التعليم : كما تزرع تحصد !! … بقلم : د. أبوبكر يوسف إبراهيم

 


 

 


بتجرد


بحمد لله كل عام نعيد نفس السيناريوهات... ونكرر نفس الكلمات ونسمع ذات الخطابات..ثم نفتح السجلات القديمة لننفض عنها الغبار ونبحث عن ما يثبت أن االبلاد قد سارت –بطلوع الروح- خطوة أخرى للأمام!  
وككل عام نتذكر أن هناك شيئاً في هذا البلد يسمى علماً !! وفي كل مرة يخطر على بالي نفس السؤال، وأحتار حين أجد نفسي أمام نفس الإجابة والتي مفادها أنك ببساطة قد ترى كل شيء في يوم العلم إلا العلم!! وربما  أن الكثير من الطلبة قد يتساءلون  عن  السبب  الذي لا يجعل هذا اليوم عطلة رسمية، خاصة أننا إعتدنا على أننا لا نحتفل بأعيادنا الرسمية إلا بالعطل والشطحات والحفلات! ورغم أن  الجميع  يتشدقون في معرض حديثهم عن التعليم بمدح هذه الامتار القليلة التي قطعتها بلادنا  في مسيرة المليون ميل نحو العالم المتقدم... إلا أن الحقيقة المرة التي قد يخجل الكثيرون من الاعتراف  بها، أن هذه النتائج والأرقام وفواتير الإصلاحات الثقيلة المضنية المرهقة لا تعبر عن واقع الحال المر .. .
أننا نتراجع إلى الوراء ليس أياما ولا شهورا ...بل قرونا! ، والمستوى العلمي والقيمي المنحدر إلى الحضيض لمن يفترض بهم حمل أمانة هذا البلد لا يكاد يرفع رأس أحد ... وعد معي من المراحل الإبتدائية وحتى الثانوية والجامعية... بدأ من نتائج الشهادة السودانية وإنتهاءا بشهادات التخرج الجامعية،والتي أصبحت لا تختلف كثيرا عن نتائج الانتخابات ويدحض ذلك ترتيب جامعاتنا بين جامعات العالم ، إن النسب المحلية عالية بلا محتوى ... والتي لا تختلف هي الأخرى عن أصوات المناداة  بالاصلاح التي بدورها تضع حلقة أخرى في سلسلة كبرى تجمع بينها فكرة واحدة وهي أنه لا حياة لمن تنادي!! ، أنا لست ضد المصطلحات اللامعة كإصلاح المنظومة  التربوية والتحديث والعصرنة.. فما  المانع  من أن ينجح الجميع في هذا البلد المعطاء!؟ ولنتفوق بذلك على دول العالم حين يصبح عاطلونا عن العمل كلهم متعلمين، ولِمَ لا !!، و حتى مثقفين أيضا؟! ، فلينجح  الجميع  ولتكتظ المدارس والجامعات - المكتظة أصلا - بطلبة العلم  والباحثين، ولتزدحم  هذه الداخليات الخاصة  والعامة  بالآلاف من الناجحين الجدد الذين لن يجدوا على الأرجح أسرة ينامون عليها، ولنعدد كل عام من هذا اليوم ما حققناه من مدارس ومعاهد وبرامج!! .
كنت قد سبق وقلت أن النسب ستكون  حقا  رائعة  لو كانت مطلقة، مع شرط واحد هو أن تكون حقيقة، حتى المواطن البسيط  صار  يعرف هذه القاعدة التي اصطلح عليها الجميع . في بلدي من نقل انتقل ... وبدل أن تخرج المدرسة السودانية  طلبة متعلمين ستنتج لنا أفواجا من الجاهلين وكأننا نعاني من نقص منهم!!، تغص بهم حتى  حلوق الجامعات المنهكة أصلا من سياسيات ارتجالية ونظريات  للفوضى وفئران التجارب ، ولا مانع  إذن أن نضحي ببضعة أجيال في سبيل الوصول إلى أجيال أخرى مستقبلية  أكثر  وعيا، ولا مانع  من  الانحدار إلى القاع  إن  كانت  النتيجة  هي الصعود إلى الهاوية - إن جاز  للإنسان أن يصعد إلى الهاوية -  وننسى أن الخطأ  الصغير  يجر معه خطأ أكبر، والخطأ  الأكبر يجر معه كارثة وطنية!! . قبل أن نطالب  بحشو  رؤوس  التلاميذ والطلبة بهذه المناهج كاللحوم المجمدة، علينا  أولا  أن  نهيئ  من الإمكانات الدراسية والجامعية ما يؤهلنا  للتعامل مع هكذا برامج ، لا أن  نكدس الطلبة مثل أكياس الذرة  في القندرانات المُهَرِّبة  عبر  الحدود، وننتظر منهم معجزة قد لا تأتي أبدا بمردود، إن مشكلة السودان  ليست  في أفراده  بقدر ما هي  في طريق إدارتهم وتوجيههم التوجيه السليم ، وعلى  المواطن البسيط أن  لا يلوم الطبيب - الذي نجح  بدون وجود مراجع - الذي قد ينسى هاتفه النقال  في بطنك  أثناء  عملية  جراحية  شبه  ناجحة، ولا يلوم المهندس الذي قد ينسى إضافة الحمام إلى مخطط بيتك، ولا يلوم  أستاذ الرياضيات الذي لا يجيد من الرياضيات إلا حساب  معدلات الزيادات  والخصومات  كل شهر  على  المرتب...ولا يلوم  هذا ولا ذاك ، فالقضية أبسط بكثير ويمكن تلخيصها في سؤال أبسط : كيف نجني ثماراً بلا بستنة جيدة،؟!!.. فكما تزرع تحصد!!.. وسلامتكم وسلامة التعليم!!
zorayyab@gmail.com
*نقلاًعن صحيفة الصحافة
//////////

 

آراء