كانت سبتمبر 2013 ذروة مخاض الثورة التي ولدت منذ صبح الثلاثين من يونيو 1989، ورغم ما صاحب سبتمبر من مجازر وجرائم قتل وانتهاكات موثَّقة، فهي بالمقابل كانت صافرة البداية للثلث الأخير من ليل الفجيعة، وضربة استهلالية فيه خلخلت مخلب النظام الذي خمش جسد الوطن، وشوَّه كل عضو فيه إلى أن نزعته قلَّامة ديسمبر المجيد.
جاءت الثورة ولازالت جراح الوطن المُتقيِّحة تنتح وتتمدد خيوط الدم النازف منها لتضفي مسحة حزن وألم على كل بيت وقرية ومدينة في بلادنا حتى أمس نيالا القريب، فما سبتمبر 2013 إلا حلقة في حلقات الجريمة المتسلسلة لنظام خطف السلطة وخنق الوطن وأعمل سكِّينه على كرامة إنسان السودان وجسده.
تمر علينا ذكرى هبة سبتمبر التي ارتقى على درجاتها الفواضل، المئات من الشهداء، ونحن نستعصم بانتصارات الثورة ونسير قُدماً من أجل الوصول بها إلى غاياتها رغم الأشواك التي ينثرها بقايا النظام المُباد على الدرب، ورغم الحواجز التي يقيمها المتبطلون عن الثورة والجاهلون بقوامتها على أمر الوطن، وولايتها لكل المستقبل بالمحاسبات ورد الحقوق والمظالم ودفع الاستحقاقات كاملة غير منقوصة.
كبرت شتلة سبتمبر المسقيِّة بالدماء والمروية بالعرق، فاستحالت إلى شجرة وارفة الظلال، وما لثمارها أن تنضج إلا ساعة الخلاص من جائحات الإنقاذ وتسوية أطلال شرها المُتبدِّي في مواجهة المعتصمين والمتظاهرين والمحتجين السلميين المطالبين بالحق لا شيء غير الحق، وفي تعاريج هياكل الدولة شخوصاً وسلوكاً وطرائق عمل وقوانين وأفعال.
لا يزال الدرب طويلاً وأهداف الثورة لم تتحقق كاملة في إطلاق الحرية من أسرها، وشنّ السلام على كافة الربوع، وإقامة العدالة ميزان والوفاء بالكيل قانون. وإن لم نمضِ في إنجاز ما عاهدنا عليه شعبنا الثائر بحزم واستقامة، فسنتوه في مجاهل يصعب معها إدراك المقاصد، وما عهدنا إلا ميثاقاً دقيقاً وقسماً غليظاً، فإما أن نوفيه أو سنوفَّى قدر الخاسرين.