الانهيار الصحي في السودان 3-3

 


 

 

 
بحث وزير المالية مشاكل القطاع الصحي التي نجمت من الاجراءات الاقتصادية التي اشتملت علي تخفيض اموال التيسيير للوزرات الاتحادية بنسبة 30%، والتحديات التي تواجه الميزانية من الصرف علي الخدمات الأساسية والمستشفيات، بعد فقد جزء كبير من الإيرادات بعد الانفصال، مما يتطلب الموازنة بين الامكانيات الشحيحة  في اوجه الصرف. (الصحافة 14\2\2011). هذا الخبر يعني ببساطة ان ضآلة ما تصرفه الدولة علي الصحة حاليا هو مقدمة لان يتدني ليبلغ صفر بعد يوليو القادم. ولعله من السذاجة الاشارة الي ان "الموازنة بين الامكانيات الشحيحة والصرف" لن تمس المقدسات كجهاز الامن، أو جيش المستشارين، الذين لا ندري إن كان القصر الجمهوري علي عهد غردون يسعهم أم شيدوا امتداد له.

الحل الحكومي لغلاء أسعار الأدوية، فبراير 2011:
خلال مخاطبته ل "ورشة تطوير الصناعة الدوائية الوطنية" تطوع السيد علي عثمان، مشكوراً، بنصح شركات الدواء "بالتحلي باخلاقيات المهنة الإنسانية ومراعاة حقوق المواطنين." وأضاف الأستاذ أن "فاتورة الدواء أصبحت تمثل ضغطاً نفسياً علي الاُسر، خاصة الدواء ذا الاستخدام المتكرر." بعد أن تخلي النظام عن مسؤوليته الأخلاقية في دعم الدواء، فهو يقدم الحل الناجع للمشكلة: نصيحة غالية للشركات؛ كأن سيادته يجهل أن القطاع الخاص يعمل من منطلق واحد هو الفائدة؛ وكأن رسالة المشروع الحضاري قد نسخت قول الفاروق "لو ان شاة عثرت علي شاطئ الفرات  لسئل عنها عمر يوم القيامة." هؤلاء اتبعوا أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدي.

أبريل 2011:
نشرت صحيفة "حريات" خبر مصحوب بوثيقة، أشار الي ان السودان قد أصبح مزبلة نفايات الكترونية. وذكرت ان البلاد قد استقبلت في عام واحد 586 حاوية من النفايات الالكترونية، وتحولت بذلك الي اكبر مقبرة للنفايات في العالم. وأفادت بتورط وزراء في استجلاب هذه النفايات عبر منظمات حكومية؛ وان الذين يتعهدون بالتخلص منها يتلقون مبالغ طائلة، علماً بان لها اضرار بالغة علي الإنسان والزراعة والمياه. وقد اجرت "حريات" لقاء مع الدكتور نزار الرشيد، الخبير في النفايات النووية، الذي أفاد بانه خلال عشر سنين سيكون لدينا 22 مليون مصاب بالسرطان. (حريات 9\4\2011).

الايدز:
حسب البنك الدولي والأمم المتحدة، يتبوأ السودان المرتبة الأولي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث انتشار مرض الايدز. وحسب البرنامج القومي السوداني للإيدز (حكومي)، ييلغ عدد المصابين ب 400 ألف حسب إحصائية 2004. وتشير الدراسة التي بين أيدينا علي ان هذا رقم متواضع لحساسية البعض عن الحديث عن هذا المرض، خاصة الاُميين. صحيح ان الحكومة ليس لديها مسؤولية مباشرة عن انتشار هذا المرض، كمسؤوليتها عن انتشار الفشل الكلوي (رداءة التصريف)، أو السرطانات (النفايات الالكترونية\الأسمدة الفاسدة)؛ ولكنها مسؤولة بطريقة غير مباشرة، لأن تردي الخدمات الصحية قد أدي لإلتقاط نسبة معتبرة من المرضي الفيروس من خلال عمليات نقل دم. هذا ما ذكرته عائشة إبراهيم، التي تعمل متطوعة مع جمعية المصابين بالايدز، وهي احدي ضحايا هذا التردي إذ إلتقطت الفيروس بتلك الوسيلة. مسؤولية النظام أيضاً في انه لا يصرف علي الحملة ضد الايدز ويعتمد علي العون الخارجي، (26 مليون دولار من أمريكا، التي قال رئيسنا المفدي أنه يضعها تحت حذائه)، والمنظمة البريطانية (Global Fund). مسؤولية النظام تتمثل أيضاً في انه كان يرفض الاعتراف بوجود الايدز في دولة المشروع الحضاري، التي لا تقل طُهراً عن دولة المدينة. لذا، فقد ظل حتي عام 2003 يرفض مواجهة الوباء، ويرفض بث الوعي عنه، من خلال الإعلام والمناهج الدراسية، ويرفض تداول العازل أو الواقي. تجدر الإشارة الي أن أكبر مصدر لانتشار هذا الوباء هو تفشي الدعارة، احدي الأمراض الاجتماعية التي بثها النظام الإسلامي، بسبب الفقر والبطالة.  

 فبرائر 2011:
إغلقت وزاراة الصحة بولاية سنار المستشفي الصيني. وهناك روايتان حول سبب الإغلاق. تقول الأولي، التي يمثلها دكتور ولاء الدين المعزل، ان غالبية الأطباء الأجانب غير مسجلين بالمجلس الطبي، كما لا توجد رقابة مباشرة علي عملهم، وتم اكتشاف مخالفات. أما الرواية الثانية، فيمثلها اثنان: دكتور شرف الدين هجو، الذي قال ان "المستشفي الصيني إضافة حقيقية للصحة بالولاية"؛ ودكتورة سارة حسن عبدالله، التي طالبت "بضرورة الاسراع في فتح المستشفي، لما يقدمه من إضافة وتطوير للخدمة الصحية." وتفيد بعض المصادر بان الإغلاق تم لأن هنالك لوبي من الأطباء المقربين من صناع القرار قد تضرروا، لأن المستشفي الصيني يقدم خدمات صحية مجانية لشريحة واسعة من الفقراء؛ ويرون ان "اعادة فتحه تُعد هزيمة لهم واقتطاعاً لجزء من رزقهم وتقديمه علي طبق من فضة للصينيين" (الصحافة 22\2\2011). والواضح ان الرواية الثانية أقرب للصواب، لأن هذين الطبيبين ليس لديهما مصلحة مادية في عمل مستشفي يقدم خدمات مجانية. وإن كانت المسألة عدم تسجيل الاطباء الأجانب، وعدم وجود رقابة عليهم، فالعلاج يكون بتسجيلهم ورقابتهم وليس بإغلاق المستشفي. يشير هذا الخبر الي فوضي ضاربة الاطناب إذ ان "أطباء السُلطة" جعلوا من مرض المواطن ساحة حرب فيها منتصر ومهزوم.

الفقرات الاربع القادمة بدون تعليق والغرض جمع المادة:
تراجع مستوي الخدمات العلاجية في مستشفي الابيض التعليمي، وباتت لا ترتقي لإستيعاب الأعداد الكبيرة من المرضي، الذين يدفعون ثمن ذلك العجز فبات عليهم تكبد عناء السفر للعلاج؛ كما أسهم ذلك العجز في ازهاق أرواح البعض، وآخرون اقعدتهم فاتورة الاسعاف الباهظة ليجدوا حتفهم الأكيد. وقد اتضح ان المستشفي يعاني من شيخوخة متأخرة في بنيانه حيث شُيد قبل اكثر من ستين عاما، دون ان تساهم الدولة في تجديده. عند تشييده كان هذا المستشفي يستهدف عددا محدودا من السكان، لا يتجاوز عددهم العشرة آلاف إلا انه يستهدف حالياً ربع سكان السودان. ومر فريق "الصحافة" علي "مرتع الاوساخ والتبول والنفايات شمال المشرحة وجنوب كلية الطب، فلم يستطع الوقوف لاكثر من ثلاث دقائق، من كآبة المنظر وسوء الحال." (الصحافة 20\2\2011).  


ينائر - أبر يل 2011:
ارتفعت حالات الاصابة بمرض الكلازار بولاية القضارف الي أكثر من 5,555، فيما بلغ عدد الوفيات أكثر من 140 حالة سنويا. وتخوفت مصادر طبية من تحول المرض الي وباء. وعزت مصادر طبية بالولاية ان ارتفاع عدد الوفيات والاصابات الي وصول المرضي في حالات متأخرة من المرض الي مشافي العلاج، بجانب مصاحبة المرض لامراض اخري فتاكة، مثل الايدز والدرن والتهاب الكبد الوبائي. ولا يتقصر هذا الداء علي القضارف إنما يشمل ولاية سنار ومناطق الحدود الشرقية. وأكثر الانواع خطورة الذي يهاجم الغشاء المخاطي والجهاز الهضمي والكبد والطوحال ويؤدي الي فقر الدم، ومنه نوع يفتك بجهاز المناعة. (الصحافة 25\1\2011). يصيب هذا المرض الذين يعانون من الفقر المدقع وسوء التغذية؛ وفي بعض القري يكون كل السكان مصابين به. ويستقبل مركز علاج الكلازار، الذي تديره منظمة أطباء بلا حدود، 150 مريضا يوميا، يسافر بعضهم مسافة 130 كيلومترا من اجل الحصول علي العلاج. وكان مبني المركز ضيق المساحة بحيث يُعالج المرضي تحت الأشجار. (حيدر عبدالحفيظ، عن دكتور داغمليدت ووركو، سودانايل 9\4\2011).

ينائر 2011:
ألغي مستشفي سنار العمليات الجراحية وعمليات التوليد بسبب انعدام مواد التخدير و(الشاش) والأدوية المنقذة للحياة. حدث ذلك بعد أن سدد أهالي المرضي كافة الرسوم المقررة للعمليات. وتم إلغاء عشرين عملية عاجلة بينها حالات ولادة قيصرية. (الصحافة 26\1\2011).   

فبرائر 2011:
ظاهرة غريبة شهدتها منطقة الخوي بشمال كردفان، تمثلت في حالة ضحك هستيري وقهقهة عالية وهذيان غير معروف السبب أصاب ثمانين شخصاً. وتكهن عبدالحميد منصور، وزير الصحة بشمال كردفان، بان نوعاً من القمح المخصص للزراعة (تقاوي) تسرب الي الأسواق قد تسبب في هذه الحالة.   

وإن كان عدد سكان السودان الشمالي 30 مليون، منهم اثنين مليون طفل مريض بالسكر، وثمانية ملايين حالات غير مكتشفة، 35 ألف مريض قلب، 450 طفل يحتاج لزرع كبد، 450 ألف مصاب بالسرطان، أربعة آلاف فشل كلوي، 20 طفل يضافون يومياً للفشل الكلوي (730 سنويا)، 600 ألف مريض درن، 400 ألف ايدز، 5,555 كالازار، فكم يبلغ عدد الأصحاء في دولة المشروع الحضاري؟ هذا مع الوضع في الحسبان ان إحصائية السرطان، الموجودة في الحلقة الاولي، هي لعام 2006، وإحصائية الايدز أعلاه لعام 2004. ومع الوضع في الحسبان ان عدد المرضي بالدرن والايدز يتزايد باستمرار لسهولة العدوي. ومع الوضع في الاعتبار ان هذه الإحصائيات والدارسات تنحصر في أقاليم معينة ومحدودة من القطر؛ وهنالك أصقاع منسيِّة الله وحده أعلم بحالة قاطنيها الصحية، كجبال النوبة والبحر الأحمر والأنقسنا ودارفور. أما ردنا علي سؤال كم يبلغ عدد الأصحاء فهو شريحة ضئيلة، علت في الأرض وإنتفخت كروشها، وإحتكرت ثروة البلاد، وحولت منها أرصدة في الخارج، وتتطاول في بنيان القصور بعد فقر وفاقة.     

باختصار، هذه أمة تحتضر وتعاني الموت الآني والمستقبلي، لأن الأثر لهذا الوضع الصحي المأسوي لا يقتصر علي الحال فقط بل يتعداه للأجيال القادمة، حتي بالنسبة للأمراض غير الوراثية، لأنه يؤدي لإفراز جينات أضعف. ذلك لأن للعديد من الأدوية آثار جانبية منها ما يضعف جهاز المناعة، خاصة مع انتشار سوء التغذية والفقر. إن معاملة نظام الخرطوم لشعبه كرب أسرة حباه الله بالنعم ولكنه عديم المسؤولية؛ ينفق علي الهوي واللذة، بينما يتصدَّق الغرباء علي أطفاله بالطعام (منظمة الغذاء ومرضي الدرن)، ويعالجهم المحسنين (أطباء بلا حدود ومرض الكلازار)، (أمريكا ومرضي الايدز)؛ واليد العليا خير من اليد السفلي. والحال أن هذا الشعب العظيم يتعرض لإبادة جماعية؛ ويبدو اننا نحتاج أن ندخل مفهوم ومبدأ جديد لمجلس الأمن والمحكمة الجنائية نطلق عليه مبدأ "التدخل الأمُمي لحماية الشعوب من الابادة بسبب الإهمال الصحي."   
 
 

Babiker Elamin [babiker200@yahoo.ca]

 

آراء