البداية والنهاية في مسار الثورة السودانية

 


 

 

ليس من المستغرب على الثورة السودانية التى اندلعت فى اواخر عام 2018م والتي أدت الى خلع الرئيس المعزول عمر البشير – ليس من المستغرب عليها – ان تمر بكل تلك المعاناة فى سبيل التحول الديمقراطي كما انه ليس من المستبعد ان تطول هذه المعاناة وتشتد فى مقبل الايام لما يلازم المشهد السياسي السودانى من تعقيد يجر وراءه تعقيد .
كان الشعب السوداني كله ينتظر من قادة الثورة العمل على تيسر سبل العيش الكريم فى ظل حكم رشيد خاليا على اقل تقدير من شبهات الفساد وسوء ادارة الموارد وهما سمتان وصم بها قادة الثورة أنفسهم نظام عمر البشير حتى صرخ الشعب بأكمله فى الشوارع بعبارة (تسقط بس) ، كان الناس يأملون ان يقوم السودان من كبوته الاقتصادية الكبيرة ، وكان العالم كله يرقب مسار الثورة فى طريق شعارها الموسوم (حرية .. سلام وعدالة) ولكن قادة المشهد السياسى خيبوا كل الظنون وكذبوا كل التوقعات فسار جميعهم منذ اليوم الاول قى طريق النزاع حول السلطة ولم يكن لاى احد منهم الإرادة الكاملة للتراجع عنه او التحاور حوله او الاتفاق على الحدود الدنيا التي يمكن ان تجمعهم لإنهاء الفترة الانتقالية وإجراء الانتخابات فمضى قطار الثورة المعطوب فى طريف متعرج ووعر حنى توقف تماما فجر الخامس والعشرين من أكتوبر بانقلاب العسكر مرة أخرى على مسار الديمقراطية كما هى العادة
ليس من الحكمة ان نستبعد ما يسمى بمحددات الأمر الواقع فى مسار الثورة السودانية ، فالارتكان الى مسارات القانون والدستور وحدها لن توصلنا الى أهداف التغيير الذى مهره شباب السودان بدمائهم فالوصول الى تلك الأهداف سيمضى فى طريق ملئ بالعقبات ومن بين اكبر تلك العقبات محددات الأمر الواقع والتي ربما لا ترضى كثير من الناس خاصة أولائك الذين وقر فى أذهانهم ان نهاية النضال كانت بإزاحة الإنقاذ.
من محددات الأمر الواقع نقول ان القوات المسلحة فى بلدان العالم الثالث ومن بينها السودان تمثل حجر الزاوية فى تغيير نظام الحكم والذى يكون بحق فى بعض الأحيان وفى بعضها الآخر بغيرحق ولكن سيظل فى كل الأحوال حقيقة ماثلة لا تضير الا منكروها ويستتبع هذا على سبيل الضرورة حضور الجيش الدائم فى فترة ما بعد التغيير لأنها بحق فترة سيولة أمنية واجتماعية لابد لها من حزم امني لن تقوم به السلطات الا فى حالة إمساكها بزمام الحكم ، وان كان هذا كله ناتح من ارث متراكم عبر ألاف السنين الا ان بعضا من قادة السياسة فى تلك البلدان قد عملوا على تعزيزه بالبعد عن حسن العمل الى اسوأه ومن جميل الفعل الى اقبحه وفى كل الأحوال فان لقادة السياسة أجندتهم ومصالحهم وأهدافهم والتى تكون فى بعض الأحيان ليس أجندة الوطن ولا مصالحه ولا أهدافه.
من بين محددات الأمر الواقع – ايضا – ان يكون التعامل مع الجيش بوصفه حامى حمى الوطن ، وتعنى هذه الحماية من بين ما تعنى ان الجيش حامى الشعب من أعداء الداخل والذين يكونون فى نظره قادة البلاد السياسيين وقد رأينا تلك العلاقة الملتبسة بين العسكريين والمدنيين والتى فأقمها القادة أنفسهم قبل ان تنتقل الى العامة فأصبحت هى شراكة الدم قى نظر المدنيين وشيطنة القوات المسلحة فى نظر العسكريين .
لسنا فى للسويد أو سويسرا وليس لنا ان نحلم مجرد حلم بان السودان سينتقل ضربة لاذب من الشمولية الى الديمقراطية فى بضعة اشهر او حتى بضع سنين وكان على قادة البلاد من مدنيين وعسكريين ان يعلموا حق العلم بان ما جمعهم فى هذه الشراكة ليس القبول وانما الاجبار وان الشراكة بينهم ليست برغباتهم ولا بتصوراتهم وانما هى ضريبة قاسية سيدفعونها مرغمين للوصول الى نهاية الفترة الانتقالية حيث تفرقهم الانتخابات مجبرين أيضا وان كان قد عز عليهم الاتفاق حول بلوغ ذلك الهدف فما كا يجب ان يسهل عليهم العداء ، فاستسهال العداء فى وطن لم يتعافى بعد من مخاض التغيير فيه تجن على الحق وعلى العدل وعلى التاريخ فالتاريخ كان له قادة أفذاذا على المر العصور ولم يكن من بينهم ابدا من جرى وراء رغباته وامنايته ولم يكن من بينهم من أطلق لسانه ويده بين العالمين ولم يكن من بينهم من تمترس خلف مشروعه وأهدافه ولكم كان من بينهم الكثير من لجم رغباته وترك امانيه وخبس لسانه ، لم يفعلوا ذلك الا لكى يبلغوا اهدافا بعيدة وغايات سامية رغم علمهم بان ليس لهم من تلك الهداف الا الثبات على الاذى وليس لهم من تلك الغايات الصبر على الآلام.
ما حدث فى السودان بعد الثورة كان به تصغير للأمور الكبيرة وتسطيح للأفكار العميقة وتهميش للعزائم القوية ، ولم يكن لأحد من قادة المشهد السياسي استعدادا لقبول الاخر لأن قبول الأخر يستلزم اللقاء فى المنتصف ، ولم يكن لاحد استعدادا للتضحية لان التضحية هى انتقاص يستلزم التنازل , لم يكن هنالك اعتراف بالأخر ولا إنكارا للذات لان الكل يريد انكار الآخر والاعتراف بالذات ولم يكن منهم من يدرك طول المسير ووعورة الطريق وخطورة العقبات .
لابد لمكونات المشهد السياسي كلها ان تكون فى هذه اللحظات الحاسمة على قدر المسؤولية وان تبذل جهدها من اجل الوصول الى الديمقراطية المستدامة وليس لأحد ان ان ينكر ان الطريق الى تلك الديمقراطية صعب وطويل ومرهق ولكن الاتفاق على الحد الأدنى هو ديدن مثل المرحلة الراهنة بين شعوب الأرض كلها وواهم من يظن ان مصير الأمة متوقف على موقفه او قراره وكلمته ولكن مصير الشعوب دائما ما تصنعه العزائم ومن دواعي العزيمة المحاورة والمداورة والتنازل من اجل بلوغ الغايات .
ما اكثر المياه التى سالت تحت الجسر منذ الدعوات الاولى لتنحى العسكريين عن السلطة ، فبالرغم من ان الشراكة بين العسكريين والمدنيين قد قامت على غير رضا منهم الا انها تعثرت ثم توقفت ثم تلاشت حتى اصبح من بين الشعارات المرفوعة الان لا شراكة ولا تفاوض وأصبحنا اليوم فى حيرة تقلقنا من حيث مآلات الثوار والثورة فى ظل حكومة قام العسكريون بتكوينها متجاوزين شركائهم الأوائل بحق كما يقولون وبغير حق كما يقول خصومهم ... ما أكثر المياه التى سالت تحت الجسر وما أكثر التعقيدات التى ينتجها شركاء الأمس أعداء اليوم على المشهد السياسى وما اتعس السودانيون الكادحون الذين اسعدتهم بداية الثورة وما يزالون حتى اليوم فى انتظار نهايتها ، يريدون العيش فى سهولة ويسر وينتظرون اليوم وراء اليوم والشهر بعد الشهر والسنة فى اثر السنة وهم يمنون أنفسهم بسودان جميل ولكنهم فى كل يوم يرزلون

najisd2013@hotmail.com

 

آراء