التجانى الطيب إن حكى

 


 

 


moawia _ gamaleldin@hotmail.com
سلام عليه يسخو بأجمل أيام العمر ، سجيناً ومختفياً ومنفياً . سلام على التجانى الطيب يوزعها بالعدل إبتداء اً من سن 21:
10 فى سجون ومعتقلات مصر والسودان ، و10 فى الإختفاء تحت الأرض ، و14 فى المنفى .
وحين أغمض عينيه للمرة الأخيرة ، بدا للذين يعرفونه انه يخلد إلى ِسنة من النوم ينهض بعدها ليواصل النضال .
أليس هو القائل :
" إن خيارى هو أن أناضل من أجل قضية أعتقد أنها عادلة وليست خسارة ماقدمته من أجلها وأنا راض بما قدمت ونتائجه ( جريدة الإتحادى الدولية 6/5/1997 ) . "
الإعتقال الأول كان فى مصر ..
" اعتقلت للمرة الأولى فى يوم 18/5/1948، أى بعد ثلاثة أيام من إندلاع حرب فلسطين . كان إعتقالى عن طريق الصدفة المحضة . اذ أننى لاأعتقد إنه كان هناك تخطيط مسبق لإعتقال اليساريين السودانيين ماعدا البارزين منهم كعبده دهب .
كنت أسير مع عبده دهب فى منطقة السيدة زينب وأنا فى طريقى الى بيت الطلبة السودانيين فى المبتديان . كنا مجموعة من الطلبة السودانيين َطردنا من بيت السودان لمواقف سياسية ، كان هذا فى حوالى مارس أو ابريل 1948 . فاضطررنا للإنتقال إلى بيت قريب من المبتديان .
كان عندى ميعاد مع عبده دهب الذى قادنى الى مطبعة  لإستلام كتاب مترجم عن مرض الطفولة اليسارية ، بعد خروجنا من المطبعة تم إعتقالنا مما يؤكد ان صاحب المطبعة على علاقة بالأمن ."
ثم إعتقل مرة أخرى ونقل الى معسكر الهايكستب .
" مكثت حوالى سنة ، ثم توافد السودانيون على الهايكستب فى مابعد .
فى ديسمبر 1948 جاء عبد الرحمن الوسيلة وجاء إثنان من العاملين السودانيين فى قناة السويس هما محمد احمد الرشيد خلف الله ( قتل فى مابعد فى حوادث 1955 فى الجنوب ) . وجنوبى اسمه تيدى جيمس لاركن ( دخل الغابة بعد أن وجد قريته احرقت ولم يجد أهله . كان ذلك بعد ثورة أكتوبر ) وإنقطعت أخباره بعد ذلك " .
يواصل الأستاذ التجانى الطيب :
" تم ترحيلنا إلى السودان فى يوم واحد أنا وعبد الرحمن الوسيلة ومحمد احمد الرشيد " .
وفى السودان ، ٌقدم التجانى الطيب للمحاكمة لنشاطه فى حركة السلام المحظورة حسب قانون الجمعيات غير المشروعة لسنة 1924 المعدل سنة 1951 .
وعن إعتقالاته فى فترة الحكم العسكرى الأول 1958- 1964 . يقول التجانى الطيب :
" إعتقلت مرتين فى فترة الحكم العسكرى الأول . المرة الأولى فى يوم 25/5/1959 عقب المحاولة الإنقلابية التى قام بها محى الدين احمد عبد الله وعبد الرحيم شنان .
والمرة الثانية فى 1962 .
إعتقلت فى الشارع فى أمدرمان على شاطئ النيل وكان معى الأمين حاج الشيخ أبوّ الذى كان قادماً من عطبرة .
لم ننتبه الى أن إحدى عربات الأمن كانت ترصدنا ( جريدة الإتحادى الدولية 6/5/1997 ) ".
ومن مكان إعتقاله نقل التجانى الطيب الى منزله لأخذ ملابس نظيفة ثم الى القسم الجنوبى بأمدرمان ، ومن هناك الى كوبر حيث وجد د. عزالدين على عامر وعلى محمد إبراهيم المحامى واحمد سليمان وسعودى دراج . الى جانب عدد من المعتقلين فى الزنازين التى تسمى البحريات ، ثم بدأ توافد أعداد أخرى من أقسام البوليس كالمرحوم الجنيد على عمر وسمير جرجس .
ثم كان الترحيل إلى الجنوب ..
" ونقلنا إلى مطار الخرطوم . وركبنا الطائرة فى حوالى الساعة الثانية صباحاً ولم نكن نعلم وجهتنا كنا 14 معتقلاً أذكر منهم :
د. عزالدين على عامر ، بابكر محمد على ، على محمد ابراهيم ، احمد سليمان , عباس عبد المجيد ، محمد جاد كريم  سعودى دراج ، الجنيد على عمر ، الحاج سليمان ، الأمين حاج الشيخ أبو ، سمير جرجس ، حسان محمد الأمين .
فى أثناء الرحلة ،أخبر أحد أفراد طاقم الطائرة أحد المعتقلين أن هناك رسالة موجودة فى الحمام من لجنة الحزب بمديرية الخرطوم . وفى الرسالة علمنا أننا مرحلون إلى جوبا وأن اللجنة ستكون على إتصال بنا فى أى مكان .
وكانت رسالة قوية رفعت من روحنا المعنوية . (جريدة الإتحادى الدولية 6/5/1997 ) " .
يعتبر التجانى الطيب نفيه - هو و13 من زملائه – إلى ناقيشوط فى أقصى الجنوب ، أول جريمة ضد حقوق الإنسان فى السودان ، وإحدى أفظع الجرائم ضد حقوق الإنسان ..
" بعد حوالى ثلاثة شهور من وصولنا الى ناقيشوط مللنا السجن ، نظمنا محاضرات ، وقرأنا كل الكتب الموجودة لدينا ، ولعبنا الكرة ، ونتيجة لهذا الملل قررنا الدخول فى إضراب عن الطعام . ثم كتب المعتقلون الآخرون مذكرة لسلطات السجن .
قررت السلطات عقب الإضراب مباشرةً ترحيل مجموعة ممن كانت تعتبرهم مشاغبين .
شمل قرار الإبعاد : جوزيف قرنق ، أحمد سليمان ، الجنيد على عمر ، وشخصى .
يواصل الاستاذ التجانى الطيب :
" تم توزيع  المشاغبين على هذا النحو :
التجانى الطيب إلى جوبا .
الجنيد على عمر إلى يامبيو .
أحمد سليمان إلى رمبيك .
جوزيف قرنق إلى سواكن . (جريدة الإتحادى الدولية 7/5/1997 )"  .
وعند عودة المعتقلين إلى الخرطوم أطلق سراحهم إلا أنه كان عليهم أن ( يتمموا ) كل أسبوع فى قسم البوليس ، وكان على التجانى الطيب  أن (يتمم ) فى القسم الأوسط بأمدرمان .
وفى مايو 1962 أعتقل التجانى الطيب بعد أن إستدعاه اللواء احمد عبد الله أبّارو مدير الأمن – هاتفياً – ونقل إلى سجن كوبر ، ثم مٌثل أمام محكمة عسكرية حكمت عليه بالسجن لمدة سنتين قضاهما فى سجن الفاشر ، وأطلق سراحه فى فبراير 1964 .
فى أعقاب فشل حركة 19 يوليو 1971، ظل التجانى الطيب مختفياً إلى ان أعتقل فى 18/11/1980 ، وحكم عليه بالسجن عشر سنوات .
"  كانت صورتى موزعة على الجدران مصحوبة بنداء من البوليس للقبض علي وتسليمى لأقرب نقطة بوليس " (جريدة الإتحادى الدولية 10/5/1997 ) " .
وفى أثناء ملاحقة زبانية الطاغية الموؤد للتجانى الطيب فى تلك الأيام الحالكة ، كان فى يوم إنهيار حركة 19 يوليو قاب قوسين أو أدنى من الوقوع فى براثن النظام الفاشى . 
"  فى يوم 22/7/1971 أفلت َ من الإعتقال بقيد شعرة كان هذا الإعتقال من الممكن أن يقودنى إلى الإعدام .
كان من المفروض أن أمشى للأمام  ولم أمش . كنت أريد أن أذهب إلى أمدرمان فلم أفعل. (جريدة الإتحادى الدولية 10/5/1997 ) "  .
كان إلى جانب التجانى الطيب فى عربته فى تلك اللحظات الرهيبة الجزولى سعيد الذى يصفه التجانى الطيب بقوله :
" كان المرحوم الجزولى سعيد صبوراً وشجاعاً ومنظما ً ومنضبطاً . الإحتفاء والعمل إلى جانبه مريح . لايزعجك بمطالب شخصية ، ويتحمل أى وضع يكون موجوداً فيه ، ويكيف نفسه عليه .
الجزولى ( يتقل ) قلب الإنسان كما يقولون ، ويهتم بالآخرين ، إحتياجاتهم ، صحتهم ، أسرهم إلى آخره . (جريدة الإتحادى الدولية 10/5/1997 ) " .
وعن آخر إعتقال للتجانى الطيب فى أول يوم من أيام هذا النظام المبتكر يقول :
"" أعتقلت فى حوالى الساعة الثالثة إلا ربعاً صباحاً ، ونقلت إلى سلاح المهندسين فى أمدرمان ، طرق الباب أحد الأشخاص وقال أن هيئة قيادة القوات المسلحة إستولت على السلطة ورأت التحفظ على بعض السياسيين ، وطلب منى هذا الشخص أن أركب معهم ، ركبت عربة نقلتنى إلى سلاح المهندسين وهناك حدثت مشكلة بين المجموعة التى إعتقلتنى وبين الحرس ووقع إشتباك قَتل فيه رئيس المجموعة وهو رائد طبيب يدعى أحمد قاسم  .
وهرولت بقية المجموعة وتركونى مع عساكر السلاح الطبى . ( جريدة الإتحادى الدولية 10/5/1997 ) "  .
وبقى التجانى الطيب داخل سلاح المهندسين ثم نقل إلى سلاح الموسيقى وقضى نهار الجمعة هناك مع بقية المعتقلين حيث إستمعوا الى بيانات الإنقلاب ، وفى المساء نقلوا الى سجن كوبر .
وفى سجن كوبر إلتقى بقيادات الأحزاب ومن بينهم حسن الترابى الذى كان رأيه فى الإنقلاب
كالتالى :
" إن النظام إذا كان يفتح الطريق للإسلام فسيؤيده غض النظر عن موقفه من الديمقراطية ، أما إذا كان يسد الطريق أمام الإسلام ، فسيقف ضده غض النظر عن موقفه من الديمقراطية .( جريدة الإتحادى الدولية 10/5/1997 ) " .
ولتكن هذه الأبيات للشاعر غسان رقطان وداعية للمناضل الكبير التجانى الطيب :
كيف أن الرجال مضوا ..
كلهم
دون أن يتركوا قشة كى ننام
ولدًا فى الحراسة
قلماً للكتابة
فحماً لهذا البقاء المخيف
دون أن يتركوا
سلة نلم فيها الفطر
قبعة كى تخبئ شيب الهموم
يداً كى تصافح
أو حكمة نستعين بها
غير حكمتهم فى الرحيل

 

آراء