التوقيع على وثيقة الدوحة: محاولة أخيرة لإسدال الستار علي أزمة دارفور!؟ بقلم: صباح موسى
التوقيع قبل التاسع من يوليو الحكومة انتهت والتحرير والعدالة جاهزة والعدل والمساواة تعتبرها بداية وتحرير السودان ترفضها
الخرطوم- أفريقيا اليوم/ صباح موسى sabahmousa@hotmail.com
تتجه الحكومة السودانية هذه الأيام لطي صفحة طويلة من صفحات دارفور وهي مفاوضات الدوحة، بعد أن حققت - في تقدير الخرطوم - كل مابوسعها لإنهاء هذه الأزمة التي عصيت عن الحل منذ عام 2003، وأخذت أشكالا عدة من الشد والجذب من الحرب والسلام والمفاوضات، بتوقيع حركات وتمرد حركات أخرى، إلى أن جاء الوقت الذي تعتبره الحكومة نهاية المطاف، وتقول أنها لم يعد بإمكانها فعل أكثر مما فعلته في الدوحة.
وبدأ مسار الدوحة بإعلان مجلس وزراء الخارجية العرب بالقاهرة بإنطلاق مفاوضات سلام دارفور بالدوحة في التاسع من سبتمبر من عام 2008، وانطلقت أولى جلساتها في التاسع من فبراير لعام 2009، شهدت خلالها العاصمة القطرية انضمام حركات وتراجع حركات، حتى جاء اليوم الأبرز بتوقيع الإتفاق الإطاري لوقف إطلاق النار بين الحكومة وحركة العدل والمساواة، بين البشير وخليل إبراهيم، بعدها انضمت حركات أخرى بدارفور على رأسها التحرير والعدالة بقيادة الدكتور التيجاني سيسي، وتخلفت العدل والمساواة، إلى أن وصلنا الآن لطرفين فقط الحكومة والتحرير والعدالة وتحاول الوساطة إقناع باقي الأطراف الدارفورية بالإنضمام، وهناك وفد من العدل والمساواة بالدوحة، ولكنه لا يفاوض بشكل رسمي، وله أراء على عملية التفاوض، أما عبد الواحد نور رئيس حركة تحرير السودان فهو الوحيد الذي لا ينضم إلا الدوحة منذ بداياتها رغم محاولات الوساطة، وخلافا لذلك فقد وقع مع مني أركو مناوي الذي نقض اتفاقه في أبوجا مع الحكومة وعاد مرة أخرى إلى التمرد، وكون مع نور ثنائي عسكري يقوم ببعض العمليات العسكرية بدارفور.
وقال مصدر مسئول قريب من المفاوضات لـ " أفريقيا اليوم" www.africaalyom.com توصلنا إلى وثيقة السلام بالدوحة، والتي تضمنت كل الإتفاقات السابقة، مرورا بأبوجا حتى الإتفاق الإطاري وإتفاق وقف إطلاق النار مع حركة العدل والمساواة، مبينا أن مدة العمل بالوثيقة ستكون أربع سنوات مع من وقع، وأنها لم تتضمن منح منصب نائب الرئيس المختلف عليه نصا، منوها أن الوثيقة تحايلت على هذا الأمر بأن تركته مفتوحا لرئيس الجمهورية والذي من حقه تعيين نواب له، ولكن دون نص مكتوب.
وأضاف المصدر أنه في هذه الحاله سيكون النائب الذي سيختاره الرئيس من دارفور ولكنه سيكون نائبا للرئيس وعن السودان كله، وليس عن دارفور فقط، مؤكدا أن الحكومة بهذه الوثيقة تثبت للمجتمع الدولي كله أنها فعلت كل مابوسعها لحل الأزمة في دارفور، وبرر المصدر قوة الوثيقة بترحيب المجتمع الدارفوري عليها، ومؤتمر أهل المصلحة الذي عقد مؤخرا بالدوحة وحضره عدد كبير من ممثلي المجتمع المدني الدارفوري وبعض قيادات المعارضة السودانية، وكذلك الوساطة نفسها متمثلة في الدوحة والإتحاد الأفريقي، وأخيرا الأمم المتحدة ومجلس الأمن، كما رحبت بها جامعة الدول العربية.
وقال أننا وصلنا إلى مرحلة مهمة وهي مرحلة التوقيع فمن يريد التوقيع على الوثيقة من الحركات نحن نرحب به ومعنا المجتمع الدولي والمحلي، ومن يتخلف سنترك له الفرصة إذا أراد الإنضمام في أي وقت، مؤكدا أنها نهائية وأن من يريد الإنضمام عليه بالتوقيع وليس بالتفاوض. وتابع الوثيقة شاملة ووافية ليس في نظرنا نحن كحكومة ولكن في نظر الجميع، منوها أن الحكومة لا تهتم بمن يوقع ومن لا يريد التوقيع، وأن الأهم هو الوصول إلى هذه المرحلة، وبعدها سيكون الحديث عن الحركات وعدم جديتها، مؤكدا أن هذا الحديث لا يعني الحكومة، وأن مايعنيها هو المواطن في دارفور وتيسير حياته وإستقرارها. وقال أما إذا كانت القضية ستظل في فلك الحركات فلن تحل وستظل معلقة، والوثيقة هي خير دليل على جديتهم إذا أرادوا التوقيع. وأعلن المصدر أن الوثيقة وصلت إلى مراحلها النهائية في الصياغة، وأنه من المتوقع أن تشهد توقيعا قبل التاسع من يوليو الجاري.
وكشف رئيس كتلة نواب دارفور بالبرلمان "حسبو محمد عبد الرحمن" أن التوقيع النهائى على وثيقة سلام دارفور التى أقرتها الوساطة سيتم تحديد موعده بعد أن عاد وفد الوساطة من نيويورك،و طالب عبد الرحمن مجلس الأمن بممارسة الضغط على الحركات الرافضة للتوقيع لحثها على الإنضمام للعملية السلمية.
وكانت الوساطة الدولية لمفاوضات الدوحة سلمت الوثيقة للأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون الأسبوع الماضى توطئة لاعتمادها من قبل المجتمع الدولي، وأعلن مجلس الأمن من جانبه تأييده للوثيقة .
من جانبها رفضت حركة العدل والمساواة التوقيع على الوثيقة بشكلها الحالي، مؤكدة أنها تصلح كأساس للعملية السلمية والنقاش حول القضايا، ولكنها ليست نهائية للتوقيع. وقال الناطق الرسمي للحركة " جبريل آدم بلال" لـ " أفريقيا اليوم" أن وفد الحركة مازال موجودا بالدوحة، وأنه كان هناك اجتماع غير رسمي بين الحركة والوساطة بـلندن أطلعونا فيه على زيارتهم للاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والأمم المتحدة، مرحبا بموقف مجلس الأمن من وثيقة السلام بالدوحة، مبينا أن مجلس الأمن الدولي يتحدث عن أن هذه الوثيقة تشكل أساسا للسلام، وأنه لم يتحدث عن أنها قابلة للتوقيع الآن، وأنه حث الأطراف على ضرورة التوصل لسلام في أسرع وقت.
وقال نحن نرحب بذلك ونأمل أن نصل إلى سلام في أسرع وقت، مضيفا أن الوساطة أخطرتنا أنهم في طريقهم لتسليم الوثيقة للأطراف المعنية في الأيام المقبلة، وتابع سوف نعلن تعليقنا عليها بعدما نخطر رسميا، بعد دراستها ودراسة موقف الوساطة، مؤكدا أن الحركة تنطلق في هذا الموضوع من مرتكزين أولهما السلام كخيار إستراتيجي لها، والثاني أن مخرجات مؤتمر أصحاب المصلحة بالدوحة يصلح أساسا للتفاوض، معتبرا أن مخرجات هذا المؤتمر أوسع من الوثيقة التي تتضمن رأي الحكومة والتحرير والعدالة فقط، كما أكد بلال أن الحركة ليست مستعدة للتوقيع على هذه الوثيقة بشكلها الحالي ، وقال نحن مستعدون للنقاش حولها وحول القضايا بجدية ، أما إذا كان المؤتمر الوطني يقتنع بها بشكلها الحالي ويرى أنها النهاية فليوقع مع من يريد ويعود إلى الخرطوم. وأكد إلتزام العدل والمساواة القاطع بالحل السلمي المتفاوض عليه لقضية السودان في دارفور، وإستعدادها للدخول في محادثات مباشرة مع الحكومة للوصول إلى اتفاق سلام عادل وشامل يخاطب جذور المشكلة ويوقف الإحتراب وينهي معاناة الأهل إلى غير رجعة، مثمنا جهود جبريل باسولي الوسيط الأممي المشترك، وزير خارجية جمهورية بوركينا فاسو وشريكه في الوساطة سعادة الوزير أحمد بن عبدالله آل محمود وزير الدولة بوزارة الخارجية ، ودعا إلى بقاء هذه الشراكة في منبر الدوحة إلى حين تتويج جهودهما النبيلة بتوقيع اتفاق سلام عادل وشامل.
وشكرت الحركة على لسان ناطقها الرسمي دولة قطر أميراً و حكومة وشعباً على تصدّيهم لحل قضية شائكة مثل مشكلة السودان في دارفور، وعلى الوقت والموارد التي سخّروها لهذا الغرض، وعلى صبرهم وإستعدادهم لمواصلة المشوار حتى تحقيق السلام في أقرب وقت.
من جانبه أعلن رئيس حركة التحرير والعدالة الدكتور التيجاني السيسي أنه مستعد للتوقيع على وثيقة دارفور النهائية التي جرى الإتفاق عليها خلال مؤتمر أهل المصلحة في العاصمة القطرية الدوحة، ورأى السيسي أن المفاوضات حققت أهدافها وأن ما توصلت إليه الحركة يلبي مطالب أهل دارفور، موضحا أن النقاط العالقة المتفاوض عليها كانت كثيرة حتى وقت قريب، وفي الفترة الأخيرة تضافرت الجهود بين الحركة وبين الجانب الحكومي و"استطعنا تجاوز أغلبها وما بقي نقطة أو اثنتان نستطيع تجاوزها في الأيام القليلة القادمة".
وقال السيسي إن الحركات تمكنت من خلال الحوار من أن تترك حوار البندقية لتتفاوض في منبر الدوحة الذي أفضى إلى وثيقة عرضت على مؤتمر أهل دارفور ونالت الموافقة بالإجماع.
وتابع لقد ظلت الحركة تنادي بشمولية الاتفاق وكنا على قناعة بأن أي اتفاق يجب أن يتضمن آراء جميع مكونات أهل دارفور، لذلك حرصنا على أن يكون المجتمع المدني موجوداً وأصحاب المصلحة"، مبينا أن حركته فاوضت الحكومة وحصلت تفاهمات في كل القضايا ولا يمكن لأي طرف مفاوض أن يحقق 100% من مطالبه، وقال: "التفاوض أن تأخذ شيئاً وأن تعطي شيئاً بالمقابل، وما توصلنا إليه نعتقد أنه يشكل أساساً قوياً يمكن اعتماده لتحقيق نسبة كبيرة من مطالب أهل دارفور"، مؤكدا رضا الحركة عن ما تم تحقيقه، وقال: "يبقى التحدي الأكبر هو كيفية تنفيذ هذا الاتفاق".
وقال رئيس مكتب حركة تحرير السودان " عبد الواحد نور" موسى حسن بكري في مصر والشرق والأوسط لـ " أفريقيا اليوم" أننا اوضحنا للوسطاء ضرورة إيجاد أمن على الأرض أولا من خلال نزع سلاح الجنجويد وعودة النازحين إلى قراهم الأصلية بإعتباره يمثل الخطوة الأولى تجاه الحل السلمىي، مضيفا وبعد ذالك نبدأ فى الخطوة الثانية وهى مخاطبة جذور الأزمة، ووعد الوساطة بالبحث فى الموضوع مع الطرف الآخر ولم يفيدونا حتى اللحظة , لافتا إلي أن الوساطة أصبحت منكمشة مع أطراف أسماها هلامية، ولا وجود لها على الأرض ويحاورون على أنهم حركات، معتبرا الذين حضروا مؤتمر أهل المصلحة بأنه لم يكن به أحد من المتضريين الحقيقيون، وقال أن الذين ذهبوا إلى الدوحة لحضور هذا المؤتمر حشدتهم الوساطة بإعاذ من الحكومة وهم أعضاء في المؤتمر الوطنى، ليبصمو ما طبخوه، وتابع نحن نعتبر أن الوساطة فشلت فشل تام، موضحا أن النازحين المتضررين خرجوا فى مظاهرات منددين بما يجرى فى الدوحة بإسمهم، وأنهم طالبوا بتغيير النظام وتقديم ما أسماهم المجرمين إلى محكمة الجنايات الدولية، مؤكدا أن حركته غير معنية بوثيقة السلام بالدوحة، وقال نحن غير مهتمين بوثيقة لم نكن طرفا فيها، وأن المقاومة الآن فى أحسن حالاتها بعد إنطلاقة البداية الجديدة التى طرحتها حركة تحرير السودان، مضيفا اذا كان مجلس الأمن قد صادق أم لم يصادق على الوثيقة، فهذا لايعني شئ بالنسبة لنا، وزاد تابعنا هذه الجلسة الغير رسمية لمجلس الأمن، مشيرا أن الإهتمام الذي وجدته وثيقة أبوجا كان اكبر بكثير من هذه الوثيقة، مذكرا بأن المجتمع الدولي قال وقتها من لم يوقع على أبوجا سيعاقب، وتابع تعرضنا لتحديات، لكن بإيماننا بقضيتنا العادلة إستطعنا أن نقنع العالم بأن إتفاقية أبوجا غير صالحة لتطبيقها رغم (طلاق البشير الشهير) بأنه لن يزيد ولا شولة، مضيفا لكنهم زادوا آلاف الشولات بعد ذلك، مبينا أنه ما زالت الإبادة الجماعية والإغتصاب وآلاف النازحين واللاجئين موجود بدارفور، مؤكدا أنه لن يكون هناك سلام فى السودان ودارفور إلا برحيل نظام الخرطوم، وأن هذا ماتعمل عليه الحركة مع جميع أطراف المقاومة السودانية.
ويبقى أنه تفصلنا أيام عن التوقيع على وثيقة سلام دارفور بشكلها النهائي، فهل ستكتفي الحكومة بالتحرير والعدالة؟، أم ستسطيع الوساطة إقناع باقي الحركات في هذه الفترة الوجيزة؟ وهل التوقيع الثنائي على هذه الوثيقة سيحل أزمة الإقليم؟ أم أن الخرطوم تعتمد على إستراتيجيتها للحل من الداخل في المقام الأول؟ هل سترضى قطر والوساطة بعد كل هذا المجهود قرابة الثلاث سنوات أن تكون المحصلة في التحرير والعدالة مع الحكومة؟ هل الحكومة بعد التوقيع ستفض السامر المنعقد بالدوحة وتعود إلى أدراجها وتغلق هذا الملف؟ هل الحركات لديها سيناريو آخر لو أغلق باب الحل السلمي في وجهها؟ هل تستطيع إنهاء الأزمة لصالحها عسكريا؟ أسئلة كثيرة مازالت مطروحة لم تستطيع الدوحة الإجابة عنها حتى اللحظة، رغم أن المعطيات على الأرض تؤكد أن العملية السلمية في دارفور شرفت على الإنتهاء؟!.