد ترنح المنقلب فعلا وسيسقط لكن ليس بين يدي الثورة والديمقراطية بل بين أيدي فلول نظام البشير والحركات المسلحة الكامنين في مفاصل الدولة، وأهمها المالية و الإعلام. ولكن ماذا جرى لمكاسب الثورة ومناخ الحرية؟
نتجه حثيثا إلى استكمال سنة من الانقلاب وخلالها عاين الجميع أن الانقلاب لم يترك رذيلة في حق الديمقراطية إلا ارتكبها لكن أنصار الحرية والديمقراطية وقفوا مترددين ينتظرون أن يسقط الانقلاب من تلقاء نفسه. بعضهم انتظر أو تمنى أن يستمر خروج الشارع وحده لإسقاط الانقلاب وليعيد لهم السلطة من بعده. فئات كثيرة لها لسان طويل في الحديث عن الديمقراطية لكن الانقلاب كشفها. (وهذا مكسبه الأهم)
هل نجزم بعدم تشبع النخبة السودانية بفكرة الحرية وعدم إيمانها بالديمقراطية. قد يكون هناك تجن على البعض لكن النخب التي رأت دستورها يأكله الحمار و حكومتها الانتقالية تفكك مثل فريق كرة هاو و وزرائها يقفون أمام المحاكم ويهددون بالسجون والمعتقلات من وقت لآخر ولم تنزل الشارع فتوقف المهزلة أعتقد أنها أقل من الحرية والديمقراطية وأن حساباتها الفردية والفئوية غالبة عليها.
ننسب إذن ما بالغنا في وصفه سابقا بنهاية الانقلاب لعلنا نجد الجمل المناسبة لوصف اللحظة التي يتقدم فيها الانقلاب (أعني المتخفين خلفه) نحو فرض معركة استئصال جديدة على شعب يعيش تحت تهديد فقدان المعيشة. الوضع القادم هو نسخة من الوضع السابق ستحل فرنسا مشكلة الغذاء لأنصارها العائدين إلى السلطة من بوابة الانقلاب. أما الهواء البارد الذي فتحته امريكا للإسلاميين فسأعود إليه في ورقة قادمة إذا غفل عنا (يسار البيرة المدعومة).
الخلاصة، لدينا مشكلة في الفاعلين في المشهد بشكل عام، سواء على مستوى السلطة أو المعارضة مدنيين وعسكريين سواء كانوا محسوبين على الأحزاب السياسية أو منظمات المجتمع المدني أو الجيش أو الحركات المسلحة، في إشكال في السستم الناظم لمنطق التفكير في إدارة المشهد منذ الإستقلال وحتى يوم الناس هذا، مما يجعل أجيال متعاقبة ترتكب نفس الحماقات. تم تصفير عداد السودان القديم تماما، والسودان الجديد يجب أن يكون بالضرورة (البنحلم بيهو يوماتي) ،المعادلة الحالية دي ما فيها ناجين وهالكين، فإما أن ننجوا جميعا أو نهلك جميعا.
إن الجمل مازال يدور مكانه ويستخرج الهواء في دلو مثقوب. الاحتمال الوحيد الذي ينسف قولي هذا هو أن يعسكر أنصار الديمقراطية في الشارع فلا يعودون إلى بيوتهم إلا بإنهاء المنقلب ومن يتخفى خلفه. أرأيت أيها القارئ هذه الجملة تجعل جمل الطاحونة يخرج حيا ويتخذ طريقا مستقيما. وهذا ينقض الحكاية المؤسسة.

أخر الهدوووء:-
كثير من المؤشرات في لقاء كرتي مع الطاهر التوم مؤشرات أوصلت الرجل إلى أن النهاية في الأفق وهي النقطة التي تشير ربما إلى بروز تيار من القيادات الإسلامية رتبت ملعب رديف وربما تطبيق إحتياطي (هذا لم يقله لكن الحديث ربما يرمي إليه) وبالتالي حينما (حدث ما حدث) وربما بتعجل اللجنة الأمنية لم يتفأجأ كرتي ومجموعته وإن كان حديث الرجل ربما يشير الى أنهم ضد التوقيت وليس مبدأ أو فكرة الإزالة للنظام السابق الذي كان هو قياديا مهما فيه.
المؤكد أن ظهور كرتي سوف يفجر خلافا داخل الإسلاميين فهنالك معارضة للقيادات القديمة أو لنقل شيوخ الحركة فيجب أن يفسح المجال للشباب وهنالك مجموعة الاحياء والتجديد تعمل بصمت ومنهجية وأظن المستقبل لهؤلاء الشباب للتخلص من كل اخطاء شيوخ الحركة والذي طغى أحيانًا عند البعض منهم العنصر القبلي على الفكرة. ولنا عوده حول هذه المقابلة.

mido34067@gmail.com
//////////////////
إن فوكس

 

آراء