البشير يرسم معالم سودان جديد!؟ … بقلم: آدم خاطر

 


 

أدم خاطر
9 January, 2011

 


من لطف الله بأهل السودان أن كتب اتفاق السلام الشامل من نيروبى فى 2005 م بكل ما فيه من ايجابيات وسلبيات وافتئات وتعبات ، وهى قد مضت بنا عبر ستة أعوام وتنتهى الآن الى اعلان دولة الجنوب بموجب الانفصال المحقق فى التاسع من يناير الجارى ، كيفما نظرت اليه بعض الأطراف على أنه تقسيم للوطن الواحد وتقليص لرمزياته وأبعاده كجسر وبوابة تربط افريقيا وعالمنا العربى ، والبعض قد عاش المعاناة وكابد جراحات الحرب وويلاتها لعقود طويلة امتدت ل 55 عاما !. جربت محاولات كثيرة للتعايش والمشاركة لا نقول الوحدة التى ان لم تكن موجودة فى العقل والوجدان فلا يمكنها أن تكمن فى السياسة والهموم الأخرى وبين مكونات الشمال والجنوب من نقاط التلاقى ما هو باين ، كما بينها من الفوارق والتباينات ما يصعب ردمها أو القفز عليها الا على سبيل التماهى والمجاملات التى لم تصمد وشواهدها أكثر من أن تحصى ، وأحدث مثال لها فى انتقال أليسون منانى مقايا ، مع بعض رفاقه للحركة الشعبية رغم المكانة المرموقة التى حظى بها لما يقارب العقدين فى أجهزة الحزب والدولة وهى عمر الانقاذ فى الحكم، وأمثلة أخرى بين مكونات الجنوب عادت الى الشمال لسبب أو آخر ، وبعضها حائر كما فى عرمان وقطاعه الذى يسعى الواثق كمير أن يحول خصومه الى رصيد لا أدرى كيف ؟ وهم بهذه الخلفية والتركة المثقلة والعمل الدوؤب فى تفكيك البلاد والتباكى على وحدة لم تكن من وجدانهم بمكان ولا فى أفعالهم التى شهد علينا الناس خلال سنى الاتفاق !. وحسنا أن استقام عود السلام رغم المطبات العنيفة التى عبرها والمواقف المثبطة التى اعترضته ، والمجابدات الكثيرة داخليا واقليميا وخارجيا وهى تسعى لاعاقته وتفخيخه فى أكثر من محطة ، ولكن القدر مكن لأطرافه أن يمضوا رغم الخلافات والاعتراضات حتى محطة الاستفتاء وبعض الملفات الهامة ما تزال عالقة لم يدركها الحل لعامل الزمن وتباعد المسافة بين طرفى الاتفاق حولها ، لكنها لم تعوق الوصول الى الغاية الكبرى التى عملت لأجلها قيادة الحركة الشعبية ببرنامج انفصالى معلن وغير معلن تدعمه واجهات خارجية لدول كبرى ومنظمات دولية وكنائس ولوبيات يهودية ومراكز استخباراتية ، وتيارات داخلية وسند اقليمى قد يدرك عواقب هذه الخطوة فى المدى القريب !. وحسناً أن تفهم أهل الشمال حكومة وشعباً ما تريده الحركة الشعبية وداعميها الكثر وتجاوزوا العواطف بل حتى خلافاتهم مع الحكومة ومن داخل حزبها ازاء اقرار حق تقرير المصير ، لتعبر الاجراءات التى سبقت عملية الاستفتاء دون رقابة دقيقة أو تقيد والتزام بمطلوبات الدستور والقانون واللوائح المنظمة لهذة العملية على خطورتها فى تحديد مصير البلاد، لادراكهم بالفخ الذى ظل يقبع خلف ما يمكن أن يحدث حال الاعتراض وهنالك من الهواجس والوعيد الذى  بثته العديد من الدوائر الخارجية ، ومؤتمر نيويورك كان علامة فارقة فى اقناع بعض رموز الدولة ممن كانوا لديهم بقية من حلم فى وحدة تفانوا لأجل أن تكتب ولكن !. بل لم يكن مفاجئا اعلان الحركة الشعبية تبنيها خيار الانفصال و تدشين حملتها فى التصويت والدعوة الجهرية له رغم الاشارات المتناقضة والمواقف المرتبكة التى ظلت ترسلها بين الفينة والأخرى فى التعبير عن حقيقة وجهتها عندما تحاصرها الاسئلة عن ما تضمره لهكذا غاية ، والاتفاق يدعوا أطرافه للعمل لأجل الوحدة جاذبة !. انتهى السجال وواجه الكل الحقيقة بكل ما تحمل من بشريات ونذر لكل طرف أن يفسرها على هواه ويحتفل بنهايتها على طريقته فرحا أو باقامة سرادق العزاء ، ولكن الذى حملته هذة النتيجة وهى تفضى لانفصال الجنوب الا أنها أعلنت وفاة حلم جاءت به الشعبية تحت مسمى ( السودان الجديد) لكنها قطعا خلفت سوداناً جديداً لأهل الشمال ظلت معالمه فى تجاذب وترضيات كم أضرت بمواطنيه وانتمائهم وموروثهم ومصالحهم التى كم سعوا أن يغامروا بها لأجل مجهول أثبتت الأيام أنه محض وهم وأمانى وأحلام ما كنا لنبلغها حتى وان ولج الجمل فى سم الخياط !!.
فالحجج والأعذار التى ظلت تتعلل بها الحركة الشعبية فى أن الحكومة أو شريكها (المؤتمر الوطنى ) لم يعمل للوفاء بمطلوبات الوحدة الجاذبة ولم يوفيها حقها كان محض ادعاء وافتراء لا تقوم على ساق أراد بها أهلها التنصل من مسئوليتهم لأن العلة تكمن فيهم كقادة وحركة، والجنوب ظل تحت حكم مستقل خلال الفترة الانتقالية وموارده فى قسمة الثروة تصله كاملة مع دعم اضافى وافر من المركز لا يوجد له أثر فى حياة أهل الجنوب وبنياته الأساسية الا من بعض جيوب منتفخة وحسابات خاصة لقادة الشعبية !. والاتفاق يمضى الى نهايته والشعبية تجد ما وعدت أنصارها يتحقق فى اعلان دولتهم وتقرير مصيرهم بوفاء قادة الانقاذ والتزامهم نصوص الاتفاق ومواثيقه ، كان لزاما على الدولة التى مكنت لهذا الوعد أن تطمئن أهل الشمال على مستقبلهم ومصيرهم بعد أن قرر الطرف الذى أعطى حق الخيار حصريا وأختار بمحض ارادته أو تنازل طواعية عن هذه الارادة للشعبية لتكتب مصيره كيفما أتفق !. ظلت البلاد يلتزم خيار الوحدة وتدعوا له حتى آخر المطاف ، ولكن الحكومة وهى تقرأ مآلات الاتفاق وبوصلته تتجه للانفصال ، حرص قائدها أن يخاطب مناسبات بعينها فى القضارف والجزيرة وجنوب دارفور على اختلاف أهدافها ومقاصدها ، الا أنه استثمر هذا المنابر ليرسل باشارات تطمينية كافية لأهل الشمال حصريا توازى ما جهرت به الشعبية من توجهات نحو الانفصال ، ومن يومها آثر الرئيس أن يبدأ فى حملة متصلة لوضع حدود فارقة و محو أى علامة تشير الى (الجغمسة ) فى القبلة التى يصار اليها ، بعد كل هذا العنت والتنازل الذى قدمه أهل الشمال كى تصان وحدة البلاد ما استسهلوا من أمرها بل غالوا فى مهرها الا عندما اصطتدم بشريعة الله وخيار الأغلبية عندها تصبح التضحية بالجنوب كرقعة أهون بمعيار الدين ومعية الله كى يهنأ به أهله وينعتقوا من مرارات التهميش وايحاءته ويصبحوا مواطنين من الدرجة الأولى استجابة لدعوة رئيس حكومة الجنوب (سلفاكير) ، ويتركوا لأهل الشمال خيارهم الذى ارتضوا فىى تحكيم شرعه والارتقاء بلغتهم وكل ما تحمل هذه المعالم من أبعاد ودلالات بما فيها من جلد وتعزير وقطع وصلب ورجم  !. فرأس الدولة الذى واثق دون غيره ممن عهد اليهم بحكم البلاد وأوفى بعهده ، أراد كتابة تاريخ جديد وسفر غير رهين لجهة يضمن لطرفى البلاد التعايش والديمومة لا الوصاية ولا خيار يفرض على الآخر !.  ولكن ليس مقبولا بعد الانفصال من أى جهة داخلية حزبية أو كيان أو تحالف أو واجهة خارجية بامكانها أن تزايد على خيارات الشمال وهويته وأنتمائه وارتباطاته بامتدادتها الاسلامية والعربية ، وحقه فيما يريده من دستور نافذ، لا يقبل بما تسعى به ألسنة بنى علمان وتيارات اليسار التى تبتز حقوق الأقليات وتتكسب بأجندة الغرب وأمريكا لتفرضها كوصفات لبقاء الأنظمة والحكومات !. لا مجال لفرض أى أجندة أو مخططات أو هيمنة خارجية من بعد أن أشبعت البلاد من نيران التدخل الخارجى فى رسم خارطته وانتقاص أطرافه من وحى الوجود الدولى الكثيف ( فى الجنوب ودارفور) وتغوله على سيادة البلاد وتهديده لأمنها وسلامتها واستقراها ، انتهى هذ العهد وليهنأ الجنوب بهذه الاحاطة التى ورث والفواتير التى تنتظره !. الانفصال وضع حدا لتعاملات الشمال مع الوجود الأجنبى وواجهاته والمنظمات التى توظفه تحتاج الى مراجعة شاملة لا تبقى منه غير البعثات الدبلوماسية المعتمدة والمنظمات الأممية وتلك المعروفة بعملها وارتباطاتها بمشاريع محددة المناطق واتفاقيات معلومة الآجال ، وحتى تلك التى تعمل فى الشأن الانسانى هى امتداد للوجود الأجنبى السالب ينبغى الوقوف عندها واختبار صدقية عملها فى المرحلة المقبلة  !. علاقات الشمال بالدولة الوليدة ستحددها أطر كثيرة للتعاون والتواصل الوثيق اذا ما رغب قادته فى كل محور كان أمنيا أو اقتصاديا وخلافه دون سقوف حتى بلوغ الاتحاد لن تجد من يعارضها !. وليتعامل الجنوب مع من شاء من الدول وليرفرف علم اسرائيل فى جوبا هذا شأنهم وخيارهم طالما توقف عند حدودهم ، ولكن الذى يعيدنا الى الحرب لا محالة لن تكون نقاط الحدود الخلافية ولا حركات التمرد بالجنوب ومليشياته القبلية ولا مناطق التماس التى يراد أن يخلق لها وضع مماثل  ولا الملفات المرحلة !. ولكن أبيى بما يحاك  حولها من محاولات غبية مفضوحة ، وخطط تمكين اسرائيل عبر ضغوط اللوبيات الصهيونية فى الغرب وأمريكا  لتفكيك  الشمال ، واحتضان ورعاية حركات دارفور الموجودة الآن بالجنوب هى بعض محطات هامة وملتهبة ستعيدنا الى الحرب ان لعبت الشعبية بهذه الأركان وحادت عن وعودها والتزامتها التى قطعت !؟.
الاتفاق الذى جاء بالانفصال أقام العديد من المؤسسات والأجهزة، وهو من ألزم أطرافه بضرورة انفاذ مطلوبات التحول الديمقراطى كما يحلو لهم ، فكان الاحصاء السكانى والانتخابات العامة التى أجريت على كافة المستويات وحكومة الوحدة الوطنية  ، هذه الافرازات ينبغى أن تقدسها كل أطراف اللعبة السياسية كما قدسوا الاستفتاء وتقرير المصير ، وهى جاءت ببرلمان ونواب وحكومات ولائية وولاة ورئيس للجمهورية له أجل حدده الدستور كما حدد أطر التعديلات والمراجعة الدستورية حتى فى حال الانفصال !. فان اعتزل بعضهم الانتخابات أو زايد عليها أو تنكب طريقها لأسباب خاصة به فليس من حقهم تجاوز الدستور والاتفاق وتحديد مشروعية الحكومة واسقاط رئيس البلاد بيدهم  ، ولا معنى أن يدعوا هم لحكومة انتقالية أو املاء شروطهم ومواقفهم ، وأن تتعالى لغة الوعيد لاسقاط النظام ، ليتهم كانوا جادين فى اسقاط النظام بالفعال لا بالحناجر والحرب الكلامية ، وجميعهم لا يملكون آليات ازاحتها !. واجب الدولة أن تسعى لتهيئة الحوار والمشاركة الايجابية لا التشاكس واعاقة التقدم كما ظل يحدث ، ان كان المراد تقوية البناء الوطنى وكسب كل مكونات الوطن لأجل الوفاق الوطنى وفق صيغة جديدة الكل يلتقى  فيها الا من أبى بحسب البرامج المعلنة سابقا ومنطلقاتهم الفكرية ، لكن لعبة الارباك والتشويش ودائرتها سقطت الى غير رجعة  فى سودان ما بعد الانفصال !. لئن اختار أهل الجنوب الانفصال عليهم أن يقبلوا بتبعات هذا الخيار ويسعوا لتأسيس اتفاقيات للحقوق الأربعة تمكن لأشقائنا من حرية الحركة والتنقل والعمل والتملك ، حتى يصار الى جوار آمن وترتيبات منطقية لازمة ، لا الحديث عن مواطنة ترجل عنها أبناء الجنوب وشايعوا الحركة الشعبية مدركين مستبصرين أم ساقتهم هى بغير وعى الى قدر مجهول ، ليس هنالك من جنسية مزدوجة ولا مواطنة ولا يحزنون تعقب الانفصال ، وكل من انضم الى اجهزة الدولة  والخدمة المدنية على كافة  مستوياتها من أبناء الجنوب قبل الاتفاق وبعده ، من حقه أن ينتظر حقوقه وامتيازاته وفق القانون ، لا شىء أكثر من ذلك وليستمتع أبناء الشمال بهذا الفراغ الذى سيحدث لفك الاختناقات والبطالة والمعادلات التى جلبها الاتفاق على صعيد الوظيفة دون التزام بمعايير التوظيف وأسسه تعزيزا للسلام !. جميع الملفات المرحلة محلها التفاوض فى حوار هادى خلال الفترة المتبقية يراعى مصلحة  الطرفين مهما استطال زمنه لا مجال للى الذراع وفرض الارادة كما تسعى بعض الجهات لجعلها نقاط ملتهبة لتفجير الخلافات التى تقود للحرب مرة أخرى  !. ورأس الدولة قطع بأن حل قضية دارفور عقب انفصال  الجنوب لن يكون رهينا لرغبات التمرد وأربابه وطموحاتهم الشخصية وما تحمل فى طياتها ، وانما سيكون وفق ما أقرته الدولة من استراتيجية وطنية عمادها اقصاء التدخلات الخارجية وتوطين التسوية والمعالجات بعد هذا التطواف على كل مدن الاقليم والعواصم العالمية بالحلول المفخخة ،وضرورة سحب البساط من تقاطعات المصالح والأجندات ،  كلها جربت ولم تقودنا الى طى الملف وابعاد شبح الحرب فحان الوقت أن تعود دارفور الى أهلها بالداخل دون اهدار للمزيد من الوقت والجهد بعد ان ازيح التمرد وحرائقه !. الحديث الذى أدلى به رئيس الجمهورية لفضائية  الجزيرة بكل شفافية عن مستقبل شكل الدولة والحكم عقب الانفصال له دلالاته ومنطلقاته كونه الرئيس المنتخب والمفوض من شعبه بكل أجهزته القائمة ، وما  عبر عنه ليس بالخواطر أو الرغبات الذاتية بقدر ما هو تعبير عن تطلعات أمة وتيار له رصيده وتجربته بمشاركة الآخرين حتى وان كانوا خارج أطر السلطة فقد كانت مرئياتهم جزءا مما أقيم من منظومة للحكم !. الاعتراضات العجلى على طروحات البشير من قبل البعض والجنوب ينفصل تريد عبرها أحزابنا المعارضة التى لا تلتقى على شى سوى الانقضاض على الانقاذ ومحوها أثرها  ، علها حركت بركة هذه التكوينات من جمودها وقاربت بين ما يمكن طرحه للتماشى مع هذه الموجهات للتأسيس الى آفاق جديدة أقتضتها ضرورات تسوية ملف الجنوب !. مرتكزات البشير اطار عام لمن رغب فى التوسعة والاستيعاب لا الالغاء والمحاصصة الحزبية على حساب الوطن ، ولن يكون المؤتمر الوطنى حبيس وعائه وأفكاره والتضييق على الآخرين ان رغبوا فى المشاركة الجادة وتحمل مسئولية الوطن  !. كل ما يعضدد هذه الرؤى سيجد مكانه من أى طرف جاء ، فالانقاذ   أقامت ركائز ومحددات لا يستطيع أحد تجاوزها ، وبعض قوانا تريد أن ترد البلاد من بعد القوة التى اتاحها الانفصال للشمال تعيدها انكاثا وهذا ما لا ينبغى المساومة حوله !. بين يدى الانفصال وتأسيس دولة الجنوب يسعد الشمال بأن يعترف بالكيان الوليد وأن يعود الشمال  الى محيطه بقوة واسهام كبير ينتظره أهله ومن يظنون به خيرا ، فالأمل يحدونا أن يكون الانفصال على مرارته الوجدانية مجلبة للفأل الحسن والسعة والسلم والاستقرار والأمن لطرفى البلاد ، ومرتكزا للتعاون المستقبلى لسودان جديد نرومه على يد البشير كما حلم هؤلاء بسودانهم الجديد على يد قرنق !. مات قرنق وأبناؤه من بعده حادوا عن جادته وطريقه وبقى البشير وحزبه بحول الله وقوته يؤسس لمعالم دولة الشريعة الحقة فى  المثال والفضيلة والدعة على نحو ما أعلن ورهانه الى لا يراه هؤلاء ستصدقه الأيام  !.      
          
adam abakar [adamo56@hotmail.com]

 

آراء