الانفصال … وإشارات طه … بقلم: عادل الباز
الدولة في قمّتها يؤرّقها الانفصال، للإحساس بالمسئولية التاريخية الملقاة على عاتقها في حال لاقدّر الله انشطرت البلاد إلى دولتين, إنه بحق هم يزيل الجبال. الإحساس بثقل المسئولية تلحظه في لقاء السيد الرئيس بقادة الأحزاب للتفاكر حول موضوع الاستفتاء، ثم في خطاب الأستاذ علي عثمان نائب الرئيس في الإفطار السنوي لأنصار السنة. استوقفتني إشارات مهمة في هذه الفقرة من خطاب علي عثمان «إنّ المؤامرات الخارجية والوافدة لن تقطع العلاقة ما بين الشمال والجنوب، لأنّ ما يجمع الطرفين أكثر مما يُفرِّقهما، وقال إنّ مقوّمات الوحدة أقوى من دعاوى الانفصال. وأضاف: وما أكثر مُراهنتنا على القواعد مهما قلنا وشكونا».
الإشارة الأولى تتعلق بتدخل خارجي كان قد ألمح إليه الأستاذ علي عثمان نفسه في حديث سابق حين قال: إن دولتين فقط ترحبان بالانفصال. أشار المراقبون إلى أن كينيا ويوغندا هما الدولتان المعنيتان.على أن حجم هذا التدخل وكيفيته ظلت سرّاً، ولم يتبين الناس خطره. من المؤكد أن يوغندا وكينيا تتوهمان أن مصلحتهما في انفصال الجنوب بأمل الحصول على ملايين الدولارات من التجارة مع الدولة الجديدة. للأسف ستكتشف الدولتان بعد قليل أن خسارتهما أكبر بكثير من المكاسب التي ستتحقق. فيوغندا التي تواجه اليوم تمرد جيش الرب وهي تتمتع بمساعدة دولتين هما الكنغو والسودان، فإذا ما استقلّ الجنوب واندلعت الحروب التي أطلت برأسها الآن (أتور نموذجاً) ستجد يوغندا نفسها مواجهة بفوضى شاملة تجتاح كل شمالها، ولن تكون السيطرة ممكنة على الآلاف من المتمردين. سيختلط حابل جيش الرب بنابل الحروب القبلية التي ستندلع في تلك المنطقة المشتعلة أصلاً.
كينيا ستدفع ثمن تعجُّلها في تشجيع الانفصال حين يتدفق على حدودها الآلاف من اللاجئين الذين ستعصف بهم النزاعات القبلية المتفشية على الحدود الآن. ما ستصرفه كينيا ويوغندا ثمنا لعدم استقرار الجنوب لن تعادله العمليات التجارية المحدودة التي تجري الآن مع الجنوب. أما إذا اندلعت حرب شاملة بين الشمال والجنوب لاقدّر الله، فلن يحصلا على دولار واحد يعالجان به إشكالات اقتصادياتها المنهكة.
الإشارة الثانية في حديث علي عثمان تتعلق بمقومات الوحدة التي قال عنها إنها أقوى من دواعي الانفصال. وهذا حق، ولو سُئل الانفصاليون عن السبب الذي يدفع بهم إلى الانفصال لما وجدوا غير همهمات لا علاقة لها بالمنطق ولا الإحساس بالمسئولية تجاه الأمن القومي للبلاد، ولا ينظرون إلى المخاطر التي تتهدّد الشمال والجنوب جرّاء تداعيات الانفصال. كل ما هناك يتعلق برغائب ذاتية، أو حزازات تاريخية لا علاقة لها بالواقع. بالوحدة يمكن أن تتحقق معادلة التنمية ويُصان الأمن القومي من خطر الحرب بل الحروب.
بالوحدة يتم التعايش بين قبائل السودان المختلفة مما يهيئ الأوضاع لحالة استقرار يمكن بداخلها تطوير النظام الديمقراطي الذي عصفت به دائما حالة عدم الاستقرار التي عانتها البلاد.. باختصار، بالوحدة وليس بغيرها يمكننا إنجاز حلم السودان الجديد!!.
الإشارة الثالثة هي رهان الأستاذ علي عثمان على القواعد الشعبية بالجنوب. هذه الإشارة تستبطن يأساً من قيادة الحركة الشعبية التي لم تبدِ أي حماسة لتبني الوحدة أو الترويج لها لا، بل بدأت تخلق أجواءً مشجعة على الانفصال، وبعض قيادتها اختارت الانفصال بشكل نهائي وجنّدت نفسها للدفاع عنه. لاشك أن الرهان على القواعد رهان صحيح بعد أن انخفض صوت الوحدويين و(لبدوا) ولكن الرهان على القواعد يتطلب خطابا مختلفا عن خطاب النُّخب ويحتاج أدوات جديدة لمخاطبتهم وطرح قضاياهم، واستخدام لغة قريبة من دواخلهم وعقولهم. إذا أفلحت السلطة في اكتشاف طرائق جديدة لمخاطبة القواعد الشعبية فبالإمكان تغيير الأجواء وتهيئة مناخ مشجع يقود للتصويت للوحدة وليس ذلك مستحيلا، فقط لنبدأ بشكل صحيح وبعزيمة لاتعرف اليأس.
\\\\\\\\\