الثورة المصرية: اقتلاع نظام فاسد … ومخاوف من الفوضى
القاهرة- أفريقيا اليوم/ صباح موسى
sabahmousa@hotmail.com
جاءت الثورة المصرية لتحقق أحلاما بدت صعبة المنال بالتخلص من نظام حكم ظل جائما علي صدر البلاد لثلاثة قرون تدهورت خلالها أحوال المصريين علي مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، لكن الثورة العظيمة ورغم ما حققته من نجاحات، بدا أن هناك إفرازات وتداعيات خطيرة تتشكل بالتوازي معها بما يهدد بآثار سلبية على المجتمع المصري، وعلى الحياة المصرية بشكل عام.
يرى المراقبون أنه من الطبيعي أن تظهر بعض العيوب والسلبيات ابان أي ثورة، ولكن لابد من التحكم في هذه العيوب حتى لاتعم الفوضى، وإلى الآن تبدو الأمور في مصر ليست تحت السيطرة بالقدر الكافي، فمازالت هناك مظاهرات فئوية تعيق سير العمل، ومازالت هناك اتهامات واسعه بالتخوين والعمالة على نطاق واسع ، فهذا يدعي البطولة، وذاك يركب الموجة، ويتلون حسب المرحلة، فالثورة أظهرت الكثير والكثير من أصحاب الأقنعة، ولايمكنك أن تصدق أن هذه هي الصحف أو سائل الإعلام القومية، حيث تحولت على النقيض تماما : مانشيتات ضد الفساد، ومهاجمات للنظام السابق، إعلاميون كبار كانوا من تحولوا من مدافعين شرسين عن النظام السابق إلي ثوار يتغنون بإنتصارات الثورة ، وهذه الشريحة على الرغم من أن الناس يكشفونها وتسقط من نظرهم، إلا أن الذي يحتفظ برأيه ويتعاطف مع النظام السابق يتهم بالخيانة أيضا، فهناك شريحة كبيرة من الفنانيين والرياضيين كانو مستفيدين من النظام السابق، ولكن ياويل من يجهر بصوته سيوضع في القائمة السوداء للثورة، في رفض واضح لقبول الرأي الآخر!!.
الثورة المصرية وفي أقل من شهر شهدت البلاد فيها تغييرات وتحولات كبيرة فهناك تغيير للحكومة، وتعديل للدستور، وأكثر من 10 آلاف بلاغ أمام مكتب النائب العام المصري" عبد المجيد محمود" حول قضايا فساد، فهناك تغيير كبير وحقيقي، ولكن المراقبين يرون أنه لابد من أن تستمر عجلة الإصلاح الإقتصادي بجانب الإصلاح السياسي، حتى لاتنهار البلاد، في المقابل نجد فلول النظام القديم تعبث في الظلام، وتشيع جوا من الفوضى بعدم الأمان وإنتشار البلطجية، في ظل عدم الانتشار الكافي لرجال الشرطة، فمازال هناك تخوف من احتكاك الناس بهم، نظرا لحالة العداء بين الجانبين، ويعد اقتحام مباني جهاز أمن الدولة التابع لوزارة الداخلية المصرية أسوأ مافي المشهد، فمنذ يومين اقتحم عدد من المتظاهرين الشبان مقر الجهاز بضاحية مدينة نصر بالقاهرة، وأخرجوا العديد من الملفات، وتم العثور على أخرى قبل التخلص منها من قبل ضباط الجهاز، وسط حالة من الإستغراب والتساؤل لماذا يتم حرق ملفات داخل أمن الدولة، فهل هناك أسرار تفضح الجهاز نفسه؟.
الغريب أن الشباب وجدوا ملفات لشخصيات عامة وإعلاميين فقط بها أشياء تشوه صورتهم، الأمر الذي فسر على أنه مقصود، ولايمكنك أن تشاهد مبنى أمن الدولة بمدينة نصر والذي كان يسمى بالقلعة الحصينة، والذي شهد في السابق عمليات تعذيب يشيب لها الرأس، والشباب يقتحمونه بكل سهولة ويخرجون منه وهم حاملين ملفات وأسرار، بعضها نشر على مواقع الإنترنت بسرعة البرق.
الشباب من جانبهم برروا اقتحام هذه المباني لخوفهم من أن ذيول النظام السابق تتخلص من أوراق الإدانة، وهذا ماحدث بالفعل مع مبنى أمن الدولة بمنطقة لاظوغلي بالقاهرة، والتي شوهد بها دخان كثيف قبل يومين، وسط تأكيدات بأن ضباط المبنى حاولوا التخلص من بعض الأوراق إما بحرقها، أو بوضعها في حفرة عميقة ثم الصب فوقها بالخرسانه، وقد تم القبض في محافظة السويس على خمسة أشخاص استأجرهم رجل أعمال لتزوير مستندات لشخصيات عامة على انها ملفات سرية لهم بأمن الدولة.
الصورة الكلية للثورة مبشرة ومبهجه في شكلها العام، وأيضا مبهرة ومشرفه للعالم الخارجي، ولكن الصورة بها رتوش حادة لابد من التخلص منها في أقرب وقت ممكن حتى تستعيد مصر مكانتها، فالكل الآن منهمك بالداخل، وليس هناك مراقبة للحدود، ولا متابعة للملفات الخارجية الشائكة، ففي وسط هذا الإنشغال فاجأت بوروندي الجميع ووقعت على اتفاق عنتيبي لإعادة تقسيم مياه النيل، وسط غفلة طويلة لم يفق منها الجميع بعد ، فترتيب البيت من الداخل، لابد وأن يصحبه مراقبة الخارج لأنه أخطر بكثير على الأمن القومي للبلاد.
في جانب من الصورة في مصر تجد أن الكبار يتم تقديمهم للمحاكمة على ما ارتكبوه من جرم في حق الشعب، وعلى رأسهم وزير الداخلية الأسبق " حبيب العدلي" والذي اكتشف الشباب حجم البذخ في مكاتبه بعد اقتحام مباني أمن الدولة، وكذلك إمبراطو الفساد في مصر " أحمد عز" إلا أنه رغم اعلان تجميد أرصدة مبارك وعائلته، وفسادهم لم يصدر بعد ما يفيد بضبط ولا إحضار لأي شخص منهم، ومايزيد الأمر غرابة، هو تردد أنباء عن تحركات نجلي الرئيس السابق وزوجته من لندن إلى شرم الشيخ، ثم مجئ علاء مبارك وسوزان إلى القاهرة ، بما يثير تساؤلات عما إذا كانت السلطة القائمة في البلاد ستستطيع أن تأتي بمبارك وعائلته للتحقيق معهم؟ أسئلة كثيرة تحير الشارع، ذهبت بالبعض لتخيل أن مبارك لم يتنح ، وأنه مازال الرئيس الفعلي للبلاد، وأن كلمات نائبه عمر سليمان الأخيرة جاءت واضحة بأن الرئيس تخلى عن منصبه للجيش ولم يقل تنحى.
البعض يرى أن حالة الفوضى الموجودة داخل مصر الآن مقصودة حتى يستطيع الجيش بعدها فرض الأحكام العرفية، والتي لايتوقع أحد ماهو مستقبل البلاد في ظلها، وهذا الفريق يتخوف من عودة النظام السابق مرة أخرى. ويرى فريق ثان أن إستمرار التظاهر سيعمل على تلبية جميع المطالب والتخلص من كل ذيول النظام السابق، بينما يرى فريق آخر أن ماحدث في مصر ليس ثورة بمعناها المعلوم، فلم ينضم الجيش إلى الشعب بوضوح، وليس انقلابا، فلم ينقلب الجيش على مبارك، فالأخير مازال قابعا تحت حراسة مشددة من الحرس الجمهوري بشرم الشيخ، أي حراسة من الدولة.
الداخل المصري الآن يحتاج إلى رجال حقيقيين، إلى قيادة تقود البلاد إلى بر الأمان، فرغم أن أهم مميزات الثورة في مصر وأسباب نجاحها هو عدم وجود قيادة، إلا أن القائد في هذه المرحلة مهم لتسيير أمور البلاد حتى لاتعم الفوضى، وحتى تحقق الثورة نتائجها المرجوة، وعلى مستوى الحكومة والمجلس العسكري لابد أن تكون هناك قرارات حاسمة فتلبية المطالب يجب أن يصاحبه نوع من تأدية الواجب حتى تستقيم الأمور.