التاريخ سيحسب كل الخطوات
د. عبدالمنعم عبدالباقي علي
21 October, 2021
21 October, 2021
نشر في سودانايل بتاريخ 22 يونيو, 2019
بسم الله الرحمن الرحيم
منشورات حزب الحكمة:
abdelmoniem2@hotmail.com
الثورات تثير نقعاً يعجز، إلا أولو البصيرة، من الرؤية خلاله، ولذلك يجتمع العمي والعمهْ عند العامّة ومن يقودونهم من النشطاء الانفعاليين. والعمي هو عمي الأبصار والعمهُ هو عمي البصيرة. ولهذا السبب لا يجوز أن يقود الثورة من لا يقوي على إدارتها بحكمة وعلم، لأنّ معارجها عديدة ومزالقها خفيّة، وإلا أدّت إلى دمار شديد.
بل يجدر بمن يحقّق نجاح المرحلة الأولي من الثورة، والتي تقوم على تجييش المشاعر والحراك الجماهيري، أن يخلي مقعد القيادة لقادة المرحلة الثانية الذين يملكون المعرفة والمهارة والخبرة في العبور بها لضفة التحقيق للشعارات، فقائد الحرب لا يفلح في قيادة السلم.
قيادة الحرب تستوجب تفكيراً انفعالياً وعمليّاً، وقيادة السلم تستوجب تفكيراً استراتيجياً تأملياً ينقد ويحلّل ويبدع، وبين القيادتين بعد المشرقين. فقد قاد ونستون تشرشل شعبه في الحرب العالمية الثانية وانتصر وأسقطه شعبه في الانتخابات التي أعقبت الحرب أثناء السلم.
ولو أنّ قيادة الثورة استمعت للنصح قبل الفعل ولم تكابر، وأعدّت عدّتها، لكانت قد أعلنت حكومتها السيادية والتنفيذية والتشريعية والقضائية منذ أوّل لحظة، وكسبت السباق قبل أن تنبه قوي الظلام ذات المصالح من ذهولها وتستعيد وعيها وتوازنها.
فعند لحظة الهجوم ومواجهة الخطر بضياع الحياة وتهديد غريزة البقاء يستجيب الإنسان بالقتال أو الهروب أو التجمّد أو المساومة أو الاستسلام.
وفي حالة الثورة الحالية واجهت السلطة المتظاهرين بالقتال، وعندما أثبت الهجوم فشله حاولت المساومة، ولمّا لم تنجح لكبح جماح الشباب سارع جزء منها بالتهديد لقتل ثلث الشعب، وهرب جزء واستسلم البعض، ولكن أغلب أهل السلطة، بما فيهم الكثير من أحزاب المعارضة، تجمّدوا في حالة من الذهول، كان الأحرى بقوي الشباب أن تستغلها قبل فوات الأوان.
ولكن أصحاب الولاءات الحزبية الضيقة لم يصبروا حتى تنمو شجرة النصر والحرية ليقطفوا من ثمارها الناضجة، فانقضّوا عليها كالذئاب الجائعة بعد طول مجاعة فقطفوا ورقها وأهلكوها.
ولقد سألت بعض قادة قوي الحرية والتغيير، قبل انتصار المرحلة الأولي من الثورة، عن الإعداد لما بعد نجاحها، فقالوا أنّهم جاهزون بكل ما تعني الكلمة، فحذرتهم من سوء العاقبة إذا لم يكونوا صادقين، وظهر عدم صدقهم بعد الانتصار، وسيظهر أكثر قريباً عندما يسكن النقع.
ولذلك قد رأينا نتيجة استئثار قوي الحرية والتغيير بقيادة المرحلة الثانية من الثورة تخبطاً في القرارات والأداء، وضبابية في الرؤية، وخلطاً للأولويات أدت جميعها إلى ضياع مكاسب الثورة واحتلال قوي الثورة المضادة للساحة. لا أحد يلوم الذين قادوا الثورة في مراحلها الأولي على عدم استخدامهم للتفكير الاستراتيجي، لأنّه ليس بالإمكان الجمع بين التفكير الانفعالي والتفكير الاستراتيجي، ففاقد الشيء لا يعطيه، ولذلك كان شعار الثورة: “تسقط بس”، يعبّر عن الأولوية القصوى للثورة وهي إسقاط النظام ولا يطرح رؤية لما بعد السقوط.
وهذا ما تمّ في الثورات السابقة، إذ أنّ إنجاز برنامج ما بعد نجاح الثورة كان ضعيفاً وأدي ذلك الفراغ للشحناء بين القادة، وتفرّق الكلمة، وطمس مفهوم الوطن في أذهانهم، وسطوع مفاهيم الولاء للأحزاب والطوائف، وأخيراً لوم قوي الثورة المضادة بدلاً من الاعتراف بضعفهم المهني وعدم إعدادهم العدّة.
ويجب علينا أن نصحو من سبات الأسطورة التي تمثّل شعوب السودان على أنّها الأفضل، والأرقي، والأذكى، والأوعى والأكثر ثقافة وعلماً، فنحن شعوب تطغي فيها الأميّة والجهل والبدائية ولم نصل إلى الدرجة الأولي من سلّم الحضارة.
نعم يوجد في الشعوب السودانية قابلية للنمو والتحضّر والتميّز وللفعل الأمثل، ولكن هذه القابلية لا يمكن أن تتحول إلى واقع من غير قيادة واعية وعالمة، وعمل حثيث، ورؤية شاملة، وتخطيط سليم منذ فترة الحضانة.
إنّ السبب الرئيس في تكرار دوراتنا الخبيثة منذ الاستقلال هو استسهال النخبة للحكم وضعف التقييم الذاتي لملكاتهم. فقد كان يظن قادة الثورات أنّ مجرّد إسقاط النظام الشمولي سيفتح الباب لحياة الرغد؛ إذ ستتوفّر الحريّة والعدالة الاجتماعية والسلام، وأنّه إذا كان الحاكم الظالم قد أدار شئون البلاد، وهو على ما هو من قلّة التجربة والعلم والوعي، فما بالك بقادة الثورة الذين يمثلون النخبة المتعلمة والمثقفة الواعية؟
ونحن نري الآن أنّ قوي الحرية والتغيير لا تزال متشاكسة، ولم تتفق على مجلس قيادي، ولا على قائد يصدر قراراتها، أو حكومة تنفيذية ذات كفاءات، وليس لديها رؤية واضحة متفق عليها، ولا برامج وخطط جاهزة للتطبيق، وتريد، بعد كلِّ ذلك، أن تستلم مسئولية البلاد كأنّها تملك عصا موسى.
إنّها ليست أحسن من المجلس العسكري أداءً، وليست أقل منه مسئولية لحالة الكارثة المحدّقة بالبلاد والدماء الطاهرة التي سكبت بلا ذنب إلا نتيجة ثقتها في قيادتها العاجزة والساذجة وضعف معرفتها بطبيعة البشر فظنّوا أنّ العسكر سيغيرون من طبعهم، وهو مثل أن تتوقّع من أسد أن يصير نباتياً فتترك حملك المسكين في حراسته ثمّ تلومه إذا أكله .
إذا كانت قوي الحرية والتغيير أخفقت في إدارة المرحلة الثانية من الثورة، لأنّها لم تعد لها عُدّتها، أو تكون لها قيادة قديرة لإدارة المرحلة، فالأجدر بها أن تستقيل، وتتحمّل مسئولية الفشل، وتبحث عمّن يستطيع أن يقوم بالمهمّة، فالفراغ الذي أعقب مرحلة الثورة الأولي لم يملأ ساحته العلم فملأه الجهل.
إنّه من السذاجة بمكان أن تظن أنّ الثورة المضادة سينكسر عودها بسهولة وأن تستكين وتستسلم، وأنّ العسكر سيغيرون طبعهم، وأنّ قيادة البلاد ستُسلّم كفرس مُروّض سهل القياد. وأيضاً إنَّه من السذاجة بمكان أن يكون خطاب قوي الحرية والتغيير السياسي عن الانتقام ثمّ تتوقّع أنّ من ستنتقم منه أن يسلمها رقبته لتذبحه. وإذا كان قادة الحرية والتغيير يعوِّلون كثيراً على تهديد الاتحاد الإفريقي أو مجموعة الترويكا فلينظروا إلى رئيس الاتحاد الإفريقي الذي انقلب على أوّل حكومة ديموقراطية، وإلى الرئيس ترمب الذي يقتل الديموقراطية في بلاده. هذا التهديد لا قيمة له في واقع عالم السياسة وقيمته لا تتجاوز شجب جامعة الدول العربية لعدوان إسرائيل.
حان الأوان أن يعتزل الساحة قيادة الحرية والتغيير وكذلك المجلس العسكري، وأن ينظروا بواقعية إلى نفوسهم التي يملأها الزهو ويتواضعوا، فليس لديهما ما يقدمانه لهذا الوطن المنكوب بأبنائه، وليس لديهما المهارة القيادية الفاعلة والفعّالة، أو الرؤية الشاملة، أو العلم الساطع، أو البرامج والخطط المدروسة، أو التفكير الاستراتيجي التأملي، أو الفهم الصحيح لمعني الوطن والوطنية ليتسنموا القيادة ويتحدثوا باسم الوطن. فكيف بمن يكون إفلاسه بائن في كلّ مجال أن يقود وطناً؟ دعهم يقودون أحزابهم، ونقاباتهم، وطوائفهم بنجاح أولاً قبل أن يقودوا شعوباً بأسرها.
إنّ يوم الحساب قادم إن شاء الله، طال الزمن أم قصر، وسيسألون عمّا كانوا يعملون، فالجهل ليس بعذر مقبول، والطريق إلى جهنم مليء بالنوايا الحسنة، والاجتهاد لا مكان له إذا لم يُطلب النصح أو يُسعي لأهل العلم. أو الأولي أن ينفض المهنيون، وهم الأقل شرّاً مع أنّ معظمهم مُسيّس، كل طوائف الأحزاب يمينها ويسارها، وأن يفتحوا آذانهم وقلوبهم لكل حادب على مصلحة الوطن، وأيضاً أن يطهّر الجيش جسده من المليشيات ويستعيد عافيته المهنية، ويقوّي عاطفته الوطنية، ويؤدي وظيفته التي أقسم عليها ويبعد عن كراسي الحكم فلا هي تصح له ولا هو يصح لها، ثمّ يجتمع الطرفان ليتكامل العمل للعبور بالوطن إلى برّ السلامة وإلا فليتحملوا مسئولية تدميره.
ودمتم لأبي سلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
منشورات حزب الحكمة:
abdelmoniem2@hotmail.com
الثورات تثير نقعاً يعجز، إلا أولو البصيرة، من الرؤية خلاله، ولذلك يجتمع العمي والعمهْ عند العامّة ومن يقودونهم من النشطاء الانفعاليين. والعمي هو عمي الأبصار والعمهُ هو عمي البصيرة. ولهذا السبب لا يجوز أن يقود الثورة من لا يقوي على إدارتها بحكمة وعلم، لأنّ معارجها عديدة ومزالقها خفيّة، وإلا أدّت إلى دمار شديد.
بل يجدر بمن يحقّق نجاح المرحلة الأولي من الثورة، والتي تقوم على تجييش المشاعر والحراك الجماهيري، أن يخلي مقعد القيادة لقادة المرحلة الثانية الذين يملكون المعرفة والمهارة والخبرة في العبور بها لضفة التحقيق للشعارات، فقائد الحرب لا يفلح في قيادة السلم.
قيادة الحرب تستوجب تفكيراً انفعالياً وعمليّاً، وقيادة السلم تستوجب تفكيراً استراتيجياً تأملياً ينقد ويحلّل ويبدع، وبين القيادتين بعد المشرقين. فقد قاد ونستون تشرشل شعبه في الحرب العالمية الثانية وانتصر وأسقطه شعبه في الانتخابات التي أعقبت الحرب أثناء السلم.
ولو أنّ قيادة الثورة استمعت للنصح قبل الفعل ولم تكابر، وأعدّت عدّتها، لكانت قد أعلنت حكومتها السيادية والتنفيذية والتشريعية والقضائية منذ أوّل لحظة، وكسبت السباق قبل أن تنبه قوي الظلام ذات المصالح من ذهولها وتستعيد وعيها وتوازنها.
فعند لحظة الهجوم ومواجهة الخطر بضياع الحياة وتهديد غريزة البقاء يستجيب الإنسان بالقتال أو الهروب أو التجمّد أو المساومة أو الاستسلام.
وفي حالة الثورة الحالية واجهت السلطة المتظاهرين بالقتال، وعندما أثبت الهجوم فشله حاولت المساومة، ولمّا لم تنجح لكبح جماح الشباب سارع جزء منها بالتهديد لقتل ثلث الشعب، وهرب جزء واستسلم البعض، ولكن أغلب أهل السلطة، بما فيهم الكثير من أحزاب المعارضة، تجمّدوا في حالة من الذهول، كان الأحرى بقوي الشباب أن تستغلها قبل فوات الأوان.
ولكن أصحاب الولاءات الحزبية الضيقة لم يصبروا حتى تنمو شجرة النصر والحرية ليقطفوا من ثمارها الناضجة، فانقضّوا عليها كالذئاب الجائعة بعد طول مجاعة فقطفوا ورقها وأهلكوها.
ولقد سألت بعض قادة قوي الحرية والتغيير، قبل انتصار المرحلة الأولي من الثورة، عن الإعداد لما بعد نجاحها، فقالوا أنّهم جاهزون بكل ما تعني الكلمة، فحذرتهم من سوء العاقبة إذا لم يكونوا صادقين، وظهر عدم صدقهم بعد الانتصار، وسيظهر أكثر قريباً عندما يسكن النقع.
ولذلك قد رأينا نتيجة استئثار قوي الحرية والتغيير بقيادة المرحلة الثانية من الثورة تخبطاً في القرارات والأداء، وضبابية في الرؤية، وخلطاً للأولويات أدت جميعها إلى ضياع مكاسب الثورة واحتلال قوي الثورة المضادة للساحة. لا أحد يلوم الذين قادوا الثورة في مراحلها الأولي على عدم استخدامهم للتفكير الاستراتيجي، لأنّه ليس بالإمكان الجمع بين التفكير الانفعالي والتفكير الاستراتيجي، ففاقد الشيء لا يعطيه، ولذلك كان شعار الثورة: “تسقط بس”، يعبّر عن الأولوية القصوى للثورة وهي إسقاط النظام ولا يطرح رؤية لما بعد السقوط.
وهذا ما تمّ في الثورات السابقة، إذ أنّ إنجاز برنامج ما بعد نجاح الثورة كان ضعيفاً وأدي ذلك الفراغ للشحناء بين القادة، وتفرّق الكلمة، وطمس مفهوم الوطن في أذهانهم، وسطوع مفاهيم الولاء للأحزاب والطوائف، وأخيراً لوم قوي الثورة المضادة بدلاً من الاعتراف بضعفهم المهني وعدم إعدادهم العدّة.
ويجب علينا أن نصحو من سبات الأسطورة التي تمثّل شعوب السودان على أنّها الأفضل، والأرقي، والأذكى، والأوعى والأكثر ثقافة وعلماً، فنحن شعوب تطغي فيها الأميّة والجهل والبدائية ولم نصل إلى الدرجة الأولي من سلّم الحضارة.
نعم يوجد في الشعوب السودانية قابلية للنمو والتحضّر والتميّز وللفعل الأمثل، ولكن هذه القابلية لا يمكن أن تتحول إلى واقع من غير قيادة واعية وعالمة، وعمل حثيث، ورؤية شاملة، وتخطيط سليم منذ فترة الحضانة.
إنّ السبب الرئيس في تكرار دوراتنا الخبيثة منذ الاستقلال هو استسهال النخبة للحكم وضعف التقييم الذاتي لملكاتهم. فقد كان يظن قادة الثورات أنّ مجرّد إسقاط النظام الشمولي سيفتح الباب لحياة الرغد؛ إذ ستتوفّر الحريّة والعدالة الاجتماعية والسلام، وأنّه إذا كان الحاكم الظالم قد أدار شئون البلاد، وهو على ما هو من قلّة التجربة والعلم والوعي، فما بالك بقادة الثورة الذين يمثلون النخبة المتعلمة والمثقفة الواعية؟
ونحن نري الآن أنّ قوي الحرية والتغيير لا تزال متشاكسة، ولم تتفق على مجلس قيادي، ولا على قائد يصدر قراراتها، أو حكومة تنفيذية ذات كفاءات، وليس لديها رؤية واضحة متفق عليها، ولا برامج وخطط جاهزة للتطبيق، وتريد، بعد كلِّ ذلك، أن تستلم مسئولية البلاد كأنّها تملك عصا موسى.
إنّها ليست أحسن من المجلس العسكري أداءً، وليست أقل منه مسئولية لحالة الكارثة المحدّقة بالبلاد والدماء الطاهرة التي سكبت بلا ذنب إلا نتيجة ثقتها في قيادتها العاجزة والساذجة وضعف معرفتها بطبيعة البشر فظنّوا أنّ العسكر سيغيرون من طبعهم، وهو مثل أن تتوقّع من أسد أن يصير نباتياً فتترك حملك المسكين في حراسته ثمّ تلومه إذا أكله .
إذا كانت قوي الحرية والتغيير أخفقت في إدارة المرحلة الثانية من الثورة، لأنّها لم تعد لها عُدّتها، أو تكون لها قيادة قديرة لإدارة المرحلة، فالأجدر بها أن تستقيل، وتتحمّل مسئولية الفشل، وتبحث عمّن يستطيع أن يقوم بالمهمّة، فالفراغ الذي أعقب مرحلة الثورة الأولي لم يملأ ساحته العلم فملأه الجهل.
إنّه من السذاجة بمكان أن تظن أنّ الثورة المضادة سينكسر عودها بسهولة وأن تستكين وتستسلم، وأنّ العسكر سيغيرون طبعهم، وأنّ قيادة البلاد ستُسلّم كفرس مُروّض سهل القياد. وأيضاً إنَّه من السذاجة بمكان أن يكون خطاب قوي الحرية والتغيير السياسي عن الانتقام ثمّ تتوقّع أنّ من ستنتقم منه أن يسلمها رقبته لتذبحه. وإذا كان قادة الحرية والتغيير يعوِّلون كثيراً على تهديد الاتحاد الإفريقي أو مجموعة الترويكا فلينظروا إلى رئيس الاتحاد الإفريقي الذي انقلب على أوّل حكومة ديموقراطية، وإلى الرئيس ترمب الذي يقتل الديموقراطية في بلاده. هذا التهديد لا قيمة له في واقع عالم السياسة وقيمته لا تتجاوز شجب جامعة الدول العربية لعدوان إسرائيل.
حان الأوان أن يعتزل الساحة قيادة الحرية والتغيير وكذلك المجلس العسكري، وأن ينظروا بواقعية إلى نفوسهم التي يملأها الزهو ويتواضعوا، فليس لديهما ما يقدمانه لهذا الوطن المنكوب بأبنائه، وليس لديهما المهارة القيادية الفاعلة والفعّالة، أو الرؤية الشاملة، أو العلم الساطع، أو البرامج والخطط المدروسة، أو التفكير الاستراتيجي التأملي، أو الفهم الصحيح لمعني الوطن والوطنية ليتسنموا القيادة ويتحدثوا باسم الوطن. فكيف بمن يكون إفلاسه بائن في كلّ مجال أن يقود وطناً؟ دعهم يقودون أحزابهم، ونقاباتهم، وطوائفهم بنجاح أولاً قبل أن يقودوا شعوباً بأسرها.
إنّ يوم الحساب قادم إن شاء الله، طال الزمن أم قصر، وسيسألون عمّا كانوا يعملون، فالجهل ليس بعذر مقبول، والطريق إلى جهنم مليء بالنوايا الحسنة، والاجتهاد لا مكان له إذا لم يُطلب النصح أو يُسعي لأهل العلم. أو الأولي أن ينفض المهنيون، وهم الأقل شرّاً مع أنّ معظمهم مُسيّس، كل طوائف الأحزاب يمينها ويسارها، وأن يفتحوا آذانهم وقلوبهم لكل حادب على مصلحة الوطن، وأيضاً أن يطهّر الجيش جسده من المليشيات ويستعيد عافيته المهنية، ويقوّي عاطفته الوطنية، ويؤدي وظيفته التي أقسم عليها ويبعد عن كراسي الحكم فلا هي تصح له ولا هو يصح لها، ثمّ يجتمع الطرفان ليتكامل العمل للعبور بالوطن إلى برّ السلامة وإلا فليتحملوا مسئولية تدميره.
ودمتم لأبي سلمي