البجا ويوميات جيش غازي … بقلم: جعفر بامكار محمد

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

jbamkar@yahoo.com

حملة السلطان الناصر محمد بن قلاوون علي العربان (البجا)
ببرية عيذاب في بداية القرن الرابع عشر الميلادي
مقدمة   :
 تعرض البجا لغزوات وحروب كثيرة مع الفراعنة والرومان والاحباش  والعرب والاتراك والانجليز وكان من اشهرها غزوة الملك عيزانا ملك اكسوم في القرن الرابع الميلادي والذي  هجر ونفي اعداد كبيرة من البجا لمنطقة بجا مدر بالمرتفعات الاثيوبية ليجعل منهم سداً وساترا بينه وبين قبائل الاقو  الحامية المتوحشه ولكن البجا تمكنوا بعد اربعة قرون من الانتقام واسقاط مملكة اكسوم للابد.
إن كثيرا من اخبار هذه الغزوات والحروب مذكورة في المراجع التاريخية ولكن غزوة المماليك اكثرها تفصيلا ولذلك سوف نجعلها مدخلا مع التعليق على بعض ماورد بها .       


غزوة المماليك :
المصدر : نهاية الارب  -     للنويري -  مخطوطة بدار الكتب المصرية  .
قالت المخطوطة :
(   في سنة عشر وسبعمائة  امر السلطان (الناصر محمد قلاوون ) بتجريد جماعه من العسكر الى جهة الصعيد وان يتوجهوا خلف  العرب حيث كانوا من البرية  ) ...
تعليق :
لفظ العرب حتى الان يطلق على البجا بشرق السودان واقدم واشهر احيائهم ببورتسودان يسمى ديم العرب . السلطان قلاوون يعلن الحرب الشاملة على البجا دون استثناء لاي احد سواء كان مقاتلا او مسالما او كان مسلحاً أو اعزلا وهذا هو شأن الطغاه في كل زمان ومكان .
وتستمر المخطوطة فتقول :
 (   فجرد الامير علاء الدين مغلطاي  امير مجلس وهو المقدم على الجيش وهو  من جملة مقدمي الالوف  والامير عز الدين ايدمر الدوادار والامير علم الدين سنجر الدميشيري والامير علاء الدين على بن الامير شمس الدين قرانسقر المنصوري والامير بهادر النغذي والامير سيف الدين بن الدمياطي والامير صارم الدين الجمركي  والامير سيف الدين طغرصها متولى الاعمال القوصية والاخميمية وسبعة من مقدمي الحلقة المنصورية   .)
تعليق :
 انظر لهذه التشكليلة من امراء الجيش المملوكي . كل القيادة العامة للجيش المملوكي مشتركة في هذه الغزوه ضد شعب (البجا) انهم يعتقدون  ان الحرب مع البجا سهلة ولا يعلمون ان الامبراطورية الرومانية قبلهم  كانت تدفع الاموال للبجا لتفادي الحرب معهم او لقبولهم للهدنه.
وتتواصل المخطوطة فتقول .
( توجهوا في نحو خمسمائة فارس وكان رحيلهم من القاهرة في يوم الاربعاء العشرين من شوال من السنة . كان سبب هذه الحرب ان العربان ببرية عيذاب قطعوا الطريق على رسول اليمن الواصل الى الابواب السلطانية واخذوا ماكان معه من التقادم ومن رافقه من غلمانه  التجار وما حملهم على ذلك ان الامير سيف الدين طغعيا متولي الاعمال القوصية  قد اعتقل فياضا أمير هذه الطائقه من العرب  فأخذت أصحابه الحمية على فعل ذلك فلما اتصل فعلهم بالأبواب السلطانية جرد هذا العسكر في طلبهم ورسم ان يتوجهوا الى مدينة قوص ويتوجهوا منها الى  البرية ويتتعوا العرب حيث كانوا )
 تعليق  :
        من الواضح ان سبب هذه الغزوه ان واحداً من امرء المماليك المتغطرسين قام باعتقال زعيم من زعماء البجا بمدينة قوص المصرية وكان رد البجا استباحة قافلة سفير اليمن المسافر من ميناء عيذاب بالبحر الاحمر لمدينة قوص بصعيد مصر الى القاهرة وهو بحمل الهدايا النفيسة للسلطان من سلطان اليمن . ولقد جعل البجا  غلمان وممتلكات  السفير رهائن لحين اطلاق زعيمهم ولكن سلطان المماليك تملكة الغضب والغرور وبدلا من حل المشكلة بطريقة مرنة وبالحوار لجأ لتأديب شعب البجا وشن الحرب الشامله عليهم .
كان بامكانه حصر الأمر في الذين سلبوا السفير ولكن  هذا لم يكفه وهكذا الطفاة دائما .
وتتواصل المخطوطة فتقول :.
( اخبرني  الامير عز الدين الدوادار  احد الامراء الذين توجهوا وهو الثقة في اخبارها انهم توجهوا في التاريخ المذكور حتى انتهوا الى مدينة قوص فأقاموا بها خمسة وخمسين يوماً )

تعليق :
    شئ عجيب جيش على قيادته افضل امراء الحرب من المماليك وعندهم امر واضح لغزو البجا .
 من السلطان يمكثون قريب الشهرين بمدينة قوص بصعيد مصر . يبدوا انهم خائفون ولا يدورن ماذا يفعلون والا فما هو التفسير  لهذا الابطاء الغريب ؟ ماذا ينتظرون ؟     
وتواصل المخطوطة فتقول  :
   ( في مدة مقامهم توجه متولي الأعمال والأمير صارم الدين الجمركي الى البرية لاقناع  العربان لرد ما اخذ من الاموال ومراجعة  الطاعة فاجتمعا بهم ولم يجدا بالموافقة على ما أراداه ولما توجها طولع السلطان تواجههما وان العسكر تأخر لقلة الماء وسعة البرية وجهز بذلك الامير بدرالدين بكتمر الحسامي  احد مقدمي الحلقة المنصورية )
 تعليق  :
يبدو ان المسئول بمدينة قوص تتضابق من وجود الجيش بمدينته وحاول ان يجد حلا مع البجا ولكنه فشل  لانه لم يستجب لطلب البجا باطلاق سراح زعيمهم وكان يعلم ان فرص نجاح الغزوة قليلة بسبب اتساع البرية وقلة الماء .
 وتستمر المخطوطة فتقول :
(   لما وصل ذلك الخبر أي تاخر الجيش بقوص لقريب شهرين  الى الابواب السلطانية حصل من السلطان الانكار الشديد بسبب تاخر العسكر عن دخول البرية وعندها توجه العسكر في الاول من المحرم سنة سبعة عشرة وسبعمائة (هـ ) ودخلوا الى البرية  فانتهوا الى ثغر عيذاب بعد حمسة عشر يوما  واجتمع العسكر بالاميرين سيف الدين طغعيا  وصارم الدين الجمركي بعيذاب وقاموا بها اثني عشر يوما . كان متولي الاعمال قد اصطحب معه . فياضاً أمير العرب الذي كانت الفتنة  بسبب اعتقاله .)
تعليق :
عجيب امر هذه الغزوة لماذا لا يطلقون سراج زعيم البجا ويكفوا انفسهم شر القتال ؟ وما فائدة اصطحابهم له معهم ماداموا لا يريدون اطلاق سراحه ؟ انه غرور القوة والاستكبار والغطرسة وسيعلم الظالمون أي منقلب ينقلبون .
 وتواصل المخطوطة فتقول :
 ( ثم دخل الجيش من ثغر عيذاب وساروا حتى انتهوا الى سواكن في اثنيي عشر يوما يسلكون  بين الجبال والادغال وحصل لهم ضرر كبير بسبب المياه وقلتها حتى كادوا يهلكون في ماء منها يقال لة ديكام . فان العربان كانوا قد غدروا المياه امام العسكر فاقام الجيش اربعة ايام ووصل الى ذلك الماء في اليوم الخامس فوجدوا مورد ماء واحدا وهو متغير اللون والطعم والرائحة فيما هم كذلك قدمت كشافة العسكر وكانوا قد قدموا من يستعرف  خبر تلك الجبال فدخلوا من هناك وقت المغرب وانتهوا الى مياة قد اجتمعت من الأمطار فاقاموا بها بقية تلك الليلة الى نصف النهار من اليوم الثاني وحملوا منها وانتهوا وارتحلوا حتى انتهوا الى سواكن )
تعليق :
 مدينة عيذاب المذكورة موقعها بمكان مدينة ابورماد بالقرب من مدينة حلايب وسميت  مدينة ابورماد بابي رماد  لان السلطان المملوكي برسباي  حرق عيذاب في تاريخ لاحق عام 1426م ويبدوا ان وقت الغزو كان شتاء لان المخطوطة تتحدث عن هطول امطار بالمنطقة الساحلية بين عيذاب وسواكن ولا تهطل الامطار بهذه المنطقة الا شتاءً في الغالب .
 ان اسلوب حرب البجا تاريخيا هو حرب العصابات المرهقة للعدو وهم ينسحبون للصحراء ليطاردهم  الأعداء حتى ينفذ زادهم وماءهم وتتدهور معنويات الجيش ثم انهم يحاولون حرمان العدومن مصادر المياة بدفن الابار بطريقة الغاء الاشواك وجثث الحمير فيها حتى  لاتعود صالحة للشرب  وهذا  مااكتشفة جيش المماليك  في اول اسبوعين من الغزو كما انهم لم يجدوا احدا من السكان او مواشيهم فقد هربوا للصحاري والقفاروقمم الجبال . لقد اصبحوا يحاربون اشباحا .
ان الامير عثمان دقنة في ليلة معركة تاماي  الكبرى اكبر معارك المهدية بشرق السودان والتي كسر فيها المربع الانجليزي العتيد . امر الامير عثمان دقنة قواتة في تلك الليلة التاريخية الحالكة السواد ان يزحفوا على بطونهم حتى معسكر الجيش  البريطاني بقيادة الجنرال جرا هام  وعندما يقتربون  من ذلك المعسكر يمكنهم رؤية من داخل المعسكر بسبب النيران التى يتم اعداد الطعام عليها والذين بالمعسكر لا يستطيعون رؤيتهم وكانت تعليماته الصارمة بان يطلقو النار على الجمال والبغال والحصين وحاويات المياة وان يتركوا الجنود.
   عند الصباح اكتشف الجنرال جراهام ان حيوانات جر حاويات المياه  قد ماتت وان حاويات المياة فارغة بعد ان اصابها الرصاص وفقد الماء لم يكن يمتلك قطرة  ماء ولا يستطيع ان يستمر في الحرب دون ماء ولذلك عاد مسرعاُ لسواكن بعد يوم واحد فقط . نفس الامر حدث لامراء المماليك المترفين كيف يجدون ماء يروى عطشهم في برية البجا الغامضة بل اين البجا انفسهم حتى يحاربوهم . لم بروا احدا حتى وصلوا سواكن
وتواصل المخطوطة فتقول :
( خرج اليهم متملك سواكن بالطاعة والانقياد لاوامر السلطان وقرر على نفسة قطعية الى الابواب  السلطانية في كل سنة وهي من الرقيق ثمانون راسا ومن الجمال ثلاثمائة راس ومن العاج ثلاثون قنطارا واسنقر بسواكن نيايه عن السلطان واقام العسكر بسواكن  ستة أيام واستصحب معه اولاد مهنا وكان فضل معهم احد مقومى العربان قد اتحلق بالعسكر فيما بين سواكن وعيذاب وصحبهم .)
تعليق :
الأمراء بسواكن هم الأرتيقة البجا وهم اكثر البجا خبرة فى الأمور السياسية والإقتصادية واعتقد أن الأرتيقة كانوا يسخرون من هؤلاء الأغبياء ويتعجبوت فى اهداف غزوتهم الفاشلة بل أظن أنهم كانوا يتهامسون ويتضاحكون ويقولون أن هؤلاء الأغبياء لم تكتب لهم السلامه ولن يعودوا لسواكن مرة اخرى لأخذ الرقيق والجمال والعاج وبالفعل صدق ظن الأرتيقة ولم يعد المماليك لسواكن مرة خرى والارتيقة بدهائهم الكبير سلموا انفسهم ومدينهم من القتال .
وتواصل المخطوطة فتقول :
  ( وتوجه الجيش خلف العربان ودخلوا البرية يتبعون اثارهم فساروا سبعة عشر يوما     وفي اثناء مسيرهم ظفروا بطوائف من السودان بقرب المياه في اودية هناك فقتل العسكر منهم واسر وسبى وغنم من مواشيهم من الاغنام والابقار وارتفق بها الجند وانتهوا  الى وادي اتيرب في اليوم السابع عشر فاقاموا  بها  يومين  ولم يجدوا من سواكن الى هذا الوادي غير ماء واحد وكان شربهم من مياه الأمطار وأمطرت البرية في غير المعتاد لعطاء من الله تعالى بعباده وإبقاء عليهم )
تعليق :
   لقد  نجح البجا بنسبة 98%   في حرمان هؤلاء  الغزاة  من الماء ولم يجد المماليك سوى ماء واحدا وبعض الامطار وهذا نجاح عسكري تكتيكي بامتياز  . اما اولئك المساكين الذين يقول عنهم بطوائف من السودان فهم ليسوا من البجا لانه يذكر ان لديهم أبقارا والبجا في الصحراء وشبه  الصحراء لايربون  الابقار وعلى بعدد سبعة عشر يوما من سواكن بل  الغالب ان هؤلاء من سكان نهر عطبرة قريبا من منطقة سيدون وعلى كل حال فان سلوك الجيش الغازي  كان وحشياً ومخزيا  مع السكان  المحليين الابرياء وهؤلاء لاذنب لهم   ولا علاقة لهم بمشكلة  زعيم البجا مع السلطان ولكن هكذا الأمور مع الغزاة لا يرحمون الأبرياء والمدنين المسالمين كما اثبتت ذلك المعلومات  التى كشفها موقع ويكليكس.  
وتواصل المخطوطة فتقول :
   ( ثم  ساروا الى ان وصلوا الى جبل زبيتات وهو جبل صغير على شاطئ نهر عطبرة وهو فرع من فروع  نيل مصر يخرج من بلاد الحبشة  فا قاموا علية يوما واحدا تم توجهوا يتبعون العربان وهم يسيرون على شاطئ ذلك النهر ثلاثة ايام والنهر علي يمين العسكر تم  فوزوا ودخلوا البرية الى ارض كسلا فانتهوا في اليوم الثالث من يوم دخولهم  المفازة  الى جبل كسلا وهو جبل اقرع ليس في تلك البرية غيره وجبل  الوس وبين الجبلين واد.
هذا الجبل هو حد بلاد التاكا من الحبش فلما وصلوا الية  وقد قربوا من الماء وهم في  ارضاً تربتها  تشبة ارض  بيسان  في كور الشام وهي كثيرة أشجار السنط وام غيلان وشجر الاهليج والابنوس والصبر  والحمى وهو الذى يطرح الثمرهندى إ طلع عليهم غبار امامهم فندبوا من يكشف الخبر . فعاد الكشافه واخبروهم أن طائفة من السودان تسمى حلنقه قد أجتمعوا لقتال العسكر وهم خلق كثير متقدم العسكر اليهم . )
تعليق :
 الحلنقه من القبائل البجاوية الهامه ولعبوا ادوراً هامه فى تاريخ البجا وهم مشهورن بالفروسيه والشجاعه الفائقه وهم اهل خيل خلاف الكثير من قبائل البجا التى لا تربى الخيول كما أنهم  اهل خبره عسكرية كبيرة وقد دوخوا الأحباش فى كثير من الحروب . والسؤال هو لماذا اختلف اسلوب الحلنقه بقرارهم بمواجهة الغزاه فى معركه فاصله عن تكتيك البجا الناجح بمناورة العدو وارهاقه واستنزافه ثم الاجهاز عليه اخيراً فى معركه فاصله مع الاستفاده من عامل الارض والسكان وانقطاع امدادات العدو .
 اعتقد ان السبب في مواجهه الحلنقة للغزاة يعتمد على سببين الاول خاص بشخصية ونفسية الحلنقه فالحلنقه فرسان على الخيول وتعودوا عبر الاجيال فى الدخول فى مواجهات ومعارك فاصله مع الأحباش والعامل الثانى سلوك الغزاة الإجرامى البشع بحق الآمنين والسكان على نهر عطبره هذا السلوك استفز الحلقنه وهم أهل نجده وبأس ويريدون أن يؤدبوا هؤلاء الغزاة ويوقوفونهم عند حدهم وهكذا الحلنقه دائماً عبر تاريخهم مع المعتدين . وهم فى هذا الامر مختلفون عن بقية البجا فى التكتيك وليس فى الهدف النهائى بدحر الأعداء .
وتواصل المخطوطه فتقول :
(  واجتمع العسكر فى أرض خاليه من الاشجار وقد صارت مثل البركه فدخل العسكر فيها وخلفه من اعلا البركه الحلنقه والعسكر اسفل منهم . وبايدى الحلنقه الحراب والمزاريق والسيوف ومع بعضهم النبل . فوقف العسكر وارسل إليهم اننا لم نأت لقتالكم وانما جئنا فى طلب طائفه من العرب افسدوا وعبثوا وقطعوا السبيل .)
تعليق :
   لقد بدأت  جرسة الجيش الغازى بعد أن راوا فرسان الحلقنه على الخيل وبأيديهم الحراب والمزاريق والسيوف وهكذا .الغزاة دائماً لايفهمون الإ لغة القوة والا لماذا استباحوا دماء واعراض واموال المساكين من قبل على نهر عطبرة وأن خبروحشيتهم قد بلغت الحلنقه فلذلك كان قرار الحلنقه المواجهه والقتال ولاشئ غير القتال ولم يكترثوا لاكاذيب الغزاة .
وتواصل المخطوطه فتقول :
( امنوهم – أى المماليك امنوا الحلنقه – فردوا الامان وابوا الا القتال فقاتلهم العسكر ورموهم رشقاً واحداً بالسهام فقتل من حلنقه أربعمائه وستون نفراً وجرح منهم خلق كثير ولم يتمكن العسكر من اسرهم فانهم كانوا يرون القتل احب إليهم من الاسر وقتل منهم اثنان من ملوكهم على ما حكاه من اجتمع بهم من غلمان  )
تعليق :
   كاتب المخطوطه لم يكن صادقاً فى هذه الواقعه لأنه بالغ كثيراً فى خسائرالحلنقه ولم يذكر أى شئ عن خسائر المماليك ولكن العبره بنتيجة المعركة . لقد هرب المماليك وعادوا ادراجهم لمصر ولو كانوا منتصرون لبقوا بكسلا يستمتعون بنتائج نصرهم .
وتواصل المخطوطه فتقول :
( ولما انهزمت هذه الطائفه من الحلنقه تحصنوا بالأشجار وتركوا احمالهم فأخذ العسكر منها ما قدروا على حملة من الذره وليس لهم طعام غيره وحمولوا حاجتهم من الماء ما قدروا على حمله ورجعوا من يومهم على آثارهم وذلك فى سادس شهر ربيع الأول سنه سبعه عشر وعادوا حتى انتهوا إلى ارييبباب  )
تعليق  :
  هل هذا سلوك جيش منتصر ام جيش سلوك جيش هارب تركوا ارض المعركة فى نفس اليوم على عجل وحتى دون ان يتمكنوا من دفن قتلاهم .
لقد فعلت المزاريق والحراب والسيوف فعلها فيهم فأصابهم الفزع والرعب ولم يستطيعوا الصبر حتى صباح اليوم التالى .
وتواصل المخطوطه فتقول  :
( ولم يمكنهم - أى المماليك – الرجوع على الطريق الذى دخلوا فعادوا إلى جهة الأبواب من بلاد النوبه واخذوا على نهر عطبره فساروا على شاطئه عشرين يوماً  ) .
تعليق :
     لقد تاب الجيش الغازى من اختراق أرض البجا مره اخرى وفضلوا العودة لمصر عن طريق متابعه مجرى النيل ولكن هذه المره بعد أن فارغتهم الغطرسه والغرور وفعلت فيهم مزاريق وحراب وسيوف الحلنقه فعلها فأصبحوا شرذمه جائعه خائفه تتطفل على السكان على مجرى النيل وتطلب منهم الزاد والطعام دون الاعتداء عليهم .
وتواصل المخطوطه فتقول :
( حصل للعسكر فى هذه الغزوه مشقه كبيره وكلفه عظيمه ونفق اكثر خيل العسكر وجمالها ورجع اكثرهم إلى ساحل مصر فى المراكب وكان وصولهم إلى القاهره المحروسه فى يوم الثلاثاء التاسع من جمادى الآخر سنه سبعه عشر وسبعمائه " ﻫ "  )
تعليق :
لقد انتهى الغزو ولكن اين هدف أو نتيجة الغزو؟ – أين غلمان سفير اليمن وأين هدايا سلطان اليمن لسلطان مصر والتى نهبها البجا كرد فعل لاعتقال زعيمهم فياض ؟ هل ارتاح بال السلطان قلاوون وهدأ غضبه ولماذا لم يرسل حمله اخرى ؟ أنه فى الحروب دائماً العبره بالنتيجة وتحقيق الأهداف . هل أستطاع المماليك اخذ رقيق وجمال وعاج الارتيقة ؟ كلا لقد كانت نتيجة هذه الحملة تحصين السودان لعده قرون من الغزوات الخارجية وهكذا هو دأب اهلنا البجا عبر التاريخ  أن لا يتم غزو السودان عن طريق البوابه الشرقية كما فعل الأمير عثمان دقنه ورفاقه فى القرن التاسع عشر عندما سدوا البوابه الشرقيه امام جحافل الأتراك والإنجليزا المدججه بالسلاح حتى اضطروا لدخول السودان من طريق آخر.
 جزئ الله خيراً اهلنا الحلنقه وبوركت خيلهم  وسيوفهم ونبالهم وحرابهم التى مرغت أنوف الغزاة في التراب وجعلتهم يهربون كالجرذان وامنت البلاد لعدة قرون .
   لقد اذل الحلنقه امراء المماليك المترفين فقتلوا منهم من قتلوا وجعلوا البقية شبه حفاة عراه يتسولون الطعام والشراب حتى عادوا لمصر بعد شق الأنفس اذلاء مهزومين .
 

 

آراء