وقياداتُها الأمنيّه تُمسِك بها وهي تُغتَصَب

 


 

 

عندما علمونا التحيه العسكريه علّمونا أننا عندما نُحَيي فإننا إنّما نُحيي ( شَرَف ) الدولَه على كتف الشخص المقصود بالتحيّه. كذلك علمونا ان نرفع التحيه العسكريه عندما يعزف السلام الجمهوري وعند رفع العَلَم وكُلُّها أمورٌ تختصُّ بالسياده وشرف الدوله. وليس خروجاً عن كُلّ ذلك دَرَجَ بعض القاده العسكريين على الوقوف أمام قبور بعض العسكريين من الأعداء الذين كانوا يقاتلونَهُم أو أمامَ جثامينِهِم وإلقاء التحيه العسكريه عليهم إعترافاً لَهُم بأنّهُم ، حال حربهم ، كانوا قد سلكوا سلوكاً إنسانيّاً رفيعاً وتمَسّكوا بقواعد الإشتباك و بالشرف العسكري وقواعِدِهِ وبالشجاعة في قتالهم حتى اكتسبوا احترام اعدائهم قبل حلفائهم… وهنا أيضاً لم تخرج التحيه عن أصل الشرف العسكري.
دارَت بنا الأيّام والسنوات ونحنُ ، بِحُكمِ العمَل ، نَفعَلُ ذلك وكانت القاعِده شاخِصَةٌ دوماً أمامَنا. لم نَلحَظ أيّ فَرق بين ( شرف الدوله ) ، الذي هو على الأكتاف ، وبين أصحَابِ الأكتاف. كانوا كُلُّهُم قادةً وضُبّاطاً شَرَفاً للدولَه لم يحمِل أيّاً منهُم الرُتبَةَ التي على كَتِفِهِ ( زوراً وبُهتاناً ) وعَلِمنا حينَها أنّ شَرَف الدولَه ليسَ لقيطاً يُحمَلُ من قارِعَةِ الطريق ولَيسَ مَسخَاً مبذولاً في الشوارِعِ يُمكِنُ أن يَحْمِلَهُ على كَتِفَيهِ كُلّ مَن هَبّ ودَب وكانَت فَترة التدريب لا يتحملها إلّا مَن هُم أهلٌ لهذا الشّرَف يقومُ عليها رجالٌ صدَقوا ما عاهدوا اللهّ والوَطَن عليه.
كان القَسَمُ على كتابِ الله للوطن ولِشَعبِه ولم يكن هنالِكَ قَسَمٌ آخَرٌ يَتَدَخّلُ بِخُبثٍ في أثناءِ حياةِ الضابط العَمَليه للإزراءِ بالقَسَمِ الأول ونَسفِهِ أو الإنحرافُ بِهِ لغيرِ ما خُلِقَ لهُ. لم يُشَكّك أحدٌ في قيام أي ضابط ، منذ أن تفتحت أعيننا ، بتجاوز القّسَم ولم يُخَوّن ضابط ولا عسكري فكأنّما كانت هنالك حصانه ضد الخيانه حَمَت إنسان ما قبل ١٩٨٩ وقطعاً ساهَم في ذلك البيت والمجتمع ومجتمع العمل و ساسٌ قَوي رَماهُ الأجداد وسقَتهُ تعاليمُهُم جيلاً فَجيل.
عندما تمّ فصلنا من الخدمه عملنا في كل المهن المتاحه .. تلك المِهَن التي من ( تفاهَتِها ) تَرَفّعَ منسوبو جهاز ألأمن عن الحؤول بيننا وبينها في إطارِ ترصّدٍ طويل لم يَقْنَع ( بالفصلَةِ ) الأولى. عانَينا شظف العيش وطُرِدَ أبناؤنا من المدارس لعدم تسديد الرسوم .. سافر من استطاع ليعمل عسكري نفر في الخليج - الذي إنبنى وَحُمِلَ لما هوَ عليهِ اليوم على أكتاف كلية الشرطه السودانيه والكليه الحربيه السودانيه - وقاد الكثيرون الحافلات والركشات ثُمّ وبعد ثلاثين عاماً من ذلك القهر والإعتقال وحالات التعذيب قامت الثوره ونحنُ في قلبِ أوارِها.
إن كانت الإنقاذ قد دَمّرَت الشرف العسكري وسَحَقَت الشرطه وانتهت من الجيش فما الذي جعَلَ هذا الدّمار والسَحق يستمرّان حتى الآن وبينَنا وبين سقوط البشير سنواتٌ أربَع جلسَ خلالَها مدنيون على مجلس سياده ومجلس وزراء وحاضنه سياسيه؟ من الذي نَصّبَ حميدتي على شؤون المصالحه وعلى الإقتصاد وتغاضى عن علاماته العسكريه ونياشينِه والجميع يعلم أنّهُ اكتسَبَها لجرائمِهِ في دارفور والخرطوم؟ من الذي سكَتَ على جبل عامِر وتهريب الذهب والموارد وشركات الجنجويد عابرة القارّات والبلاد في أسفَل حافّة الفقر؟ من الذي سكَت وكل مَقار الجيش والأمن بُذِلَت لحميدتي وخُصّصَت له مفوضيّة أراضي وأتيام لإستخراج الرقم الوطني والجوازات؟ .. والحُكومَه حُكومَة ثَورَه ؛ مَن الذي اعترف بالقوانين الإنقاذيه التي أعطت حميدتي حق الوجود في نفس الوقت الذي حرصَ على النص في الوثيقه الدستوريه على عدم إعادة مفصولي الشرطه للخدمه؟ من الذي إستَقوى بالدعم السريع ( الذي حمل منسوبوهُ رُتَبَاً ليست من حَقّهُم وسرقوا وحرقوا ونهبوا واغتصبوا وجَنّدوا من خارج الوطن وفَضّوا الإعتصام مع قيادات اللجنه الأمنيّه ) من الذي استقوى بهم في الإتفاق الإطاري وقَوّى عَشَمَهُم في الإستفراد بالسُلطه ذلك العَشَم الذي ما تركوا قِبلَةً إلّا وضَرَبوا لَها أكباد الجَشَع ولا طريقاً إلّا تَنَكّبُوه؟
لقد كان منظر قيادات اللجنه الأمنيّه مُسيئاً وهُم يقفون بِذِلّةٍ أمام الجنجويدي بِعلاماتِهِ الوَهَم ذلك الوقوف الذي طَعَنَ في وطنيتِهم وكفاءتِهِم فنَفَضَت الكليه الحربيه طَرَفَها منهُم ونَكّسَت رأسَها لأوّلِ مَرّةٍ في تأريخِها الذي نَعلَم .. لقد كانت مناظر مُسيئه وحميدتي تُنصَبُ لهُ السُرادِقات في وزارة الداخليه وفي بعض قيادات الجيش وهو يزورها ويتبرّع لَهُم من أموالٍ إقتَرَفَها بضعفِهِم وهَوانِهِم ويَفصِل القادَه ويَجلِد بالسياط الضباط ويَكتِفَهُم بالحِبال.
لَم يَكُن أمام الخرطوم إلّا أن تتدَمّر وقياداتها الأمنيّه تُمسِك بها وهي تُغتَصَب وليس لنا أن نَتَذَمّر. الكُلُّ يُنكِر والكُلّ ، في باطِلِهِ ذاك ، نَصّبَ نَفسَهُ قَيّماً علينا ولم يَرَ أحَدٌ منهُم في عُقولِنا إلّا ما كانت ترى الإنقاذ.

melsayigh@gmail.com

 

آراء