التبيان أن صلاة الفاتح ليست أفضل من القرآن (3-3)
الشيخ/ احمد التجاني أحمد البدوي
2 June, 2011
2 June, 2011
خلاصة ما جاء في المقالات السابقـة أن الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم جمعت وإستوعبت كل ما يخطر على قلب إنسان من خيرات الدنيا والآخرة , وأعظم من ذلك أن فيها ذكر الله ورسوله , فهي تثبت لله الربوبية وللرسول صلى الله عليه وسلم العبودية بأنه عبد الله ورسوله الفقير إلي صلاته وهي الذكر الأوحد الذي يُذكر في كل زمـان ومكـان وبطهارة وبغير طهارة , وللصلاة على ارسول صلى الله عليه وسلم فوائد كثيرة لخصهـا إبن القيم في كتابه جلاء الأفهام في الصلاة على خير الأنـام في أربعين فائده في شئون الدنيا والآخرة والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم تقابلهـا عشر صلوات من الله , والصلاة الواحدة من الله ثوابها لا يُحسب بالأرقام ولا تُوزن بميزان , فهذه المزية للصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم والتي لا تعنى بأي حال من الأحوال الأفضلية ولا يؤهلهـا ذلك أن تكون أفضل من كلام الله ولا تساوي حرف منه فهو بهذا لا شئ يعدله وقد سماه الله كريماً فقال تعالى (إنه لقرآن كريم) وسماه حكيماً (يسن والقرآن والحكيم) وسماه مجيداً (ق والقرآن المجيد) أنزله الله علي سيدنا محمد خاتم الأنبياء الكرام عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام فكان من أعظم معجزاته أن أعجز الله الفصحاء عن معارضته وعن الإتيان بمثله , قال تعالى (قل لئن إجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً) فهو النور المبين والحق المستبين لا شئ أسطع من أعلامه ولا أقطع من أحكامه ولا أفصح من بلاغته ولا أرجح من فصاحته , فما أن سمعته الجن حتي (قالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً).
أما عن القرآن الكريم كذكر يُتعبد به والصلاة على الرسول كذكر أمرنا به فهذا فيه تفصيل ...
وهذا القول لم يتركه الشيخ أحمد التجاني على إطلاقه بل قيده في صفحة (151-152) في جواهر المعاني حيث قال (الكلام عن التفضيل بين الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم كذكر والقرآن كتلاوة) أنظر كلام الشيخ – لم يقل صلاة الفاتح بل قال الصلاة على الرسول وبين تلاوة القرآن ولم يقل القرآن بل قال تلاوة القرآن قائلاً: (أما فضل القرآن علي جميع الكلام فأمر واضح وأوضح من الشمس وتفضيله من حيثيتين , الحيثية الأولى كونه كلام الذات المقدسة المتصفة بالعظمـة والجلال وفي هذه المرتبة لا يوازيه كلام , والحيثية الثانية ما دل عليه من العلوم والمعارف ومحاسن الآداب وطرق الهدى والأحكام الإلاهيـة فهو في هذه المرتبة أيضاً لا يوازيه كلام في الدلالة على هذه الأمور ثم أن هاتين الحيثيتين لا يبلغ فضل القرآن فيهمـا إلا عارف بالله قد إنكشف له بحرالحقائق , فصاحب هذه المرتبة يكون القرآن في حقه أفضل من جميع الأذكار.
والمرتبة الثانية رجل لا يعلم شيئاً من معانيه وليس له إلا سرد حروفه ولا يعلم ماذا تدل عليه من العلوم والمعارف كسائر الأعاجم الذين لا يعلمون معاني العربية إلا أنه يعتقد أنه كلام الله فهذا لا حق في الفضل بين المرتبتين إلا أنه منحط عنها بكثير بشرط أن يكون مهتدياً موفياً بالحدود والواجبات.
والمرتبة الرابعة رجل يتلو القرآن سواء علم معانيه أو لم يعلم إلا أنه متجرئ علي معصية الله غير متوقفاً عن شئ منها فهذا لا يكون القرآن في حقه أفضل بل كلمـا إزداد تلاوة إزداد ذنباً وتعاظم عليه الهلاك.
ومن هذا ينتج أن الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم نالت المزية عن تلاوة القرآن من حيث أنه تلاوة وذكر إقتضاه حال وظرف الذاكر وليست أفضلية لفظ أو عبارة ولا أفضلية مطلقة ولا مفهوم لستة آلاف ختمه والتي تعني الثواب والتي لا تعني شئ إذا كانت الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم تقابلها عشر صلوات من الله والتي تسقط معها الأرقام والحسابات والأجر والثواب وقد قال الفاكهاني سلام من الله لا تعدله مائة ألف جنة ومفهوم المنصوص من كلام سيدي أحمد التجاني أن الصلاة على الرسول لم تكتسب المزية من حيث فقد القرآن أفضليته لكنها نالت المزية من حيث فقد القرآن أهله وخاصته وقال الرسول صلى الله عليه وسلم (يا رب إن قومي إتخذوا هذا القرآن مهجورا) وذلك أن القرآن لا يمسه إلا المطهرون ولا ينال ثوابه إلا المتدبرون ولا يحظى بفضله إلا العاملون ولا يرقى درجاته إلا المخلصون ولا يسلم من الرياء به إلا المتقون ولا يأمن لعنته إلا الذين لحدوده حافظون ولا يخشع لتلاوته إلا الوجلون) الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تُليت عليهم آياته زادته إيماناً وعلى ربهم يتوكلون).
هذا وقد وردت أحاديث كثيرة تشير إلي مكانة القرآن العليه وصعوبة التعامل معه , فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (القرآن شافع مشفع ما حل مصدق من جعله إمامه قاده إلي الجنة ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار).
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال إني لا أستطيع أن أخذ شيئاً من القرآن فعلمني شيئاً يجزئنى عن القرآن فقال قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله) أخرجه النسائي.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يخرج ناس من قبل المشرق ويقروءن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوته) أخرجه البخاري , وعن سعد بن عبادة عن النبيى صلى الله عليه وسلم قال (من حفظ القرآن ثم نسيه لقى الله يوم القيامة وهو أجزم).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يؤتى برجل يوم القيامة ويمثل له القرآن قد كان يضيع فرائضه ويتعدى حدوده ويخالف طاعته ويركب معاصيه فيقول أي رب حملته آياتي فبئس حاملي تعدى حدودي وضيع فرائضي وترك طاعتي وركب معصيتي فما يزال يقذف عليه بالحجج حتى يقال فشأنك به فيأخذ بيده فما يفارقه حتى يكبه على منخره في النار وآخر إتقى حدود القرآن ويعمل بفرائضه ويعمل بطاعته ويجتنب معصيته فيصير خصماً دونه فيقول (أي رب حملت آياتي خير حامل إتقى حدودي وعمل بفرائضي وإتبع طاعتي وإجتنب معصيتي فلا يزال يقذف به بالحجج حتى يُقال له فشأنك به فيأخذ بيده فلا يزال به حتى يكسوه حلة الإستبرق ويضع عليه تاج الملك ويسقيه بكأس الملك (مجمع الزوائد). وقد ذكر إبن حجر في كتابه الدر المنضود قائلاً: الإشتغال بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وليلتها أعظم أجراً من الإشتغال بتلاوة القرآن , وقد سُئل الإمام الشعراني أيهما أفضل للذاكر تلاوة القرآن أم الأذكار الأخرى فقال أفضل للمريد الذكر وللكامل تلاوة القرآن , وعن على رضي الله عنه قال من قرأ القرآن فمات فدخل النار فهو ممن كان يتخذ آيات الله هزواً.
فالقرآن هو الأفضل بهذه الحصون القوية التي تحصن بها والأسوار النورانية التي تسور بها والهالات القدسية المتراصة الحافة به التي جعلته عسير تعامله صعب مناله قليل أهله إلا لخاصة الخاصة الذين سلموا من كل آفات التعامل معه حتى صاروا أهل الله وخاصته.
فكل ما ذُكر عن القرأن الكريم وأهله يؤكد مكانته وفضله وعلو منزلته التي لا تقاربها منزلة من حيث أنه لم يكن متاحاًًُ لكل الناس وفي كل زمان ومكان وأنه غير الأذكار الأخرى لا يذكر إلا بطهارة ومن حيث ندرة أهله وخاصته بعكس الصلاة على ارسول صلى الله عليه وسلم والتي هي أنسب واسهل لكل ذاكر.
فبقدر ما حض الشارع على الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم بالأمر الإلاهي وعدد فضائلها وثوابها لم يترك القرآن الكريم وعلومه وأهله لإغراءات الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم حتى تكون سبباً في ترك القرآن وتعلمه وتعليمه وأعمال الخير الأخرى فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) رواه البخاري , وأن الله يصلي على معلمي الناس الخير ومن الناس من يرزقه الله العمل في كل هذه المناحي طلباً للحسنة المقبولة , ومن صلى الله عليه لحق بأهل الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم.
وخلاصة ما جاء في هذا الموضوع يرتكز علي سبع متركزات , الأول أن تلاوة القرأن، هي الأفضل للذي هو أفضل وللذي هو لذلك مؤهل وقد قيل رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه , وقد قال إبن تيمية في كتابه (مدارج السالكين) وفي تصنيف للعباد الصنف الرابع: يرى أن أفضل العبادة العمل على مرضاة الله في كل وقت بما مقتضى ذلك الوقت ووظيفته فمثلاً أفضل العبادة في وقت الجهاد الجهاد والأفضل في حضور الضيف القيام بحقه والأفضل في وقت قراءة القرآن معية القلب والمعية على تدبره وتفهمه حتى كأن الله يخاطبك به.
المرتكز الثاني: أن الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم لا تحل حراماً ولا تحرم حلالاً لمن تلاها ولا ترفع التكاليف الشرعية ولا هي بديلة لعبادة من العبادات ولا تعطل العمل بالأذكار الأخرى ولا تلاوة القرآن فعلى الذاكر أن يختار من الأذكار ما يناسبه وهو أعلم بحاله فلا يجوز أن يقول قائل سوف أكتفي بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم دون غيرها.
المرتكز الثالث: الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ثوابها متعدي وفوائدها متعددة فالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم يتعد نفعها المصلي بها إلي الرسول صلى الله عليه وسلم.
المرتكز الرابع: الأذكار الأخرى قد تكون متقيده أو مقيدة بزمان ومكان ومناسبة معينة فمثلاً التحميد مقابل النعم والإستغفار للذنوب والحسبلة للخوف والبسملة للبدء , لكن الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم يمكنها أن تكون رديفه لكل هذه الأذكار أي تذكر معها حتى تحصل الإستجابة لحديث (كل دعاء موقوف بين السماء والأرض حتى يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم).
المرتكز الخامس: قال القرطبي في حكمها لا خلاف في وجوبها في العمر مرة وأنها واجبة في كل حين وجوب السنن المؤكدة التي لا يسع تركها .
المرتكز السادس: تلاوة القرآن مندوبة في حق البعض وواجبة في حق أخرين قال تعالي ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك).
المرتكز السابع: حال العبد ومدى حضور قلبه وتدبره وإلتزامه بما في القرآن من أوامر ونواهي تحدد هل الأفضل له تلاوة القرآن أم الأذكار الأخرى.
إنتهى ما أردنا ذكره عن الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ... وللحصول على تفاصيل أكثر يمكن الحصول على كتاب (التبيان أن صلاة الفاتح ليست أفضل من القرآن) وهو موجود في مكتبات أم درمان المسجد الكبير.
نسأل الله أن يجعلنا من أهل الصلاة عليه أنهم أهل محبته ومجالسته يوم القيامة صلى الله عليه وسلم.
خـــــــــــارج النـــــــــص:
لا زالت هيئة الحج والعمرة مصرة على بدعتها بأن تجعل للحج أشهر غير التي جعلها له الله بقوله (الحج أشهر معلومات) وذلك بجعل التقديم للحج يبدأ قبل أشهر الحج وينتهي قبلهـا كذلك ... والسؤال: ما مصير من أصبح من المستطيعين للحج بعد مواعيد التقديم؟ والغريب أن البرلمـان والحكومة يتحدثون عن فساد الهيئة ولا يتحدثون عن بدعها وبدع الزكاة وإستثمار أموال الزكاة وأهلها يقفون على الأبواب أعطوهم أو منعوهم.
E-mail:ahmedtigany@hotmail.com