البرهان … والمخدرات !!

 


 

 

musahak@hotmail.com

(اقتحمت مجموعة صغيرة من مُربي النحل مقر إقامة العالم إسحق نيوتن وهم يتساءلون عن سبب تناقص منتوج العسل في ذلك الموسم ، فصرخ في وجههم القطط القطط، وأغلق باب داره، وانصرف مربي النحل وهم في حيرة من جذع نيوتن وترديده لكلمة القطط القطط ،واكتشف مربو النحل لاحقاً أن نيوتن يناشدهم بتربية القطط حتي تقضي علي الفئران التي تهاجم خلايا النحل لتتغذي علي العسل وبقايا النحل الميت ).

كنت أقف مشدوهاً كمربي النحل إزاء تصريحات قائد الانقلاب البرهان في الحملة الوطنية لمكافحة المخدرات لغرابة تلك التصريحات والتي جاء فيها (أن هناك منظمات للمجتمع المدني تعمل علي انتشار المخدرات في السودان عن طريق دعمها لبعض المجموعات الشبابية تحت ستار دعم الديمقراطية) و كأني به يصيح الديمقراطية الديمقراطية .
ولكن حيرتي استطالت وأنا أمام تلك التصريحات المأفونة ، لم أكن محظوظاً كأولئك الفلاحين أصحاب نيوتن الذين ألتقطوا سر تلك الجدلية الحوارية ويسبروا أغوارها وتفكيك معانيها ، فهم كانوا أمام عالم خلف للدنيا نظرية الجاذبية التي فتحت أبصار الناس لسر العلاقة بين الأجسام والأرض .
كيف لا وأنا أمام شخص محدود القدرات وغادر يعاني من وسواس قهري يرتبط جذرياً بالسلطة والاستبداد وإطلاق الأحكام الجزافية دون عناء . كيف لهذه العقلية التي تربط بين الديمقراطية كحاجة إنسانية للحكم والعدالة منذ مدارس أثينا القديمة وتطور الفكر البشري في البحث الدائم عن أفضل السبل لإدارة المجتمعات البشرية وتجنيبها رغائب الطواغيت ونزعات الاستبداد. كيف له أن يصبح جدلياً.
ما بال هذا البرهان يضيق ذرعاً بمنظمات المجتمع المدني وهي إحدى مكتسبات العصر إذ يعمل أعضاؤها بديمقراطية لتحقيق المصلحة بين السلطات العامة والمواطنين وهي تسهم في توطين التنمية المستدامة وتسعي لتمكين الشرائح الضعيفة في المجتمع من نساء وشباب وأطفال.
البرهان يتحسس مسدسه كلما داهمه هاجس الديمقراطية ذلك الوسواس القهري الذي يعاني منه .
وفي إطار تلك الحملة لمكافحة المخدرات لم يكلف نفسه كثيراً في البحث عن ماهية المخدرات كداءٍ للعصر يتمدد بطول الدنيا وعرضها نتيجة للرهق الإنساني في بحثه عن سعادة متوهمة وهروب من واقع يحاصر الشباب ويبدد طموحاتهم في عالم لا يستجيب لحاجاتهم الأساسية ، في عالم لم تستطع الايدلوجيا بكامل ألوان طيفها أن تتنزع من دواخلهم توحش هذا الكون وقسوة الذين يديرون دفة الحياة .
نظام البرهان يغتال أحلام الشباب وتصطاد أجهزته الامنية ناشطي الشباب من أجل الديمقراطية ، وتكتظ سجونه وزنازينها بمجاميع الباحثين عن غدٍ أفضل فإذا كانت هناك فئة من الشباب قد اندفعت نحو عالم المخدرات فذلك لان البرهان قد قطع أمامهم الطريق في تشكيل وطن يستجيب لتطلعاتهم من أجل الحرية والسلام والعدالة في دولة أغلقت أمام الشباب بوابات التعليم بعد أن حولته إلي سلعة ربحية يتباري الطفيليون في المتاجرة بها . شباب يتآكل بفعل البطالة دون مؤشرات تستوعب طاقاتهم وتتركهم نهباً للفاقة والتشرد .
تصريحات البرهان تشكل حماية رسمية لتجار المخدرات وتزيل عنهم الشبهات القانونية ، ويتعامى البرهان تماماً عن مضابط الشرطة وأجهزة مكافحة المخدرات التي تسود الصحف اليومية عن تلك الضبطيات والذين أبطالها أجانب وتنفيذيين وحركات تستقدمها من أجل التدريب كما صرحت بذلك !
معلوم للجميع حجم تلك الضبطيات والتي لم يقل فيها القضاء كلمته منذ سنوات لانهم نافذون ومحميون بجهات عليا ،لقد أصبح السودان في عهده منتجاً يهدد أمن وسلامة الإقليم بأكمله ، بل هناك مطارات عسكرية أستقبلت شحنات للمخدرات وغضت الدولة وقانونها النائم الطرف عن تلك الواقعة.
وبعد كل ذلك يخرج علينا قائد الانقلاب للقول عن تلك العلاقة الجذرية بين الديمقراطية والداعين لها والمخدرات !
فإطلاق مثل تلك التصريحات من رأس هرم السلطة لهي مسألة تستدعي المساءلة القانونية ووقوفه أي البرهان أمام ساحات القضاء بتهمة القذف والتشهير أو حتي التستر علي مجرم أو تضليل رجال إنفاذ القانون في قضية تؤرق وجدان الشعب السوداني .وذلك إن لم يأت ببينة تعزز تلك التصريحات .
‏‫‬

 

آراء