التحول الديمقراطى ..هل ثمة صفقات فى الخفاء ؟! … بقلم: علاء الدين بشير
علاء الدين بشير
1 April, 2009
1 April, 2009
رغم سخائم الغضب و حالة الاحباط التى ألمت بالوسط الصحفى على مسودة قانون الصحافة الجديد ، الا ان الوقائع و التجارب تشير الى ان القانون سيمر من البرلمان بعد تعديلات طفيفة عليه . فأغلب القوانين المجازة من قبل البرلمان -حتى الآن- مرت رغم ان بعض النصوص الجوهرية فيها تخالف الدستور واتفاقية السلام و الروح العامة لهما ، من لدن قانون العمل الطوعى مرورا بقانونى الشرطة و القوات المسلحة و اخيرا قانونى الاحزاب و الانتخابات اللذين اجيزا باتفاق الشريكين دون (جبر خواطر سياسى) للقوى السياسية و الاجتماعية الأخرى . فغير تصريح خجول من قبل نائب الامين العام للحركة الشعبية ، ياسر عرمان (للصحافة) امس بعد اتصالها به ، لم يصدر عن الحركة اى رد فعل يوازى الموقف ، و يبدو انه وكما طبخت مشاريع القوانين المجازة بليل و تمت اجازتها بتفاهمات -على طريقة شيّلنى و اشيّلك- المصرية ، طبخت مسودة قانون الصحافة بليل و سيتم تمريرها ايضا ، و ذكر لى عضو فى المؤتمر الوطنى ان القانون وضع بتفاهم بين مجموعة داخل الحركة الشعبية و اخرى داخل المؤتمر الوطنى . ويبدو ان بعض الجهات و مجموعات المصالح فى الطرفين استثمرت مناخ قرار المحكمة الجنائية وقررت تمرير اجندتها الشمولية ضاربة بالدستور واتفاقية السلام عرض الحائط ، وليس ادل من ذلك ان تلك المجموعات وخاصة فى المؤتمر الوطنى رفضت مسودة مشروع قانون الصحافة الذى اعدته مؤسسة اتجاهات المستقبل التى يرأس مجلس ادارتها عضو المكتب القيادى للمؤتمر الوطنى و رئيس كتلة نوابه بالبرلمان ، الدكتور غازى صلاح الدين ، بتمويل من برنامج الامم المتحدة الانمائى حيث وجدت المسودة استحسانا مقدرا و خضعت لنقاش على مستويات متعددة داخليا و خارجيا اضاف عليها جرحا و تعديلا .و تبدى الحركة الشعبية فى مستوياتها العليا اهتماما لافتا بقانون الاستفتاء على تقرير المصير دون سواه من القوانين الاخرى ، و ألمحت الى امكانية قبولها بانتخابات رئاسية مبكرة ، و تشير الوقائع الى انها ستمرر قانون الامن الوطنى المرتقب دون تعديلات جوهرية تجعله منسجما مع الدستور و الاتفاقية ، رغم الجدل الدائر الآن حول خلافات فى بعض تفاصيله داخل اللجنة المشتركة بين الطرفين ، وهو جدل احتدم كثيرا فى مسودات القوانين السابقة و لكنها رغما عن ذلك اجيزت دون سوء تفاهم . و لم تبرز الحركة انيابها للمؤتمر الوطنى الا فى نتائج التعداد السكانى حيث كانت عطلت انطلاقته لشكوكها فى عمليات الاعداد التى سبقته ، ثم عادت و اعلنت عن طريق رئيسها و رئيس حكومة الجنوب ، سلفاكير ميارديت انهم لن يقبلوا بنتيجة تعداد تعطى الجنوب اقل من 15 مليون نسمة . و غير التعداد فإن نبرتها تعلو ايضا فيما يتعلق بترسيم الحدود و حصة الجنوب من عائدات النفط ، و قد ذكر المبعوث الرئاسى الامريكى الاسبق ، اندرو ناتسيوس فى مقاله الشهير (ما وراء دارفور) الذى نشره بمجلة (شؤون خارجية) عدد مايو 2008 ، ان قيادات فى الحركة و حكومة الجنوب ابلغوه ان اى تأثير فى انسياب عائدات النفط الحيوية بالنسبة للجنوب سيعتبر لديهم بمثابة اعلان حرب من الخرطوم . وتبدو اهتمامات الحركة الشعبية بتلك الملفات على اهميتها القصوى بالنسبة لقاعدتها الاساسية فى الجنوب التى دفعت الثمن الابهظ من معاناة الحرب الاهلية فى السودان ، قائمة على مقاربة كانت قد اشارت اليها مجموعة الازمات الدولية فى تقرير نشرته فى مارس 2008 بعنوان (ما بعد الأزمة) و تتحدث عن تيارين يتجاذبان توجيه دفة قيادة الحركة ، الاول وهو تيار السودان الجديد الذى ينحو الى السير على هدى رؤيتها الاساسية التى تدعو الى اعادة هيكلة الدولة السودانية من جديد لصالح المجموعات الاكثر استضعافا فى البلاد ، و الثانى هو تيار الجنوب اولا ، الذى يرى انه حتى وان صوّت الجنوبيون لصالح الوحدة فإن الشمال ليس من اختصاصهم . ومع ان حداة ركب التيار الثانى كانوا قد منيوا بهزيمة واضحة فى المؤتمر العام للحركة فى مايو 2008 و مابعده الا انهم عادوا للتأثير مجددا عبر الجدل الذى كان احتدم عن عزم الحركة الشعبية ترشيح رئيسها سلفاكير فى انتخابات الرئاسة ثم العدول عن ذلك مرة اخرى . و يبدو ان موافقة الحركة الابتدائية على قيام انتخابات رئاسية مبكرة هى من تحت رأس ذلك التيار الزاهد اصلا فى منصب الرئيس ، وربما اذا سارت الحركة على هذا المنوال ستجد نفسها ايضا توافق على مقترح يتم تسويقه من بعض الجهات فى المؤتمر الوطنى بـتأجيل الانتخابات الى ما بعد الاستفتاء على تقرير المصير ، خاصة بعد التداعيات التى قد تفضى اليها الأزمة بين الخرطوم و المجتمع الدولى .و اغلب التوقعات ان تتوافق الحركة مع المؤتمر الوطنى فى اجازة قانون الامن الوطنى بما يحافظ على الشكل القائم للجهاز الآن ، رغم ان الاتفاقية و الدستور كانتا قد اشارتا الى انه ينبغى ان يكون جهازا مهنيا يتركز عمله فى جمع المعلومات و تحليلها و تقديم النصح الى مؤسسات الدولة . لكن الجدل القائم بين الشريكين الآن حول القانون منصب حول مدة الاعتقال و نائب واحد للمدير ام نائبين وهو جدل لا يدخل فى صلب طبيعة و تكوين و صلاحيات الجهاز كما حددتها الاتفاقية و الدستور و الروح العامة التى رمت الى اشاعتها فى البلاد ، و مع ان مدير الجهاز ، الفريق صلاح عبد الله كان قد جادل فى حديثه لرؤساء تحرير الصحف بمنزل الصحفى عمر الكاهن فى يناير الماضى ، انه و وفقا للقانون الجديد فإن 80 % من عمل الجهاز سيتركز فى المعلومات و تحليلها ، الا ان ابقاء الجهاز على عشرة الاف من (القوات الخاصة) كما استعرضهم مدير المخابرات نفسه قبل نحو عامين تشكك فى ان صلاحيات الجهاز ستقتصر على التركيز على جمع المعلومات و تحليلها بصورة اكبر . و ما يعزز فرضية ان هناك صفقة ما فيما يتعلق بقانون الامن الوطنى و وضعية جهاز الامن ان المفاوضات المتعلقة به ابان مفاوضات نيفاشا الخاصة بقسمة السلطة و التى كنت متابعا لها من هناك ، كانت قد انتقلت الى لندن و بصورة منفصلة ، ما يشير الى ان الغرض كان تمرير تفاهمات بين الطرفين فى الخفاء ، وقد عاد و اكد لنا تلك المعلومة القيادى بالحركة و مدير مخابراتها الخارجية السابق ، ادوارد لينو ، فى حوار اجريناه معه بجوبا فى نوفمبر 2005 . و ثمة دلائل تشير الى ان الحركة الشعبية او بعضاً منها يتجه الى صفقة شراكة جديدة مع المؤتمر الوطنى او بعض منه ، وهو الازمة الاقتصادية التى تمسك بخناق حكومة الجنوب الذى يعتمد بنسبة 95 % على عائدات النفط المتحكم فيها من قبل الشمال و الذى انخفضت اسعاره عالميا بصورة كبيرة احدثت عجزا مبكرا فى الميزانية العامة للدولة وفى فصلها الاول الخاص بالمرتبات كما اعترف مسؤولون فى وزارة المالية الاتحادية بذلك ، حيث يفتقر الاقليم الى موارد اخرى حتى الآن ، وقد بدأت آثار الازمة تتمظهر فى الاضطرابات الامنية التى شهدتها ولاية شرق الاستوائية من قبل الجيش الشعبى احتجاجا على عدم صرف المرتبات و ما يمكن ان يترتب عليها حال تفاقم الازمة من انهيار كبير للوضع الامنى فى الاقليم الذى يتعافى من آثار الحرب الاهلية الطويلة ، و يبدو ان ابتعاث سلفاكير ، للقيادى بالحركة و المستشار برئاسة الجمهورية ، الدكتور منصور خالد و وزير الصناعة و التعدين بحكومة الجنوب ، جون لوك الى دولة الامارات الاسبوع الماضى يأتى فى اطار البحث عن قروض حتى تجابه حكومة الجنوب الازمة التى تمسك بخناقها ، و لذا فإن صفقة -شيلنى و اشيلك- مع المؤتمر الوطنى ربما كانت مخرجا مواتيا للحركة وهو تصارع من اجل حق الحياة لمواطنيها فى الجنوب، بينما يطالبها الآخرون فى الشمال بالصراع معهم من أجل حق الحرية .. فأيهما له الأولوية فى جدول أعمالها ، ام انها تعى جيدا ان الاثنين لا فصام بينهما و خاصة فى بلاد مثل السودان ؟! .حجبت اجزاء من الموضوع بواسطة الرقابة الامنية من صحيفة (الصحافة) عدد الثلاثاء 31 مارس 2009