الثورة السودانية قاطرة للوعي السياسي والتحرر والتقدم في المنطقة 

 


 

 

صحيح أن الثورة السودانية جاءت بعد سبع سنوات من الحراك الثوري الذي شهدته معظم الدول العربية في عام ٢٠١١م، الذي أدى إلى إسقاط بعض الأنظمة العربية وخلل بعضها الآخر.


لكن الثورة السودانية تميزت عن تجارب الحراك الثوري التي شهدتها المنطقة بأنها إستبعدت خيار العسكرة وإستبعدت أيضاً خيار الإستعانة بالخارج، كما حصل في ليبيا وسوريا واليمن وإلى حد قليل في مصر.


الثورة السودانية منذ إنطلاقتها إعتمدت على ذاتها عبر النضال الجماهيري السلمي، القائم على الإحتجاجات والمظاهرات والمسيرات والمخاطبات والندوات وإصدار البيانات ونقل وقائع الثورة مباشر عبر الفيس بوك ونشرها في قروبات الواتساب ومواقع إلكترونية عديدة على رأسها موقع سودانيزاونلاين، وسودانايل والراكوبة كمنابر إعلامية كان لها القدر المعلى في تعرية النظام وفضح سياساته وتوجهاته البائسة، منذ وقت مبكر، إذ ملئت الفراغ وغطت غياب قناة فضائية للمعارضة السودانية وإختصرت المسافة بين الكُتاب والقُراء لنشر وعي مناهض لنظام الإنقاذ المستبد وسياساته الفاسدة ونهجه التضليلي التجهيلي الذي ظل يمارسه طوال سنوات حكمه بهدف تغييب العقل وتحويل الشعب إلى مجرد قطيع يهشه وينشه الطاغية عمر البشير بعصاه كما كان يفعل مع "الهردابيس الكيزاني وجوقة الإنتهازيين" التي كانت تتسيد المشهد العبثي طوال ثلاث عقود مظلمة.!


الثورة السودانية تميزت بعمق وعيها بطبيعة الأزمة الوطنية لذلك لم تكتف بإسقاط النظام، بل طرحت مفاهيم وشعارات جوهرها الحرية والعدالة والسلام، والتحول الديمقراطي الذي يقود إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية تحتكم للدستور الذي له سلطة على الجميع، وليس شخصاً له سلطة على الدستور يجعل من نفسه وصي على الشعب.!

كما قال البرهان:  "إن الجيش وصي على الشعب" وهو يعني بكلمة جيش طبعاً نفسه، لذلك نفذ في ٢٠٢١/١٠/٢٥، إنقلابه المشؤوم الذي أراد من ورائه دفن الثورة كما دفن عشرات الثوار.!!!


لكن الأكيد أن الثورة ستدفنه وتدفنه أحلامه المريضة، لأن الثورة إبتدءاً قامت ضد هذا المنطق الأعوج.!

الذي إختزل الدولة السودانية بما فيها من شعب وأرض وخيرات وثروات في يد شخص، أو حفنة من الأشخاص، وكان لذلك تداعيات مؤلمة في الماضي والحاضر الذي تواجه فيه الدولة السودانية أزمة خطيرة ربما تعصف بوجودها نتيجة إنعدام الثقة وحجم الفجوة المتسع يوماً بعد آخر بين قوى الثورة وحفنة الإنقلابيين.


مجريات الأحداث في بلادنا وفي عموم المنطقة من حولنا، توضح بجلاء سوء الحال والأحوال نتيجة لغياب ثقافة الديمقراطية التي تعترف بالمواطنة وحقوقها ودورها السياسي  في تطوير الدولة وخلق مناخات أفضل للتعايش بين كل مكونات المجتمع في ظل الديمقراطية التي تكفل التداول السلمي للسلطة لكل أطراف الصراع.

من هنا تبقى أنظار  شعوب المنطقة من حولنا مشدودة إلى السودان وهي تراقب مالآت ثورته، لأن نجاحها في هزيمة الإنقلاب وبناء دولة المواطنة ذات القرار الوطني المستقل سياسياً وإقتصادياً، سيغير وجه السودان ووجهته ويحي في دواخل تلك الشعوب الأمل، بجدوى النضال من أجل الحرية والتحرر من أنظمة الفساد والإستبداد التي أدمنت التبعية والإنقياد للخارج وحولت المنطقة إلى كتلة من الظلام وتتعامل مع شعوبها  كأنها قطيع.!


بهذا الفهم تشكل الثورة السودانية قاطرة حقيقية للوعي السياسي ومفاهيم التحرر من عقلية التبعية وتعزيز ثقافة الإعتماد على الذات  لبناء الإنسان المتحرر من الجهل والخوف، في محيطنا العربي والإفريقي، كما حدث مع الثورة الفرنسية التي إنطلقت عام ١٧٨٩م، وإستمرت أحداثها العاصفة حتى عام١٧٩٩م، لكنها غيرت خارطة أوروبا السياسية والعالم، ودشنت عصر التنوير.


لذلك نجدد لاءات الثورة الثلاث: لا حوار ولا تفاوض ولا شراكة مع أعداء الثورة.


الحقوق تنتزع ولا تستجدى من أحد.


Eltayeb_Hamdan@hotmail.com

 

آراء