التسامي فوق الجراح أو السلام المشروط

 


 

 

منطق تضخيم الجراحات والصغائر يفترض في الناس أنهم لا يخطئون ولا يجب أن يخطئوا أبدا ، وهذا بالتأكيد ضد طبيعة البشر ، فالاحساس دوما اننا لا نقع في الخطأ ونحن قمة الكمال على طول الخط مقلق للسكينة ومهدد للطمأنينة ، ويجعلنا نركز العين والتفكير على أخطاء الآخرين ونكبر صور هذه الجراح و الأخطاء باستمرار ونجعل ممارستنا في الخفاء و الظل ، هذا التركيز يصنع علاقات متوترة يظللها سحب من الشك وسوء الظن والاتهام عند كل تصرف لا يروق لنا نحاول دوما نقول هذا هو الباطل ولا يمثلنا ونعمل دوما علي أن لا نحاسب أنفسنا ونظن أن الكمال في كل ما نفعل ونتخذ من قرارات وكلها جهود فردية لم نتعلم بعد بناء قرار جماعي يقود لممارسات واعية تخدم الشأن العام وتنهض الأمة ونمشي معا الى الامام ونحفظ حقنا ونحقق السلم الاجتماعي
نحن أمام مأزق هو كيفية العودة إلى المسار الديمقراطي من هم نثق فيهم لإنجاز هذه المهمة , فمؤسسات الدولة تحت إدارة قادة الانقلاب وهي صماّء وعاجزة عن لعب أي دور، والمجتمع المدني والمعارض في عزلة عن الشعب بعد الصمت فيما يجري من أقتتال، ولم يقدر أحد على قلب ميزان القوى لصالحه على الرغم من طبيعة الأزمة المعقدة التي تعيشها البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياًوبعد الفتنة المسلحة , وفي نظر مناصري الديمقراطية واليساريين تحديداً، يعود تعطل الديمقراطية الى الهيمنة الفوقية التي تمارسها القوات المسلحة وفصائل الفلول ، سواء كانت قمعية أو أيديولوجية. وهم بهذا ورثة فكر سياسي نقدي يرى أن التقنيات التي تستخدمها قوى الظلام التي تدير الدولة الان هي ليست تقنيات مبتكَرة بالأساس لتغييب الرأي العام بالخوف أو بالاحتواء، مما يجعل من المستحيل تقريباً التغيير الجذري لموازين القوى سلمياً وعبر الوفاق وصندوق الاقتراع فالدولة في ظل هذه الهيمنة تعيد إنتاج سلطتها على المجتمع ولو تغيرت المظاهر العمل السياسي والعودة لنموذج حكم الفرد
وهنا يمكن التساؤل الكبير هو الذي لا يقبل إجابة آلية هو كيف أصبح مشروع حكم غير ديمقراطي من جهة القيم والمبادئ والممارسات مشروعاً مقبولا شعبياً في بلد لا يزال يعيش مخاضاً ثورياً وحراك قوي ؟ وهل يمكن وهل تستطيع الأقلية الديمقراطية، واليسارية فعل الاصوب سياسيا، أن تعيد بناء إستراتيجية فعلها - على الأقل في الوقت الحاضر على قبولها بوضعها الأقلي بل على اعتباره شرط البقاء الممكن الفعل والتغيير الديمقراطي الراديكالي؟
قد يقول قائل علينا في البداية وقف الحرب أنه أحد الآراء المطروحة بقوة وأتخذ شكل الحملات الشعبية ولكن من يحقق هذا المبتغى المنطقي في هذه الظروف ان من خزي الكيانات الحزبية والسياسية ليس لديها طرح بل لا يحترم الرأي ما يقدمون من حلول وجميعنا يرى أنهم أهل مصالح وولاءات لا تخدم السواد الأعظم من الناس وأي فشل وقعوا فيه وهم في ظروف من المفترض أم يكونوا الفاعلين على الساحة ويطرحون كل ما يخدم الشعب لا ما يحقق مأربهم الضيقة لذلك نجد الشباب في لجان المقاومة تجاوزا هؤلاء الساسة واللان يعملون في ضرورات الأمة وتضميد الجراح وأغاثة المحتاج بفهم أنهم هم الفصيل الاجدر بتحقيق الاختراق في أزمة الحرب وتحقيق السلام وهم علي يقين بأن دورهم أنساني في هذا المضمار وطرحهم السياسي هو الحياد في هذه الحرب والغريب بنفس روح الحراك لم يقصوا فصيل أو أثنية أو كادر من حزب حتي لو مشارك في هذا القتال بل سعوا للوحدة الاجتماعية والعمل الطوعي من أجل تقليل الخسائر البشرية ودعم التماسك الوطني لبقاء لحمة الامة ضد ما سوف يكون بعد الاقتيال من تداخل في الشأن السوداني , أبارك لهم هذه المساعي التي تنم عن فهم عميق لطبيعة الصراع الان وانتم طلائع التغيير وأنصار التحول الديمقراطي بل مستقبل الامة االسودانية
إن كانت هناك قراءة للفضاء السياسي الآن ، وفق ما هو واضح من انقسام ، قد تكون الأنسب لتفسير نزعة الانقسام المتواصل، والميل نحو التشظّي وإدامة الصراع بين مكونات كل الأحزاب والحركات والتجمعات أن كانت جهوية أو ذات طابع قبلي ، في وقت أبدت فيه كل النخب عجزا عن فهم الانقسامات السياسية المزمنة وتبريرها عقلانيا. وهو ما يتناقض مع ما نرى من أطروحات الجميع في هذه الكيانات نراها بلا مضمون وطني حقيقة ، واختلافاته الراديكالية، ومن ما يكتبون من في مقالاتهم الفكرية و محاولتهم التبرير التاريخي للصراع السياسي وعلل الطبقة السياسية وتجارب عملية وأعمال التنظير و الحذلقة ، بما لا يقبل أصحابُها الشكّ في مدى علميتها، هي الأضخم، مقارنة بالإنتاج النظري والفكري التيارات والمشارب السياسية في البلدان الأخرى
ويحول هذا التناقض دون تحقيق حلم كل المكوّنات في تحقيق انتصار الوحدة الوطنية ومشروع النهضة الذي ننشده لا من خلال طرح فئة وطنية واحدة التي ينتفي فيها الاستغلال وتزول الطبقية، وهو هدفٌ لا يمكن أن يرى النور إلا بواسطة نضال قوى الثورة الفاعلة على الارض لن نقصي أحد لازال في كل التيارات الحزبية من هم الأكثر منا وطنية والاكثر انتماء لهذا التراب وقد جاءوا من صلب البسطاء والكادحين وموعدنا معهم عهد التوافق على المسار الديمقراطي وإنجاز مشروع النهضة الذي سوف يستصحب كل أهل السودان
تعالوا نرى معا هو السلام المشروط القادم الذي سوف يكون بعد ينتهي سلسلال الدماء والخراب هذا هل هو من صناعة وولد بيننا أم سوف يكون نتاج ضغوط دولية والآن يتحدث البعض عن نموذج هايتي وآخرون يناصرون تجربة رواندا بعد الحرب وهنالك من يرى أن البند السابع والتداخل الأممي وهو السلام الأمثل ,وكيف لنا ونحن لسنا علي قلب رجل واحد نقصي كل أهل الهامش نظن أننا الأكثر وطنية ونرى أننا اصحاب الحق التاريخي في حكم السودان , بعد كل هذه التجارب المريرة والقاسية هل سوف يظل من يظنون أنهم هم الأجدر في حكم السودان علي حالهم بنفس القوة والسطوة بالتأكيد لا لن يعود التاريخ إلى الوراء سوف يجلس الجميع كل بوزنه الجديدة وقيمته الانسانية علي ارض الوطن لن يكون بيننا سادة ونبلاء وخدام وحارقي البخور في معبد التسلط الذي انهار بعد هذه التجربة لذلك علينا أن نضع كلنا أهل السودان ميثاق دولة ما بعد الاقتتال دون إقصاء لأحد والنصر للوطنيين الاحرار لا أصحاب المفاهيم البالية والضمائر الخربة .

zuhairosman9@gmail.com

 

آراء