البرهان يتخبط

 


 

 

لفت نظري الفريق البرهان البارحه، وهو يخاطب مفرزة من ضباطه وجنوده يخيم عليهم الصمت الجنائزي - كأنما علي رؤوسهم الطير؛ كما لفتت نظري نظارته السوداء السميكة مثلما يفعل ضباط الحرس الخاص الأمنجية، وأحسست أنه يريد أن يخفي ما درجنا علي قراءته في عينيه مؤخرا - النظرات الواشيه بالإنهاك من طول السهر ووخزات الضمير، وبالتربص الثعلبي، وبالحقد المرير علي هذه الجماهير التي كلما بطش بها تزيد أعدادها في طرقات العاصمة والمدن الأخري. وشرق وغرب هذا البرهان، واستل من كنانته ورمي بالسهم الخطير الذي يكشف استبطانه المزيد من القمع الوحشي واستخدام الذخيرة الحية ضد الثوار السلميين المتحضرين، وذلك بدعواه الكاذبة أن ثمة جهات أجنبية تحرض الجماهير، وهي نفس الفزاعه التي كان يستخدمها نظام البشير البائد طوال عهده الثلاثيني المشؤوم، ولم تجد فتيلا معه إلي ان شيعته الجماهير إلي مزبلة التاريخ.

ولقد وقف حمار البرهان في العقبة، وفتكت به الحيرة، ولا يدري كيف يتراجع عن قرارات ٢٥ أكتوبر الانقلابيه التي رفضها الشارع رفضا قاطعا كما رفضتها الأسرة الدولية وبالتحديد الغرب الحر الديمقراطي صاحب الشوكة العسكرية والاقتصادية والغلبة في مجلس الأمن الدولي.

وكان البرهان قد تخلص من ذيله كما يفعل الضب عندما يجد نفسه محاصرا بالشباشب والصبية، وذلك بإعادته للدكتور عبد الله حمدوك، بعد أن حبسه لشهر كامل ومنع عنه الأشخاص الوطنيين التقدميين الذين كانوا سيبصرونه بحقيقة الموقف في الشارع الرافض للانقلاب جملة وتفصيلا، وبحقيقة الانقلاب العسكري المطبوخ في عاصمة (شقيقة)، بينما سلط عليه سيلا من الوسطاء المشبوهين ومدفوعي الأجر الذين عزفوا أنغاما تجمل الانقلاب وتصوره كأنه منقذ من الأزمه التي تمر بها البلاد. وكان من الوسطاء رجال ينتمون لقوي الحرية والتغيير مثل س الحاج، ولكن عندما صعد حمدوك الي منصة التوقيع علي اتفاقه مع البرهان، تفحص في وحوه حضور الحفل ولم يجد أيا منهم، (فص ملح وداب) -أي أنهم كانوا ممسكين للعصا من منتصفها، وكاد أن ينسحب من الحفل ومن الاتفاق، ولكنه آثر الصبر وتفسير الشك لصالح المتهم، ومضي مع المراسم التآمرية الشيطانية ووقع علي وثيقة الاتفاق.

ولكنه خرج لممارسة الدور المناط به وهو تشكيل حكومة من التكنوقراط المستقلين، فوجد نفسه في عش الدبابير، أو في كهف الثعالب والمرافعين الذين يستخدمونه كمجرد مغفل نافع. ولقد كشفت تلك الذئاب عن حقيقة أمرها ودخيلتها الكيزانية ببطشها برموز الحرية والتغيير، وبعدائها المرضي للجنة إزالة التمكين، واستعجالها للعبث بالمنظومة العدليه والأمنية بتعيينها لرئس قضاء ونائب عام ومدير للشرطة وللأمن من الفلول ومن الأقارب تماما لو كان البشير قد عاد للسلطة.

وجد حمدوك نفسه غارقا في عالم مفعم بالزوابع والفرقعات والتآمر شغله عن مهمته الأساسيه وهي تعيين الوزراء. ولقد وضح جليا أنه يجلس علي كرسي معلق بين السماء والأرض، بلا غطاء الحاضنه السياسيه وبلا أرضية الوثيقة الدستورية التي تم تعديلها، وفي النية الإجهاز علي ما تبقي فيها من مواد جاءت من رحم ثورة ديسمبر العظيمه.

وكلما تمادي البرهان في تمسكه بانقلابه البائس ، كلما تطرفت الجماهير في رفضها للعسكر ولمجرد التحدث معهم. بيد ان قسما من الوطنيين والحادبين يرون ألا مخرج من هذه الربكة والعتمة وضياع البوصله إلا بعودة الحاضنة السياسية ممثلة في المجلس المركزي لقوي الحرية والتغيير - مطعما بتجمع المهنيين وممثلي لجان المقاومة بالعاصمة وثلة من حكماء الحركة الوطنية السودانية المعارضين للنظام البائد، علي أن تجلس هذه الحاضنة بشكلها المقترح مع ممثلي القوات المسلحة للاتفاق علي الاتي:

& حل مجلس السياده وتعيين مجلس صغير يرأسه شخص مدني وبه ممثل للقوات النظامية.

& إلغاء اتفاقية جوبا وكل ما ترتب عليها من قرارات والالتزام بمؤتمر بديل شامل للسلام بسقف زمني محدد وعاجل.

& الغاء كل التعديلات التي ادخلت علي الوثيقه الدستوريه وادخال بعض التعديلات الجديدة الني ترسخ الالتزام بروح ومطلوبات ثورة ديسمبر المجيدة.

& تشكيل الحكومة والمجلس التشريعي فورا.

وهكذا، نستطيع أن نمسك بأعنة الثورة منطلقين من روحها ومن نبض الشارع الديسمبري، وهكذا يذهب الزبد جفاء ويمكث في الارض ما ينفع الناس.

المجد معقود لواؤه بشعب السودان
حرية. سلام. وعدالة
مدنيه خيار الشعب.
والسلام.

fdil.abbas@gmail.com
/////////////////////////

 

آراء