التحرش السياسي للنازيين الشماليين بوحدة إثنيات العطاوة حتى 26 سبتمبر

 


 

 

زرياب عوض الكريم

من التوريط السياسي في الحرب إلى تفخيخ الجوار الإجتماعي

بدأت هذه الحرب 15 إبريل 2023 بكسر كل الموبقات (أخلاقيات المنافسة الإجتماعية والصراع) Conflict Morals وتحدي التابوهات الإجتماعية الدارجة في الصراع الإجتماعي منذ القرن السادس عشر عصر (القيمان) والغارات القبلية بغاية النهب والسلب ، ضد وحدة إثنيات العطاوة ومنافستها السياسية للقومية الشمالية في مؤسسة الحكم.

بدأت أيضاً بإحتكار القوميين الشماليين للخطاب الأخلاقي أو (الأخلاقوي) ، في محاولة رسم صورة معيارية وتنميطية للنظام الأخلاقي العام والنظام الإجتماعي للحرب في مجتمعات ماقبل الإستعمار (المهمشة) و(المستبعدة) من تكوين دولة 1820 الكولونيالية وإعادة إنتاجها في 1956 ، المجتمعات التي تعاني أصلاً من هشاشة بنيوية في التنظيم الإجتماعي السياسي مرتبطة بغياب أو تحويل (تحوير) الإزدواجات السيسيوإقتصادية ضد مصالحها  أو  بتعبير مبسط المجتمعات المهمشة والمستبعدة التي تعيش حالة هشاشة أو لا دولة stateless لم تمنعها من تنظيم ردة فعلها ليس على التهميش بل على محاولة الإجتثاث الإثني والإبادة العقابية بعد إقصاء محمد حمدان دقلو من السلطة  Detribalization ، المجتمعات المستبعدة من تكوين القومية الوطنية (السودانية) التي أُفترضت لعضويتها الخضوع لهيمنة مجتمعات القومية الشمالية و الإستيعاب في ثقافتها المقترضة (ثقافية الإقطاع الإسلامي). والتي حرمت من التمدين الغربي المتكافئ ضمن خصوصيتها الثقافية Urbanization.

وُظفت هذه الصورة التنميطية والمعيارية المختلقة والمتوهمة كقالب تعسفي لتشويه (الآخر) وتأثيمه وشيطنته وتجريمه ، كإبتزاز إجتماعي وهوياتي بغاية الحصول على تنازلات سياسية من وحدة إثنيات العطاوة عن منافسة القومية المهيمنة على مؤسسة الحكم (البريتورية) praetorian state أو العسكرية في الأصل منذ 1958.

تلك التابوهات الإجتماعية التي تمثل قواعد إشتباك Red lines  وخطوط تلاقي تواصلية أولية لفصل النزاعات لا تغفلها المجتمعات الأنثربولوجية في غمرة الصراعات ولم يتم تجاوزها من قبل  في أقصى درجات العنف الداخلي بين القوميين الشماليين  (الحرب الأهلية داخل الشمال 1970).

تعريض الجناح اليميني للقوميين الشماليين (الجبهة الإسلامية Inf) بوحدة إثنيات العطاوة Pan-attawism التي تمثل قاعدتها الإجتماعية المورد السياسي political resource لإرادة محمد حمدان دقلو في تجاوز محاولات دولة 1956 المنتجة للحروب والميليشيات والعنف مقاومة الإصلاح السياسي بتوقيعه وثيقة الإتفاق الثنائي Framework Agreement مع الجناح اليساري من القومية الشمالية المهيمنة المنتج تأريخياً للعقلانية السياسية والمؤسس لمدرسة النقد الذاتي والحوار الذاتي داخل مؤسسة الإقطاع والكمبرادورية (مؤسسة الجلابة) لقومية عدوانية هجومية ومحاربة منذ 1820. هذا التعريض أو التنكيل المزدوج (ثقافياً وسياسياً) ليس جديداً ، فقد مثل من قبل في 1933 و1955 ردة فعل القوميين الشماليين وعنفهم الثقافي والقمعي على صعود القومية الإقليمية الجنوبية تحت هيمنة الإستوائيين أولاً Equatorian (واحدة من القوميات الثقافية المتعددة داخل الجنوب) ومن ثم تحت طليعة أو هيمنة دينكا بور وبحرالغزال لاحقاً Jeing. وردة فعلهم أيضاً على مقاومة القومية الجنوبية لإعلان الشماليين من طرفهم دولة لا تمثل التنوع ولا التعددية الثقافية الإثنية ولا المواطنة في 1955.

التاريخ الطويل للقومية الشمالية منذ تأسيسها السياسي في القرن التاسع عشر كتحالف مركنتيلي للإنتفاع من دولة الغنيمة التركو مصرية الإستخراجية Predatory state ، والسلوك التنظيمي للقوميين الشماليين في حيثيات تأسيس الدولة الكولونيالية ينتهي بها إلى وصف (الجوار غير الحسن)  Agressive neighbouring للأقاليم والإثنيات المجاورة لها وجودياً والمتساكنة معها قسرياً.

منذ الثلاثينات (1938) فشلت القومية الشمالية في إنتخاب وتأسيس تقاليد سياسية حاسمة Critical traditions لنقل السلطة فيما بينهم أو تفادي الصراع الداخلي ، وقد قام الجناح اليساري ومدرسة العقلانيين (مدرسة الشمالي الآخر) داخل نظام 25 مايو 1969 اليساري الإشتراكي ببلورة أيدلوجية وسياسية لفكرة ووثيقة - المصالحة الوطنية- كفكرة مستوحاة من الفكر الأوربي الشرقي (دستور 1973 كان مستوحى من مسودة الدستور اليوغسلافي وتعديلاته في الأربعينيات) national reconciliation عام 1977 ، بدعم من الرئيس السابق جعفر محمد نميري لتجاوز مأزق الإنتقال والهبوط السياسي decline وحدة الإستقطاب التي افرزتها جملة الإصلاحات الإجتماعية التي نهضت بها (مايو) وقاومها اليمينيون والإقطاعيين الشماليين بمن فيهم الجبهة الإسلامية (حسن الترابي) والصادق المهدي والجبهة الوطنية (حسين الهندي)  الذين طالبوا بإلغاء السلام مع الجنوب 1972 وتقويض الإصلاحات الأخرى التي أعتبروها مهددات ستراتيجية لثوابت القومية الشمالية social Threat.

سنبرز لاحقاً كيف أن تلك الثوابت القومية أو الشوفينية على الأصح ، هي ثوابت متوهمة ومختلقة من صناعة مجموعة من الإنتهازيين والشخصيات القلقة التي استثمرت في التطرف وصناعة الكراهية والتفوق الإثني المأزوم (أيدلوجيا العرق المتطرفة) وفي مقدمتها حسن الترابي بعد أكتوبر 1964 وبعض الإثنيات الكمبرادورية من خلاسيي غرب إفريقيا black mestizos الذين كانوا يزايدون على القومية الشمالية في تبني خطاب وهوية الإقطاع الإسلامي (الأسلمة والتعريب) . وليست من صناعة اي إجماع توافقي ميكانيكي أو بلورة سياسية.

صعود نجم الحركات المتطرفة عرقياً وهوياتياً وعلو سهمها السياسي داخل المجتمعات الشمالية منذ الخمسينيات وعودتها للظهور في السبعينات مثل الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين 1986 و حركة العميد عبدالعزيز خالد (بعثي شمالي قام بإعدام عشرات من إثنيات البدويت - التقريت في هجومه على مدينة طوكر منتصف التسعينات) عدا المتطرفين منهم داخل الأحزاب الكلاسيكية الذين يعملون في نسق تنظيمي فردي ، يمثل إنتخاب القومية الشمالية لمصالحها والدفاع عن تلك المصالح والإمتيازات البرجوازية غير المتكافئة ، أو غير المشروعة بتعبير القائد الجنوبي جون قرنق دي مابيور. المصالح والإمتيازات التي يحميها عنف المؤسسة العسكرية.

لذا كنت اقول دائماً في مقالات سابقة أن البريطانيين بدل أن يقوموا بالتحديث السياسي Westernization للبنيات الإجتماعية لمجتمعات ماقبل الإستعمار الوطنية 1898 وتكوينها المتعدد إثنياً والمتفاوت ثقافياً وهيكلياً ، قاموا بتهجين النظرية الإستعمارية منذ هربرت كتشنر كما وينجت باشا وصولاً إلى صيغة إستعمار جديد neocolonization تختلف إلى حد ما عن صيغته بدول غرب إفريقيا ، انهم قاموا بدلاً عن ذلك بتوطين الإقطاع الإسلامي Islamist Feudalism Indigenization لمصلحة القومية الشمالية (النيوكولونيالية) وتلقيحه ببنيات الإقطاع الأوربي في القرن التاسع عشر 1820.

مأزق القومية الشمالية في السودان الأنغلو مصري 1898 هو واحد من أكثر مشكلات العالم الثالث إستعصاءاً ، وهو أزمة ماثلة في جمهورية الستينيات أو جمهوريات مابعد الإستعمار التي ظهرت في الستينيات كدولة مأزومة من الداخل ونتاجاً للتدخل الإستعماري الغربي عسكرياً وسياسياً وثقافياً ، أزمة إستغلال القوميات الثقافية Cultural nationalisms داخل مجتمعات الإستعمار (المجتمعات الخاضعة للدولة الكولونيالية) لعلاقتها الكمبرادورية بالشرق أو الغرب ،  أو توظيف تفوقها الثقافي من خلال إرتباطاتها بتلك البنى الخارجية في قهر القوميات والإثنيات السياسية الأخرى الأقل تحديثاً أو تغريباً أو تطوراً إجتماعياً من خلال منظومة إستعمار داخلي Internal colonization.

بموجب تلك العملية التي هندسها البريطانيون أصبحت القوميات والإثنيات السياسية الأخرى المستبعدة من تكوين الدولة ، أو اريد لها في هذه الهندسة التراتبية - الهيراركية الإجتماعية و الإدراكية أن تكون مجرد طبقات هامشية في خدمة القومية الشمالية وفي فلكها كإثنيات ستلايت - تابعة [راجع النموذج الروسي من الإستعمار الداخلي في كتابات إلكسندر إتكند]. أو حتى كطوائف مهمشة وتابعة أو مساعدة Caste على غرار النموذج الهندي والموريتاني ، وهو ماكان عليه الحال في الستينيات قبل مايو 1969 وصعود الثورة الثقافية لجون قرنق أو (تحدي قرنق) Garangism التي أدت إلى إنفجار الهويات والإنقسامات الثقافية والإثنية لا بل ولادة (الجنوب الجديد) داخل الشمال الكبير سابقاً Greater North 1955 بدلاً من تكتله دينياً ضد الجنوب والجنوبيين.

منذ عام 1964 يدور صراع محموم بين جناحي القومية الشمالية اليساري واليميني بين محاولة إجتراح إصلاحات فوقية أو غير جراحية بنيوية بما فيه الكفاية للدولة العميقة deep state تعيد إنتاج هيمنتهم ولا تلغيها ، وبين مقاومة هذه الإصلاحات من الأساس وقطع الطريق أمامها التيار الذي تمثله الجبهة الإسلامية للقوميين الشماليين يمينية التوجه.

رغم أن حرب 15 إبريل تحولت من اول يوم إلى حرب شاملة لمصلحة مقاومة وحدة إثنيات العطاوة Pan-attawism وفي صالح الهامش المزدوج والمهمشين إجمالاً. إلا أنها كثورة زحف من الريف إلى المدينة الميتربولية تبدوا حرب إرهاب سياسي مضادة أو تغييراً من أعلى From Above و ثورة سلبية Passive revolution بدون ديناميات إجتماعية بدون توجيه ثقافي. تصحح اخطاءها و وتستدرك وعيها التاريخي ببطء.

من المهم قبل تشريح البنية الصراعلوجية للإنقسام الشمالي الداخلي الذي تحت ظلاله إندلعت حرب 15 إبريل Northern factionalism conflict-logy الإضاءة إلى التنظيم السيسوسياسي للقومية الشمالية في الأربعينيات والنزاع التشريحي بينهم حوله.

northernwindpasserby94@gmail.com

 

 

آراء