البحث عن طريق ثالث: الكونفيدراليه…خيار فوق طاولة الشريكين .. تقرير: خالد البلولة ازيرق

 


 

 


 «الكونفيدرالية» هل ستكون المخرج القادم للأزمة الراهنة، حوار حولها طرحته الحكومة المصرية علي شريكي اتفاقية السلام المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لضمان استقرار المنطقة وعدم العودة للحرب اذا كانت نتيجة الاستفتاء المتوقع في يناير القادم لصالح مولد دولة جديدة في القارة الافريقية، لتجنب نشوء حرب جديدة في ظل القضايا الخلافية العالقة بين الشمال والجنوب، حوار حولها في اروقة الشريكين ربما يدفعهما الي التراجع مجددا عن رفضهما الذي اعلناه مسبقاً لفكرة المقترح «كونفيدرالية» بناءً علي حيثيات ومبررات مستجدة ربما تدفع الشريكين الي اعادة النظر في المقترح بشكل جديد.
مقترح «الكونفيدرالية» المقدم من مصر يبدو أنه يجد سندا دوليا لضمان استقرار المنطقة ومنع حدوث اي اضطرابات قد تنشأ بعد الاستفتاء، وهو ما اشار اليه وزير الخارجية المصري أحمد ابو الغيط في مؤتمر صحفي بالقاهرة مع وزير الخارجية البريطاني وليم هيج، بقوله «ننتظر رد شريكي الحكم في السودان والاطراف الدولية المعنية علي اقتراح بشأن الكونفيدرالية بين الشمال والجنوب اذا اسفرت نتيجة الاستفتاء عن انفصال الجنوب، وقال ان الشريكين وعدا بدراسة الفكرة التي اوضح انها وسيلة للاستقرار بين الطرفين لأن هناك اخطارا تحدق بالسودان اذا جري الاستفتاء دون الاعداد المناسب له مع احتمالات الصدام بين الشمال والجنوب وبين التوجهات المختلفة في الجنوب، واضاف «المطروح في نيفاشا فكرة الدولة الموحدة وفكرة الانفصال والتقسيم، ونحن نطرح فكرة ثالثة للمساعدة في تحقيق الاستقرار وهي الكونفيدرالية اذا حدث الانفصال تمكن من التعامل مع اي من المشكلات التي ستكون موجودة ومستمرة، فهي تستطيع ان تخفف صدمة هذه المشكلات اذا تم الاتفاق عليها». ولكن الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم، اعلن رفض حكومته للمقترح المصري بإنشاء وحدة كونفيدرالية بين شمال السودان وجنوبه، وقال في تصريحات صحافيه «هو أمر غير مقبول لانه لم يناقش لا مع الحركة الشعبية ولا مع حكومة الجنوب» ، ونصح أموم الذي شدد علي دعم قيام الاستفتاء في موعده كل من لديه مقترحات تتعلق بمستقبل العلاقة بين الشمال والجنوب بأن «عليه أن يعمل على قيام الاستفتاء فى مواعيده أولاً واحترام مخرجاته وتأكيد تنفيذها « ، مؤكداً على أهمية التركيز على نوع العلاقة بين الشمال والجنوب بعد الاستفتاء بما يخدم مصالح الشعب السودانى فى حالتى الوحدة أو الانفصال، وعلى أن تكون علاقة مبنية على أساس سلمى تعاونى بهدف بناء السلام وتحقيق الرفاهية للشعب السودانى.
وكانت الحركة الشعبية قد طرحت خيار الكونفيدرالية في مفاوضات ميجاكوس العام 2002 قبل توقيع اتفاقية السلام الشامل الا ان مقترحها وجد الرفض حينها من قبل الوفد الحكومي المفاوض، ليعتمد بروتوكول ميجاكوس خيار الوحدة او الانفصال في الاستفتاء، ليجد المقترح المصري للكونفيدرالية حظوظاً اكبر من ذي قبل رغم ان العلاقة بين الشمال والجنوب تعد أفضل من وضع الكونفيدرالية بالنسبة للجنوب الذي اصبح شبه مستقل عن الشمال ويمتلك جيشاً ويشارك بحوالي 30% في حكم الشمال، الأمر الذي عده مراقبون بالوضع الافضل للجنوب من وضع الكونفيدرالية التي لن تعطيهم جيشا خاصا او نسبة في الثروة القومية، وقال الدكتور حسن الساعوري استاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، لـ»الصحافة» ان المقترح المصري بالدعوة للكونفيدرالية جاء في سياق عمل تسوية سياسية جديدة بعيدا عن الاتفاقية، وتوقع قبول الحكومة السودانية بالمقترح لجهة انه سيقفل الباب امام الاستفتاء ويفتح الباب لاتفاق من جديد، مشيرا الي ان الحكومة ستقبل بالمقترح والجلوس لوضع صيغة سياسية جديدة، واشار ايضا الي ان المقترح رغم رفضه المسبق من قبل الحركة الشعبية لكنه ايضا يفتح لها بابا جديداً لتدارك تبعات الانفصال ومخاطره، وعزا رفض الحركة الشعبية للمقترح السابق للكونفيدراليه الي وضعهم الحالي الذي وصفه بانه افضل من الكونفيدراليه، لذا توقع الايقبلوا بها بها ان كانوا حريصين علي الانفصال، ولكنه عاد وشكك في حرص الجنوبيين علي الانفصال، واضاف «انهم الان يراجعون انفسهم من الانفصال لأن اضراره اكثر من مشاكل الوحدة، خاصة أبيي التي يمكن ان تقود للحرب، وكذلك مشاكل التداخل القبلي علي الحدود بين الشمال والجنوب وهو شريط سكانه يمثلون تقريبا حوالي 40% من سكان السودان، كما ان الدراسات تشير الي ان احتمال وقوع الحرب كبير جدا، وقال في الانفصال احتمال الحرب اكبر من الوحدة، مشيرا الي ان الجنوب والشمال اعلنا انهما لايرغبون في الحرب».
اذا مقترح الكونفيدرالية يعود مجدداً بشكل اقوي لاقناع الشريكين به في ظل تصاعد الخلافات بينهما حول القضايا العالقة والخوف من ان تؤدي الي عدم استقرار الاوضاع في المنطقة، وان كان المقترح تقدمت به هذه المرة الحكومة المصرية فانه سبق وان طرح علي الشريكين من قبل الوسيط الافريقي ثامبو أمبيكي في الجلسة الافتتاحية للمفاوضات حول قضايا ما بعد الاستفتاء بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في يوليو الماضي بالخرطوم عندما طرح علي الشريكين اربعة مقترحات لدراستها بينها «تشكيل اتحاد كونفيدرالي أو سوق مشتركة اذا اختار الجنوبيون الانفصال في الاستفتاء القادم»، وكانت الخيارات التي طرحها أمبيكي تمثلت في، اولاً: الوحدة ليظل السودان كما هو الآن اذا اختار الجنوبيون ذلك، وثانياً: الانفصال الذي يتعين فيه على المواطنين الحصول على تأشيرات لعبور الحدود، والثالثاً: بحث امكانية اقامة دولتين مستقلتين تتفاوضان بشأن اطار عمل للتعاون يشمل اقامة مؤسسات حكومية مشتركة في ترتيب كونفيدرالي، والخيار الاخير يقضي باقامة دولتين منفصلتين مع «حدود مشتركة مرنة تسمح بحرية تحرك الاشخاص والبضائع».
وتعتبر الكونفيدرالية مثلها مثل الفيدرالية عبارة عن انماط مختلفة، لايوجد شكل معياري واحد محدد للكونفيدراليه، كما ان الفيدرالية فيها نمط اقرب للنظام المركزي وايضا هناك كونفيدراليات فيها وضع شبه استقلالي.
ولكن الدكتور حمد عمر الحاوي استاذ العلوم السياسية بجامعة جوبا، قال لـ»الصحافة» ان فرصة نجاح مقترح الكونفيدرالية تبدو ضعيفة للغاية، ونتيجة لتسميم الجو السياسي وعدم الثقة لدي الجنوبيين اتجاه الشماليين من المتوقع ان يرفضونها وبالتالي لا فرص نجاح لها الا بضغوط كبيرة خاصة من الولايات المتحدة الامريكية اذا اقتنعت بها وذلك بعمل مواثيق دولية لها ومراقبة كذلك، وعزا الحاوي اسباب فشل مقترح الكونفيدرالية الي الخوف وعدم الثقة من قبل الجنوبيين تجاه الشمال خوفا من ان يتم تحويل الكونفيدراليه الي شكل مفرغ من المحتوي بمعني ان تكون في الظاهر والمواثيق فيدرالية لكن في الممارسة هيمنة شمالية علي الوضع، واضاف «الاشكال الاكبر هو عدم الثقة، لكن الفيدرالية من حيث النظرية اذا ما طبق الشكل المرن منها يعطي استقلالا ذاتيا شبه تام وبالتالي يمكن ان تعالج الإشكال الموجود في السودان وتحافظ علي قدر من العلاقات والروابط بين الطرفين». وكان دكتور الطيب زين العابدين قد طرح في ندوة «مستقبل العلاقات بين الشمال والجنوب» بمركز دراسات المستقبل خيار الكونفيدرالية في حالة التصويت للانفصال، بقوله «لاينبغي ان يعني الانفصال انتهاء العلاقات بين الشمال والجنوب، بل ينبغي علي حكومة الشمال قبول نتيجة الاستفتاء بالانفصال واحترامه والسعي للتعاون مع حكومة الدولة الجديدة، وهذا يتطلب انشاء اتحاد هيكلي تكاملي يقوم علي اساس شراكة متكاملة تكون موثقة دوليا، لرعاية المصالح المشتركة، وينظم هذا الاتحاد اجتماعات دورية بين الرئيسين، وان يتم اتخاذ القرار فيه بالاجماع. وان تكون في هذه الحالة الحدود مفتوحة بين الدولتين امام حركة المواطنين وان يتم ترسيم الحدود بهدوء ودون استعجال، والمياه والبترول وحسم موضوع الجنسية وحفظ السلام والأمن، وان تنشأ للاتحاد أجهزة مشتركة تحت لوائح وقواعد توضع لهذه الأجهزة، ويمكن ان يؤسس البلدان عملة مشتركة وسوقا مشتركا، ولتقوية العلاقة يتكون مجلس منتخب من الطرفين، وتعزيزا لذلك ينبغي تطبيق الحريات الاربع بين الدولتين، ويمكن لوضعية التعامل هذه ان تتكامل لتأسيس دولة كونفيدرالية.
وكان اول من نادي بالكونفيدراليه بين قيادات الحركة الشعبيه نائب رئيسها مالك عقار وذلك في الذكري الثالثه لزعيمها الراحل جون قرنق، ويعد طرح فكرة الكونفيدرالية كنظام لحكم السودان ليس بجديد، فقد طرحت في مفاوضات أبوجا 1992، ومفاوضات ايقاد 1994 وأخيراً في مفاوضات ميجاكوس التي رفضها الوفد الحكومي، ويستبعد مراقبون لجوء شريكي الحكم المؤتمر الوطني والحركة الشعبية الي مناقشة خيار الكونفيدرالية باعتباره مخالفاً لنص اتفاقية السلام الشامل التي نصت علي استفتاء يقوم علي وحدة او انفصال، كما انه خيار يستلزم اجراء تعديلات دستورية وادخال تعديلات في كل النظام السياسي المتفق عليه بموجب اتفاقية نيفاشا، وكانت تقارير صحافية قد كشفت ابان الاجتماعات التشاورية بين الشريكين في جوبا قبل حوالي شهرين في جوبا برئاسة سلفاكير وعلي عثمان طه، التي بحثت القضايا العالقة في اتفاقية السلام والترتيبات المتعلقه بالاستفتاء، انها بحثت اقتراحاً تقدم به المؤتمر الوطني بتبني خيار الكونفيدراليه كنظام للحكم في البلاد بتفاصيل يتفق عليها لاحقاً وذلك كصيغة بديله لخيار انفصال الجنوب.
khalid balola [dolib33@hotmail.com]

 

آراء