التسويات المدجنة  !! 

 


 

عدنان زاهر
11 November, 2021

 

تناقلت وسائل الأعلام فى داخل السودان و خارجه بأن هنالك محاولات عدة لتسوية الأزمة السودانية عميقة الجذور و المعقدة ،بين المكون العسكرى و المدنى بعد الانقلاب الذى قام به البرهان و مجموعته " الجنجويد + جبريل + مناوى " فى 25 أكتوبر و فرضه حالة الطوارئ فى كل ارجاء البلاد،استيلائه على الأحتياطى المركزى من النقود فى بنك السودان و اخفائه، و من ثم اصداره و صياغته لمراسيم عسكرية سلب بها حتى المتواضع و القليل مما أنجز فى الفترة الأنتقالية و الذى لا يتناسب و طموحات و تضحيات ثوار ديسمبر و ثورتهم العظيمة.

فى مقال نشره أحد مهندسى محاولات حل الأزمة،و من خلال التسوية ،الوساطة أو الشفاعة سمها ما شئت، ذكر بأنهم قد توصلوا لاتفاق من عدة نقاط عرضت لرئيس الوزراء حمدوك ووافق عليها !!..... ثم دفع ذلك الأتفاق للمكون العسكرى لابداء الرأى الذى لم يتم حتى الآن، و تتلخص نقاط تلك الوساطة و بتلخيص غير مخل فى الآتى :

أ – استمرار حالة الطوارئ فى البلاد حتى تكوين مجلس السيادة و مجلس الوزراء و تعيين الولاة !

ب – اطلاق سراح المعتقلين السياسين و من وجهت لهم تهم يقدم للمحاكمة.

ج – يشرع الدكتور حمدوك فى تكوين مجلس وزراء من كفاءات وطنية مستقلة بدون أى محاصصات حزبية أو حاضنة سياسية.

د – أى قضايا أخرى !!


2

عرفت الأنسانية منذ القدم التسويات السياسية من خلال الوساطة، و استخدمت فى كثير من الأحوال لفرض حلول ضد توجه الشعوب و فرملة الثورات أو العمل على هروب مرتكبى الجرائم ضد شعوبهم من المساءلة القانونية. لقد انتبه العاملون فى جبهات حقوق الأنسان و فقهاء القانون لذلك متأخرا، و كان ذلك واحدا من أسباب تكوين المحكمة الجنائية الدولية لضمان معاقبة مجرمى الشعوب من الديكتاتوريين و غل ايدى من يحاول تكرار تلك الأفعال من جديد.

عرفت الوساطة أو الشفاعة فى السودان منذ القدم و لكنها تأصلت كظاهرة أيام مملكة الفونج محمد عوض عبوش فى كتابه ( قراءة فى سجل الثقافة السودانية و خطابها النهضوى ) يعزى ذلك للفكر الصوفى....يقول ( لعل من السلبيات الأخرى التى بذرها الفكر الصوفى فى طريقة الحياة السودانية طبعه للعلاقات الاجتماعية بطابع الوساطة ).

يواصل عبوش فى كتابه القول منددا بالوساطة (فقد كان للوساطة أثرها السالب فى افلات الكثيرين ممن يرتكبون جرائم و مخالفات فى الحق العام و أموال الدولة من العقاب. و هو ما ترتب عليه اجهاض كثير من مشروعات الدولة الاعمارية و الأنمائية. و الأخطر من ذلك أن الوساطة رسخت فى أذهان البعض أنهم لا محالة فالتين من العقاب متى ما قاموا بارتكاب مثل هذه الجرائم و المخالفات،و كان لديهم واسطة نافذة مما جعلهم لا يتورعون عن نهب أموال الدولة و خيرات البلاد ).

ثقافة الوساطة أو الشفاعة مورست فى عهود ما بعد الأستقلال فى كثير من الحقب بشكل سلبى، و أصبح لها افراد يقومون بها اشتهروا بممارستها فى المجتمع السودانى، و طبيعة المقال لا تسمح بالتفصيل و لكن فى رائى أن تلك الممارسات التى تتم تحت شتى المسميات زيفا ، قصدا أو جهلا ( الحفاظ على السلام الأجتماعى، حقن الدماء ...الخ ) عملت على ايقاف مسار التطورالسياسى الديمقراطى.


3

نأتى الآن لمناقشة تفاصيل " الوساطة " و ما توصلت اليه:

1 –  نقول تمت هذه الوساطة و رئيس الوزراء رهن الأعتقال التحفظى و ذلك يعمل على هدم مبدأ أساسى و هو حرية الشخص فى اتخاذ اى من القرارات دون ضغط أو أرهاب.... المتمثل فى الحبس ابتداءا.

2 – ان الأقرار باستمرار حالة الطوارئ فى البلاد تعنى ضمنا الأعتراف بانقلاب البرهان و بكل ما أصدر من قرارات عسكرية " فرمانات " تهدف لتصفية كل الأيجابيات التى تمت بعد الثورة فى الفترة الأنتقالية.

3 – ان البند الثالث المرتبط باطلاق سراح المعتقلين غامض فى صياغتة و أن ذلك تم بغرض البلبلة " لولوة "..... و آخر الجملة تجب ما قبلها، و تعنى ( محاكمة من وجهت لهم تهم ) وهم الأغلبية من رافضى الانقلاب سوف يحاكمون فى ظل حالة الطوارئ كما أن تلك المحاكمات تعنى شرعية الأنقلاب.

4- السؤال الذى يطرأ على ذهن كل قارئ لبنود تلك الوساطة ...كيف يمكن لحمدوك تكوين مجلس للوزراء تحت قانون الطوارئ و هيمنة العسكر !!

5- خلو الأتفاق المقدم من اى اشارة لمحاكمة رموز النظام السابق و تقديمهم للمحكمة الجنائىة الدولية أو محاكمة مرتكبى جريمة فض الأعتصام .

6 – يلاحظ أيضا خلو اتفاق " الوساطة " من اى نص يشير الى الديمقراطية و العودة للحكم المدنى.


4

 يقول من يقومون بعقد تلك التسويات أو الوساطات " بالضرورة يجب أن تكون هنالك تنازلات من الجانبين "........  فى تقديرى فى حالة السودان اليوم ووفقا للصراع القائم وبادى للعيون و يبدو منطقيا و موضوعيا بأن هذا القول و هذا النهج قد تم رفضه من قبل الشعب...... بان و أتضح ذلك من خلال ما تم من تظاهرات و ادانات من الشعب السودانى للانقلاب...... يمكن أن نطلق على تلك الدعاوى أى دعاوى التسويات ( دعوة باطل أريد بها باطل ) !!

التنازلات -  فى العادة - من الجانبين تتم فى النزاعات المدنية أما فى النزاعات السياسية فلا يتم التنازل عن المبادئ الأساسية و التضحية بما قدم الشعب من أرتال شهداء لأرساء التحول الديمقراطى فى السودان.

ان التنازلات و التسويات و الوساطات.... التى تهدر حقوق الشعوب الأساسية أو تساوى بين مرتكبى الجرم و الضحايا غير مقبولة بتاتا، و تتعارض مع مواثيق حقوق الانسان التى أقرتها الأمم المتحدة ، مثل تلك التسويات المدجنة تأسس لهبوط ناعم و تعمل على انتاج الأزمة من جديد.


عدنان زاهر

9 نوفمبر  2021



elsadati2008@gmail.com

 

آراء