الثانية: سرديات الجيوبوليتيكيا: المجمع الصناعي العسكري

 


 

 

د. عمرو محمد عباس محجوب

عند انطلاق مجموعات من المقاومة الفلسطينية داخل الارض المحتلة، ولأول مرة منذ عقود طويلة، في ٧ اكتوبر ٢٠٢٣، كانت تفتح بذلك سرداب تاثير الفراشة الجيوبوليتيكي العالمي "طوفان الأقصى" والتي أمتدت على اوربا والأمريكتين واسيا والإعلام الموازي وروسيا والصين، والأصوات الجديدة اليهودية في الدفاع عن فلسطين في اطراف العالم . لكن ايضاً ادت لانكشاف الغطاء عن عقود من النفاق والتستر والعجز الهيكلي. وأهمهما تفاصيل وبنية "المجمع العسكري الصناعي" واللوبي الصهيوني الايباك اللذان يتقاسمان السلطة الفعلية في مسرح ضخم مزخرف بادعاءات الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير وهلما جرا في الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموماً.

عرف عن الرئيس الأمريكي دوايت آيزنهاور انه كان محافظاً معتدلا واصل سياسة سلفه الديمقراطي فرانكلين روزفلت الصفقة الجديدة والتي تعني "الإغاثة والإنعاش والإصلاح", وتشير تلك الكلمات الثلاث إلى إغاثة العاطلين والفقراء، وإنعاش الاقتصاد إلى مستوياته وتوسيع الضمان الاجتماعي. وفي عهده أطلق نظام الطرق السريعة بين الولايات، ووكالة مشاريع البحوث المتقدمة للدفاع، وإنشاء تعليم قوي للعلوم عن طريق قانون التعليم الوطني للدفاع، وشجع على الاستخدام السلمي للطاقة النووية عن طريق إدخال تعديلات على قانون الطاقة الذرية.

اشار رئيس الولايات المتحدة دوايت أيزنهاور في خطابه الوداعي للأمة في 17 يناير، 1961 "مؤسستنا العسكرية عنصر حيوي في المحافظة على السلام. يجب أن تكون أسلحتنا قوية، جاهزة للرد الفوري، حتى لا يقرر اي معتد محتمل بالمخاطرة بدماره الذاتي•••هذا الاجتماع بين المؤسسة العسكرية الضخمة والصناعات العسكرية الكبيرة هو شيء جديد في التجربة الأمريكية". وحذر من المجمع الصناعي العسكري، وإن الاحتمال موجود للصعود الكارثي للسلطة في غير مكانها، وسيظل موجودًا. لا يجب علينا أبدًا أن نترك هذا المجمع يعرض حرياتنا وعملياتنا الديمقراطية للخطر.

الأسباب التي تجعل الكثيرون يتذكرون ذلك الخطاب على وجه التحديد، ما تضمنه من تحذير عن صعود " المجمع العسكري – الصناعي" الذي وصفه بأن هدفه هو التسليح الدائم وبأبعاد هائلة، وأن هناك احتمالاً لحصوله - سواء سعى لذلك أو لم يسع - على نفوذ غير مبرر، في أروقة الحكومة. تحقق ذلك تماماً بتوسع المجمع العسكري -الصناعي بدرجة رهيبة منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001. ففي خلال فترة تقل عن عشر سنوات، زاد إلانفاق على الشؤون العسكرية والأمنية 119 مرة!.

وكانت العبارة المأثورة التي قالها ذات مرة في معرض الدفاع عن حجته:" إن المشكلة الأساسية في موضوع الدفاع هو إلى أي مدى يمكنك أن تمضي، وتواصل الطريق قبل أن تدمر من الداخل نفس الشيء أو الأشياء التي تسعى لحمايتها من القوة الخارجية".

وفي الخطاب الذي ألقاه عقب وفاة "جوزيف ستالين"، قال إيزنهاور:"إن التسليح مسألة لا تتعلق بإنفاق المال فقط، وإنما تتعلق بإنفاق عرق العمال، وعبقرية العلماء، وآمال الأبناء أيضاً.

ان العلاقات المتشابكة بين المجمع والنظام السياسي بدأ يتضح بصورة غير معهودة مع ظهور الإنترنت ووسائل التواصل وتم اكتمال الصورة التي بدأت خافتة مع خطاب أيزنهاور وتتكشف عن صورة تداخل المال والسلطة في رسم صورة الإمبراطورية القائمة على الحروب والتدخلات المسلحة، وتحول الدولة الديمقراطية كما تتغنى، إلى منظومة مدججة بالسلاح لها دولة.

 

آراء