التحول الاستباقي بديلا للثورة وللضياع

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن أمام السودان ثلاثة خيارات فإما أن يكون عبر تحول ديمقراطي استباقي للثورة يتيحه النظام، أو أن يكون عبر ثورة مقتدرة تلملم أطراف الشعب المدنية والحاملة السلاح في هبة تسبح  تجاه البلاد الغريقة لتنتشلها وبحسب تعبير الأغنية (يا غرق يا جيت حازما)، أو أن لا يكون الوطن عبر التفريط الحالي والتردي المتفاقم. وسنتحدث اليوم عن تفاصيل الخيار الأول: التحول الاستباقي.
مطالب القوى السياسية والمدنية السودانية المجمع عليها تدور حول قضايا أساسية صيغت بأشكال متعددة ونشير هنا لوثيقتين نالتا زخما ما، ونبدأ بالأخيرة.
وثيقة النخبة
"وثيقة التضامن من أجل التغيير الديمقراطي" صدرت في مارس 2011م وسوقتها مجموعة من النخبة السودانية ووقع عليها  عدد لم نحصه من أوائلهم السيدة والسادة: محمد الحسن عبد الرحمن، مصطفى حسن محجوب، صديق الهندى، الخير خلف الله خالد، عبد الله امير عبد الله  خليل، قاسم بدرى، عالم عباس محمد نور، أحمد عبد الوهاب جبارة الله، بركات موسى الحواتى، عبد الله آدم خاطر، ناهد محمد الحسن، عدلان الحردلو، نبيل أديب، أمير عبد الله خليل، ميرغنى سليمان خليل، جمال محمد إبراهيم، عبد الغفار محمد احمد ، ونور الدين ساتى.  ويلاحظ أن بينهم أساتذة جامعات ونشطاء نقابيين ومجتمع مدنيين.
مطالب وثيقة التضامن للإصلاح تتمثل في إحدى عشرة نقطة مفادها:
1.            الإصلاح الدستوري (دستور دائم يقوم على المواطنة وفصل السلطات واحترام التنوع)
2.            الإصلاح السياسي (الديمقراطية التعددية والعدالة واللامركزية)
3.            الإصلاح الإداري (الوظيفة العامة تكليف لا غنيمة، الكفاءة، المؤسسية، المساءلة، إشراك الشباب، والتطوير).
4.            الإصلاح الاقتصادي (إبطال سحب الدعم وتخفيض النفقات على الخدمات والضرائب والجبايات، وتخفيض الإنفاق في هياكل الدولة والصرف الأمني، وتنمية الإنتاج).
5.             إصلاح النظام التعليمي وتحديثه (الكيف وليس الكم، تأهيل المعلم ومراجعة المناهج)
6.            إعادة هيكلة النظام الدفاعي والأمني (حماية الوطن والمواطنين وليس الحكومات أو الحاكمين أو الأحزاب).
7.            مراجعة الخطاب الثقافي والإعلامي (تحقيق شعار الوحدة بالتنوع، ورفع يد الدولة عن الإعلام).
8.            مراجعة وتحديث السياسة الخارجية (الارتكاز على وحدة البلاد وأمنها القومي وتنوعها، والالتزام بالمواثيق الإقليمية والدولية، واستعادة فعالية الدور السوداني عربيا وإفريقيا).
9.            نزاع دارفور:  اتفاق سلام شامل يضم كل الإطراف المتنازعة، والمجتمع المدني و الأهلي الدارفوري، ويقوم تضامن قوى التغيير بتكوين منبر سوداني لدعم سلام دارفور.
10.       قضايا ما بعد الانفصال المعلقة: الحدود، والنفط، والتجارة والزراعة والغابات، وأبيي، تعالج كلها بما يجنب الصدام.
11.       المشورة الشعبية لسكان النيل الازرق وجبال النوبة: إجراء معالجات سياسية داخلية وخارجية واتخاذ الإجراءات المناسبة قبل 9 يوليو.
أزمعت مجموعة التضامن بحسب وثيقتها التحرك عبر وسائل التعبئة والإعلام المختلفة وذلك لـ "لتوسيع دائرة الحوار" بهدف "بلورة مشروع وطنى يرسم المتراضون عليه بدائل وطنية لتحقيق الذات السودانية ديمقراطيا ولا مركزيا".
الأجندة الوطنية
صدرت هذه الوثيقة في أواخر العام 2010 قدمها حزب الأمة القومي بعنوان "معاهدة الخلاص الوطني" واشتهرت باسم "الأجندة الوطنية". وعرضت على قوى الإجماع الوطني فأبدوا تأييدهم لها. وقدمت للمؤتمر الوطني وكانت مادة حوار أدارته لجنة مشتركة بين الحزبين اختتمت اجتماعاته على أن ترفع نتيجة الحوار لاجتماع يضم رئيسي الحزبين، ثم ترفع النتيجة لمؤسستي الحزبين التشريعية.
أعلن حزب الأمة أن هذه الأجندة نابعة من مواثيق سابقة تواطأت عليها القوى السياسية السودانية في مختلف المجالات، فهناك عدد من المواثيق في قضايا متخصصة مثل الحريات، ودارفور، والاقتصاد وغيرها. وقال إن هذه الأجندة وإن جاءت بيديه فهي ليست من بنات أفكار الحزب  الخاصة، ولا هي حلمٌ أتاه بليل، بل نتيجة نقاشات شملت الكافة، وهي موضوعة في سبعة عناوين رئيسية ملخصها:
أولا:  دستور جديد أسسه: دولة مدنية قائمة على المواطنة- رئاسة تمثل أقاليم السودان- مجلس تشريعي منتخب ديمقراطيا- العودة للمديريات الستة- التشريعات ذات المحتوى الديني تطبق على أتباع الدين المعني- يجوز للمسلمين معارضة التشريعات المتعارضة مع قطعيات الشريعة ديمقراطيا- منع الإساءة للمقدسات الدينية والإثنيات- ولا يجوز إصدار أية تشريعات تنقص من الحريات الدينية، وحقوق الإنسان.
ثانيا: العلاقة مع الجنوب تقوم على مبادئ: الاعتراف المتبادل بالسيادة الوطنية للدولتين- معاهدة توأمة للمصالح المشتركة- مفوضية حكماء للمسائل المختلف عليها في بحر عامين- الالتزام بالفيدرالية ومواثيق حقوق الإنسان الدولية للدولتين- توأمة اقتصادية- حدود مرنة وآليات إدارية لحفظ الأمن- الالتزام بحقوق أبيي، وجنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق- الالتزام بحقوق الجنوبيين في الشمال والشماليين في الجنوب- الالتزام بحسن الجوار وعدم التدخل في شئون البعض والتنسيق الأمني والدفاع المشترك- مؤتمر الأمن الإقليمي- والاتفاق على قضايا ما بعد الانفصال.
ثالثا: تحقيق مطالب دارفور المشروعة في عشر نقاط: وحدة الإقليم وحدوده ومشاركته في الرئاسة تعاد للحال الكائن قبل 1989م- عدم الإفلات من العقوبة ضمن معادلة للتوفيق بين العدالة والاستقرار- تكوين هيئة قومية للحقيقة والمصالحة ورفع المظالم- التعويضات الفردية والجماعية- إدارة انتقالية قومية- حقوق الإقليم في السلطة والثروة بنسبة السكان- عقد ملتقى دارفوري جامع- الالتزام بحسن الجوار- ملتقى قومي جامع لينال الاتفاق شرعية- والنص عليه في الدستور.
رابعا: الحريات العامة حقوق مقدسة تفصل بنودها ويؤكد الالتزام بها، وتكوين مفوضية مستقلة متفق عليها قوميا لمراقبة ذلك الالتزام بدعم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.
خامسا: الالتزام بإصلاح اقتصادي يحقق التنمية وضبط الترهل الإداري وضبط الصرف العسكري والأمني وتحقيق مبادئ الألفية الجديدة، وإقامة الرعاية الاجتماعية في التعليم، والصحة، وتوجيه عائدات النفط للبنية التحتية، والخدمات الاجتماعية، والاستثمار الزراعي، والصناعي، والتعديني.
سادسا: الالتزام بسياسة خارجية تحترم الشرعية الدولية، والواجبات السودانية في المجالات الإقليمية، وتتعامل بواقعية مع مؤسسات العدالة الدولية.
سابعا: إقامة حكومة قومية انتقالية لتطبيق هذه الأجندة في فترة انتقالية لا تتجاوز عامين.
هذا وقد علمنا من موقعنا في مكتب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة بأنه قد زاره في الأسبوع الماضي وفد من الحزب الشيوعي فيه السيد صديق يوسف والدكتور الشفيع خضر أعلن تأييده لهذه الأجندة وتمثيلها للشعب السوداني مع ضرورة معالجة المواقف المبتعدة لئلا تضيع الحزازات الحزبية أو سوء الفهم المصلحة الوطنية. ووفد للحركة الشعبية يرأسه السيد ياسر عرمان عبر عن تأييد مماثل مع  ضرورة إخراج الأجندة الوطنية بشكل يشارك فيه الجميع فلا يظل حزبيا أو ثنائيا. المطالبة بتحسين إخراج الأجندة الوطنية والترويج لها أكثر من مشروعة، إن الوطن ملك الجميع وشأنه عام، وتجاوب حزب الأمة القومي مع هذه الأصوات لإخراج السيمفونية الوطنية هو جزء لا يتجزأ من الأجندة نفسها فالآلية القومية المطلوبة لا يمكن أن تدار ثنائيا أو ثلاثيا بحسب أشواق البعض داخل النظام الذين لو قبلوا بالأمة أو الاتحادي فهم لا يقبلون بالبقية. وننتظر أن تشهد الأيام المقبلة قفلا لصفحة التهديف في المرمى الحليف التي سادت مؤخرا.
كيف الاستباق؟
قال الدكتور حسن حاج علي عميد كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم وخبير العلوم السياسية وعضو قطاع العلاقات الخارجية بالمؤتمر الوطني في "منتدى الأمة" يوم الثلاثاء 12 أبريل الجاري إن الانتفاضات الإقليمية تلقي علينا بدرسين: الأول ضرورة الانفتاح السياسي والثاني حتمية الارتباط بين قضايا الداخل والخارج. وأكد أن السودان بعد يوليو 2011م سوف يواجه مخاطر ماحقة تتهدده إذا لم يحدث الانفتاح السياسي، وقصد بالانفتاح الوصول لتوافق مع قوى البلاد السياسية الرئيسية. وقال إن أهل الإنقاذ عليهم "إما أن يتكيفوا مع المتغيرات أو تتجاوزهم الأحداث بمزيد من التشرذم والعنف ولا أظن هناك إنسان عاقل يقبل بهذا للبلاد".
وحدد حزب الأمة معالم ذلك الانفتاح أو التحرك الاستباقي المطلوب في الأجندة الوطنية المشتملة على الآلية القومية المطلوبة لتنفيذها.
ومع أن هذه الملفات واضحة لا لبس فيها ولكن النظام وبعض أبواقه الإعلامية يحاولون التشويش على مائدة الحوار بأن القصد هو الوصول لمناصب وأن يحل حزب الأمة و/أو الاتحادي الديمقراطي محل نواب ووزراء الحركة الشعبية فيما يسمى بحكومة القاعدة العريضة.
قلنا مرارا، لو افترضنا جدلا أن المؤتمر الوطني أقنع الفرق المفاوضة له بصفقة الحكومة العريضة، وباع تلك الصفقة في المكتب السياسي للحزب، وهذا افتراض من باب أن يلج الجمل من سم الخياط أي يدخل الجمل من قد الإبرة، فإن هذا لن يحل المؤتمر الوطني بشيء، ستظل القاعدة العريضة لحزب الأمة ولغيره من الأحزاب معارضة وناشدة للتغيير. ولذلك ينبغي الانصراف عن هذه المناوشات الجانبية والتركيز فيما يمكن أن يقدمه المؤتمر الوطني بالواضح الذي ليس فاضحا: هل يستطيع تقديم تنازلات مصيرية كهذه أم لا؟
قال الدكتور عبد الوهاب الأفندي في مقاله بعنوان "أين هي الثورة السودانية" إن الانتفاضات في العالم واحدة من اثنين: وجود قطب معارضة معروف "زعيم منتخب أو حزب معارض جامع يوحد غالبية قطاعات الشعب في وجه نظام معزول شعبياً"، أو قيام منظمات المجتمع المدني خاصة الجمعيات المهنية والنقابات والاتحادات الطلابية بدور رأس الرمح حيث تقوم "بدور التوحيد والتعبير عن الشارع".
السودانيون يزحفون عبر الثغرتين.. وربما توحد الجيشان في لحظة ما مثلما حدث عشية أكتوبر حينما انضمت جبهة الهيئات للجبهة القومية المتحدة وصار التفاوض ينطلق يومها من بيت الأمة (قبة ومجمع بيت الإمام المهدي عليه السلام).
ونقول: هذه هي مفردات التحول الاستباقي المطلوب من المؤتمر الوطني. أما هل ستقوم الثورة إذا لم يفعل؟ قال المهدي في القضارف: إما مشاركة تنقل السودان من دولة الحزب لدولة الوطن أو مقالعة تستخلص حقوق الوطن. وقال الأفندي (الانتفاضة السودانية قادمة لا محالة إذا لم يقدم النظام على إصلاحات حقيقية) وقال إن مفتاح الانتفاضات هو بيد الحكومات. ونقول: ربما لن يستجيب النظام، ولن تقوم الثورة في الوقت الممكن، ولكن سوء العاقبة سيكون ألا نكون لأنه ليس لدينا وقت طويل ننتظر فيه عقل النظام أو نضج الثورة.
نواصل بإذن الله حول إحداثيات الثورة السودانية، ومفردات الضياع إذا لم يحدث الاستباق الديمقراطي ولا الثورة الشعبية في زمان مناسب وبطريقة مناسبة.
وليبق ما بيننا
Rabah Al Sadig [ralsadig@hotmail.com]

 

آراء