التراكم الرأسمالي الاولي ونظام المؤتمر الوطني 1989 – 2019 (2)

 


 

 

رؤية ماركسية أولية — (2 من 8 )
tarig.b.elamin@gmail.com
(2) في مفهوم التراكم عبر نزع الملكية او عبر السلب
في كتابه المعنون بـ الامبريالية الجديدة(David Harvey - New Imperialism 2005) يتبنى ديفيد هارفي منهج مادي تاريخي جغرافي لدارسة الشرط الحالي للراسمالية المعولمة و الدور الممكن الذي تلعبه الامبريالية الجديدة في ظل النسخة الحالية من الراسمالية النيوليبرالية من 1970-2000. يفهم هارفي الإمبريالية الرأسمالية بكونها أو تكوننها كعلاقة جدلية بين منطقين متمازين- هما منطق السلطة الجيوسياسي و الاخر منطق سلطة رأس المال- في تتداجل وتتشابك بحيث لا يحل إحدى المنطقين محل الآخر أو يلغيه. حيث يحدد المنطق الجيوسياسي مدى و كثافة التوسع في الاستحواذ على الأراضي الاقليمية الاخرى(دول اخرى) و هنا يتصور النظام الراسمالي الحاكم الثروة / رأس المال كوسيلة أو منتج ثانوي للسعي وراء تلك الأراضي خارج اقليمه الجيوسياسي. في المقابل ، يحدد الحكام الرأسماليون السلطة بمدى سيطرتهم على الموارد الاقتصادية النادرة والنظر في عمليات الاستحواذ على أراضي الآخر كوسيلة ومنتج ثانوي لتراكم رأس المال.
ابتداءا من 1970 ، إلى حد كبير تحت وصاية الولايات المتحدة. تم التخلي عن الذهب كأساس مادي لقيم المال وبعد ذلك كان على العالم أن يعيش مع نظام نقدي غير مادي. تدفقات رأس المال النقدي ، التي تتحرك بالفعل بحرية في جميع أنحاء العالم عبر سوق اليورو-دولار. ولكن لكي يعمل هذا النظام بشكل فعال ، كان لا بد من إجبار الأسواق بشكل عام وأسواق رأس المال بشكل خاص على الانفتاح على التجارة الدولية (وهي عملية بطيئة تتطلب ضغطًا أمريكيًا شرسًا مدعومًا باستخدام روافع دولية مثل صندوق النقد الدولي والتزامًا شرسًا بنفس القدر تجاه التجارة الدولية. - الليبرالية باعتبارها الايديولوجية الاقتصادية الجديدة). كما استلزم تحويل ميزان القوى والمصالح داخل البرجوازية من أنشطة الإنتاج إلى مؤسسات رأس المال المالي و التي كان بإمكانها استخدام هيمنتها في تحجيم قوة حركات الطبقة العاملة متى ما سنحت الفرصة لشن هجوم مباشر على قوة العمل وتقليص دور مؤسساته في العملية السياسية.و هذا هو المناخ السياسي الايدولوجي الذي مهد ويمهد وفقا لقراءة هارفي لتمظهر التراكم الرأسمالي عبر السلب أو نزع الملكية( capital accumulation by dispossession) ليفرض سيطرته علي المستوي الاقتصادي السياسي العالمي.
من اشكال هذا التراكم الراسمالي وفقا لهارفي (انظر الفصل الرابع من كتابه المذكور أعلاه)- على سبيل المثال لا الحصر- تم فتح آليات جديدة كليًا للتراكم عن طريق التجريد من الملكية: يشير التركيز على حقوق الملكية الفكرية في مفاوضات منظمة التجارة العالمية (ما يسمى باتفاق تريبس) إلى الطرق التي يمكن من خلالها استخدام براءات الاختراع وترخيص المواد الوراثية وبلازما البذور وجميع أنواع المنتجات الأخرى ضد مجموعات سكانية بأكملها كانت ممارساتها لعبت دورًا حاسمًا في تطوير تلك المواد... تتفشى القرصنة البيولوجية ونهب مخزون العالم من الموارد الجينية على قدم وساق لصالح عدد قليل من شركات الأدوية الكبيرة... تسليع الطبيعة بجميع أشكالها بالجملة... تسليع الأشكال الثقافية ، والتاريخ ، والإبداع الفكر استدعى مصادرة الممتلكات بالجملة (تشتهر صناعة الموسيقى بامتلاك واستغلال الثقافة الشعبية والإبداع)... الخصخصة (خصخصة الأصول العامة). كما في الماضي ، كثيرًا ما تُستخدم سلطة الدولة لفرض مثل هذه العمليات حتى ضد الإرادة الشعبية.
إذن، كيف – و هو السؤال الذي حاول فيه هارفي البحث عن إجابة له- يساعد التراكم عن طريق نزع الملكية في حل مشكلة التراكم المفرط، بما هو حالة تكون فيها فوائض رأس المال (قد تصحبها فوائض في اليد العاملة) معطلة مع عدم وجود منافذ مربحة في الأفق. ما يفعله التراكم عن طريق نزع الملكية هو الإفراج عن مجموعة من الأصول (بما في ذلك اليد العاملة) بتكلفة منخفضة للغاية (وفي بعض الحالات صفر). يمكن لرأس المال المتراكم بشكل مفرط الاستيلاء على هذه الأصول وتحويلها على الفور إلى استخدام مربح. في حالة التراكم البدائي كما وصفه ماركس، استلزم ذلك الاستيلاء على الأرض، وإحاطتها، وطرد السكان المقيمين لإنشاء بروليتاريا لا تملك أرضًا، ثم إطلاق الأرض في التيار الرئيسي المخصخص لتراكم رأس المال. فتحت خصخصة (الإسكان الاجتماعي والاتصالات السلكية واللاسلكية والنقل والمياه وما إلى ذلك في بريطانيا، على سبيل المثال)، في السنوات الأخيرة، حقولاً واسعة لرأس المال المتراكم للاستيلاء عليها.
التنظير الفكري ل ديفيد هارفي - تحديدا في كتابه (الإمبريالية الجديدة 2005)- ربما يمكن تموضعه داخل النقاش النظري الماركسي المعاصر حول الشرط التاريخي المادي للامبريالية كسيرورة في النظام الاقتصادي السياسي الدولي.احدي هذه التموضعات النظرية ترى هي في منتهى التحليل ان النظام الراسمالي المعاصر بات أقرب لكونه اكثر تكاملا و دون تعارضات او تناقضات تستدعي التنافس الحاد بين المراكز الامبريالية سواء كانت الامريكية او الاوروبية او التي تلك في شرق اسيا (اليابان) و ان التكامل او قل الاندماج قد وصل لدرجة يمكن القول فيها بتشكيل طبقة رأسمالية معولمة عابرة للقومية.و التموضع النظري الآخر يميل إلى القول، على الرغم من عدم تناسب القوة بين الولايات المتحدة وحتى أقوى الدول الرأسمالية الأخرى ،تظل المنافسات بين القوى الامبريالية سمة مهمة للعالم المعاصر. يحدد هارفي أربع سمات رئيسية لـ «التراكم عن طريق نزع الملكية»: الخصخصة، والتسليع، والتمويل، والتلاعب الإداري بالأصول، كل منها يتغذى على الآخر، بدعم من الآخر ويكتسب قوة من الآخر. يمكن فهم عودة الظهور النيوليبرالي منذ منتصف السبعينيات على أنها استجابة رأس المال المضادة للأزمة التي جذبت "الليبرالية المتأصلة" دوليًا في أواخر الستينيات، مع بروز العلامات المؤشرة لتكونن أزمة كبرى تواجه تراكم رأس المال في جغرافيات مختلفة حول العالم.
(3) في نقد مفهوم هارفي
إن القراءة النقدية للمنتوج الفكري و النظري لهارفي بشأن التراكم الراسمالي عبر السلب او نزع الملكية تأخذ في الاعتبار الاشكاليات الفكرية والسياسية لهذا المفهوم.أن مفهوم التراكم عبر السلب او نزع الملكية يبدو عند صديقنا مفهوم فوضوي (Raju Das Winter 2017) بالمعنى الذي تتصوره فلسفة الواقعية النقدية.هو مفهوم (بكونه تصور فكري ما بما يحدث في الواقع المحدد) و مصطلح(يستخدم لوصف المفهوم).فهو مفهوم معطوب بكونه يجمع سيرورات متعددة – من هذه السيرورات الاقتصادية و الغير الاقتصادية والرأسمالية و الغير رأسمالية -في سلة واحدة على الرغم من عدم وجود علاقة ضرورية محددة تستدعي جمع هذه السيرورات المتعدة في تلك السلة و في ذات الوقت المفهوم يستدعي فصل سيرورات ليس هناك معنى ما يستدعي فصلها بكون ان تلك السيرورات ذات منطق داخلي يستدعي ضرورة عدم فض الاشتباك.
عند هارفي ان مفهوم التراكم الراسمالي عبر السلب هو النسخة الحديثة لمفهوم التراكم الراسمالي الاولي الذي تحدث عنه ماركس في 1848 و فيما بعد و هذا يعني بالضرورة ان مفهوم التراكم الراسمالي عبر السلب في طبيعته قائم من اجل تحقيقه في السياق الاجتماعي التاريخي علي الوسائل الغير اقتصادية و هذا ما لا ينطبق على مفهوم هارفي و الذي يشمل علي عمليات هي في جوهرها عمليات اقتصادية.و يشير صاحبنا الي مثل العامل الذي يفصل من عمله نتيجة لافلاس الشركة التي يعمل فيها هذا العامل أو مالك المنزل الذي نتيجة لظرف اقتصادي من مثل تدهور دخله السنوي لم يستطع دفع أقساط منزله للبنك مما أدى لنزع المنزل منه و هنا هذا النزع ليس قد تم في سيرورة اقتصادية لا في سيرورة غير اقتصادية كتلك التي أشار لها ماركس و التي كانت تتم في أشكال وحشية و فيها بما فيها من اراقة الدماء.
اخفق هارفي في التمييز بين تراكم الثروة في اطار التراكم الراسمالي الاولي و بين تراكم الثروة الذي قد يتم في مجتمعات اجتماعية طبقية متقاطعة من مثل سرقة الثروة.و هذا الإخفاق يمتد في عدم التمييز بين التراكم الراسمالي الاولي و مسسبباته التاريخية في اطار تشكل الراسمالية و صعودها التاريخي كنظام اجتماعي متجاوز ما قبله و بين التراكم الراسمالي عبر السلب و الذي يتم في إطار محاولة الراسمالية تجاوز أزمتها البنيوية. إذا لم يكن التناقض الاساسي في الراسمالية هو الذي يكن بين العمل ورأس الرأسمال يبقى النضال السياسي هو البحث عن نظام رأسمالي غير قائم على التراكم عبر السلب وهذا في جوهره ممارسة لسياسة الاصلاح لا التغيير الجذري لتجاوز الراسمالية ككل.
مفهوم هارفي تتمظهر فيه بعض الاشكاليات ، أولاً ، في مدى و حدود المفهوم ،ثانياً ، في الرؤية التي ينطلق منها هارفي في فهمه لمدي الأهمية الاقتصادية للظاهرة محل دراسته ، وأخيراً ، امتداده – اي امتداد المفهوم - الفعلي داخل الاقتصاد العالمي المعاصر. لنأخذ المشكلة الأولى ، كما رأينا ، عند هارفي التراكم عن طريق السلب يلعب دورا معظما في الرأسمالية المعاصرة كطريقة لتخفيف أو إنهاء أزمة التراكم المفرط عن طريق خفض القيمة لراس المال. كما يقول بشكل صحيح: "يمكن تحقيق نفس الهدف ، ومع ذلك ، من خلال تخفيض قيمة الأصول الرأسمالية الحالية و كذلك قيمة الأجور. هذا هي بالضبط الآلية التي حددها ماركس في العمل في الأزمات الاقتصادية ، عندما يمكن شراء الأصول الرأسمالية بسعر رخيص و مع وجود معدلات بطالة أعلى يقبل العمال أجورًا أقل ، وبالتالي يمكن أن يعود معدل الربح إلى مستوى يسمح بمزيد من التراكم. لكن يبدو أن هارفي ربط هذا الشكل المختلف من تخفيض قيمة العملة بالتراكم عن طريق نزع الملكية ثانيًا ، ليست مجرد حدود التراكم عبر السلب لم يتم رسمها بشكل واضح ، ولكن وظائفها تحتاج إلى تحليل أكثر دقة من تنظيرة هارفي. كما رأينا ، فهو يقدمها كحل واحد لمشكلة التراكم المفرط
يسمي هارفي الخصخصة -خصخصة مؤسسات وشركات القطاع العام للقطاع الخاص - بكونها الطراز الأحدث للتراكم الرأسمالي عبر السلب حيث يمكن للراسمالية محاولة ايجاد حل لازمتها المتعلقة بالتراكم الرأسمالي المفرط و بعد بيع تلك المؤسسات العامة و تداولها في السوق ، يمكن أن يستثمر فيها ، و يتم تطويرها ، ويضارب فيها. في الواقع ،تأخذ الخصخصة أشكالاً مختلفة تؤدي بدورها إلى مجموعة متنوعة
من الوظائف. اقترح المؤلفان أنه يمكن فهمها بشكل مفيد من حيث التسليع ،إعادة التسليع وإعادة الهيكلة.

 

 

آراء