الجزر المعزولة والهبوط الناعم

 


 

 

(1)
القائد الوطني
نشرت جريدة الصحافة في مثل هذا اليوم من قبل خمس واربعين عاماً، 28 يوليو 1971 أخبار الاحكام التي أصدرها المجلس العسكري الايجازي العالي بعد مصادقة الرئيس على الاحكام وتنفيذها يوم 27 يوليو بسجن كوبر وهي:
1- الحكم بالاعدام شنقاً لجوزيف قرنق، عضو الحزب الشيوعي المنحل.
2- الحكم على الدكتور مصطفى خوجلي عضو الحزب الشيوعي المنحل بالسجن عشرين عاماً (عضو اللجنة المركزية القائمة من المؤتمر الخامس والذي طلب تجميد عضويته ورُفض طلبه وان عليه أختيار حلول أخرى ومنها الاستقالة)، وكان شاهد الاتهام ضد جوزيف قرنق وخوجلي هو معاوية سورج (المسؤل التنظيمي الاسبق للحزب الشيوعي).
3- كما صدر حكمان (1) الرائد مبارك فريجون بالطرد من الخدمة والتجريد من الرتبة والسجن سبع سنوات و(2) الملازم زهير قاسم علي بخيت بالسجن أربع سنوات، وفي صباح ذات اليوم كان إغتيال القائد والمفكر الشيوعي (عبدالخالق) وفي إفتتاحية مقال 29 يوليو نستعيد كلمات موجزة مما كتبه في سبيل تحسين العمل القيادي بمناسبة إنعقاد المؤتمر العام للحزب الشيوعي، كتب:
• إن التكتيك هو مجموع ما سمي في الحركة الشيوعية بالسودان ، بالخط السياسي والخط الجماهيري والمواقف السياسية اليومية واساليب العمل الاخرى، أنه يشملها جميعها وهو التعبير العملي لها وهو المطلوب من قيادة الحزب الشيوعي.
• إن الحكم على مستوى العمل القيادي يجب أن يعالج ثلاث جبهات، أولاً: دور القيادة والأجهزة القيادية في توضيح أفكار الحزب أمام العضوية والجماهير، ثانياً: دورهم في العمل النظري وإستكمال البحث في القضايا النظرية لاستكمال إستراتيجية الحزب، ثالثاً: دورهم في تنفيذ تكتيك الحزب.
• إن عضوية اللجنة المركزية والمكاتب القيادية الاخرى ليست حقاً موروثاً، وإجتماعات اللجنة المركزية مفروض فيها أن تلبي حاجيات العمل القيادي وتطلعات عضوية الحزب الشيوعي من ناحية تطوير وإستكمال إستراتيجية الحزب، من ناحية تطوير العمل النظري وقيادة العمل التكتيكي... إلخ.
• إن الديمقراطية في الحزب هي التي تشجع العضوية على التعبير عن أرائهم وتجعل منهم قوة مدركة للتغيير في نشاط الحزب .... وفرع الحزب هو المسؤل عنهم والوصاية هي نتاج التفكير الحلقي (الضيق) القلة التي تتوهم أنها يمكن أن تعمل نيابة عن الاكثرية، فئة قليلة وصية على كل النشاط الثوري: هذه مجموعة تتولى عمل الشباب وتلك عمل النقابات وأخرى العمل النسوى ... إلى أخر، ويبقى فرع الحزب متفرجاً وأداة لتنفيذ التعليمات (كل إعضاء اللجنة المركزية والمكاتب القيادية إعضاء في الفروع)
• ظهرت روح الزعامة البرجوازية القائمة على تصور إن ما يتمتع به الكادر من إحترام جماهيري يرجع إلى صفات خاصة به ولا يرجع إلى مجموع عمل الحزب الشيوعي الثوري: وإلى التضحيات المبذولة من قبل الشيوعيين عبر سنوات من النضال الصابر والصامد ... ولا نفوذ للافراد فوق الارض التي يمهد لها النضال المتشعب والصابر للحزب الشيوعي.

(2)
من قضايا المؤتمر العام
كتب كثيرون عن المؤتمر العام السادس للحزب الشيوعي السوداني، تيسير حسن إدريس وعبدالرحمن أبو ساندرا وغيرهم، ومعظمهم إتفقوا على القضايا التي يتوقعون أن ينظرها المؤتمر وابرزها:
1- الجبهة السياسية: التحالفات السياسية والعمل الجماهيري، الجبهة الواسعة الديمقراطية.
2- الجبهة الفكرية: الازمة في العمل القيادي، حلول الازمة الوطنية، الإختراق الفكري.
3- جبهة العمل الداخلي: توسيع الديمقراطية، إعادة هيكلة الحزب وتجديد الخط التنظيمي، بناء الحزب خارج المدن الكبيرة والتوجه نحو الاطراف، بإعادة نشر المتفرغين ، الاختراقات التنظيمية ومعايير إنتخاب القيادات.
وكل هذه القضايا نظرها المؤتمر الرابع للحزب (1967) وايه مراجعة لتقرير الماركسية وقضايا الثورة السودانية (اللجنة المركزية) وقضايا مابعد المؤتمر (عبدالخالق) بل ومن قبل ذلك (إصلاح الخطأ في العمل الجماهيري، وإصلاح الخطأ في العمل القيادي) ستكون نتيجتها عدم تنفيذ ما تقرر بشانها والبدائية والتخلف عند طرح بعضها وغياب الممارسة بضعف العمل القيادي أو تخلف النظرية (الاستراتيجية) لذلك ظلت القضايا هي نفسها لنصف قرن، تغيرت خلالها الظروف ولم تتعلم القيادات التاريخية لانها قيادات قديمة في ظروف جديدة، فلكل حقبة قياداتها.
(3)
مسجــــــــــل الأحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــزاب
إهتمت قيادة الحزب الشيوعي بربط مؤتمر الشيوعيين السودانيين بمسجل شئون الاحزاب والتنظيمات السياسية، حتى ان الكثيرين إعتقدوا بان المؤتمر السادس هو مؤتمر حكومي والحقيقة هي أن قانون الاحزاب السياسية 2007 لا يلزم الاحزاب باقامة مؤتمراتها العامة في الوقت الذي يحدده القانون بالمادة (18/1) "على كل حزب سياسي أن يعقد مؤتمراً عاماً مرة كل خمسة سنوات على الاقل".
ونشيد بموقف المفصولين والموقوفين من الحزب بعدم اللجوء لمسجل الاحزاب، حيث كان بإلامكان عرقلة قيام المؤتمر ، وهو على الرغم من أنه من الحقوق القانونية لهم، إلا أنه أيضاً من أشكال العمل الاداري، التي لجأت لها قيادة الحزب، ويبدو أن قيادات الحزب كانت على يقين بان الشفيع وغيره لن يتقدموا بشكاوى لمسجل الاحزاب (الحكومي) رغم علمهم أن الحزب مسجل بقانون يضمن حقوق الاحزاب وأيضاً العضوية.
وان عقد الاجتماعات خارج الاطر التنظيمية ننظر إليه من جهة ضيق الديمقراطية ومن جهة أخرى أن هناك فئة قليلة في الحزب، وذات أغلبية في اللجنة المركزية تعمل على فرض وصايتها، ويبدو وكأن الامر صراع على سلطة الحزب، فاللجنة المركزية لم تشهد صراعاً فكرياً من أي نوع، وأن حل الاشكالية بسيط للغاية:
إلغاء الاجازة الشكلية للجنة المركزية الجديدة (المعدة سلفاً) عبر أجتماعات طويلة.
إنتخاب المؤتمر العام لقيادة تعمل على التحضير لعقد مؤتمر إستثنائي خلال عام واحد لانتخاب قيادة اللجنة المركزية والمكاتب القيادية والمتفرغين الحزبيين بإلانتخاب من أسفل إلى أعلى بقاعدة فرع الحزب وهو ذات ما أشار إليه المؤتمر الرابع 1967 ودعا له عبدالخالق.
(4)
حقوق إعضاء المؤتمر
إن حقوق أعضاء المؤتمر العام معلومة، وأن المؤتمر الناجح تنظيمياً هو الذي يرتبط بالتحضير الجيد والاختيار السليم للمناديب، وحقوق المناديب:
1- التاكد من إنتخاب القيادات من أسفل إلى أعلى وأن الزملاء الذين لا يكسبون ثقة الهيئات الدنيا لاوجود لهم في الهيئات العليا.
2- بيان الاسباب الفكرية والعملية لايه تعديلات في البرنامج واللائحة مقارنة بما هو ساري قبل التعديل.
3- محاسبة اللجنة المركزية السابقة على إدائها.
4- النظر في حالات الفصل من العضوية ومن اللجنة المركزية لإجازتها أو رفضها.
5- الموقف من إنفاذ مقررات ونتائج المؤتمر الخامس.
6- مناقشة التقرير المالي.
7- إنتخاب قيادة اللجنة المركزية الجديدة (ومن حق إعضاء المؤتمر ترشيح أعضاء لقيادة الحزب بخلاف القائمة المعدة سلفاً)
8- ومن حق المؤتمر إضافة أي أجندة جديدة لاعماله.
 في الحقيقة أن المناديب لن يتمكنوا أبداً من ممارسة حقوقهم:
فمحاسبة اللجنة المركزية على ادائها كقيادة للفترة مابين المؤتمرين تتطلب إعداد تقارير وافية عن مجمل النشاط وهذا لن يحدث، ومشروع التقرير السادس للمؤتمر جاء وصفياً، ويصلح لأي حزب شيوعي في بلد نامي بعد تعديلات طفيفة في النسب والارقام، بما يتؤام مع أي دولة، لذلك يصعب للغاية أن يكون التقرير مدخلاً لتقييم الفترة بين المؤتمرين، وهو مماثل للتقارير التي تقدم في ورش عمل منظمات المجتمع المدني.
 ولتفادي تقديم اللجنة المركزية باداة المكتب التنظيمي تقريراً عن حالات الفصل من العضوية ومن اللجنة المركزية (2009-2016) لاجازته او رفضه وهو تقرير يجب علي اللجنة المركزية تقديمه ، فإن القيادة وعن طريق (الديوانية الحزبية) قد أخطرت بعض المفصولين أنه من حقهم الإستئناف أمام المؤتمر وهنا تتخلي اللجنة المركزية عن واجبها وتحول (الحزب) إلي منظمة طوعية وكان سليماً أن يبعث الشفيع برسالة للمؤتمر.
 لن تقدم القيادة أيه دواعي فكرية أو عملية لأيه تعديلات في البرنامج واللائحة بدلالة أن هذا الواجب تم التخلي عنه في المؤتمر الخامس وقبل المناديب التنازل عن حق من حقوهم.

(5)
القيادة المذدوجة الجنسية والولاء
اجتماعات المكتب السياسي واللجنة المركزية غارقة في إعداد القائمة المعدة سلفاً وبالتوافق مع وضع معايير للتوافق منها (كبر السن) و(الحالة الصحية) ومعروف ان للحزب الثوري تقاليده ومعاييره في انتخاب القيادات فالحزب الثوري من معاييره:
1- لايتم اختيار القيادات بالتوافق بل بالصراع الفكري والنقد الذاتي وحتي تتخلي القيادة القائمة عن المبدأ فإن ناطقها الرسمي ظل يكرر (الحزب علي قلب رجل واحد قيادة وقاعدة) ولكننا نري خلاف ذلك:
صراع تيارات (منكور) كل يتهم الآخر بتصفية الحزب فاصبحوا جميعاً مصفيين كما شرح علاء الدين محمود.
2- رصد النشاط الثوري (الممارسة) والقدرات علي مواجهة المصاعب وحلول المشكلات ... الخ.
3- المسلك الشخصي: فالعمل القيادي لايفصل بين الخاص والعام
ومن المعايير الجديدة واجبة الإضافة (إزدواج الجنسية) فإن كان الإزدواج مقبولاً عند العضوية العادية فإنه يلزم تقييده بالنسبة لقيادة الحزب ومكاتبها القيادية والمواقع القيادية في الدولة فالقيادي الشيوعي لايكون مزدوج الإنتماء ولا مزدوج الولاء (عضو في اللجنة المركزية وعضو في حزب العمال البريطاني أو الأمريكي وغيرذلك).
وتجيد الحزب في المؤتمر الخامس لم يراع تجديد معايير اختيار القيادات لذلك نجد كثيراً من ذوي الجنسيات المذدوجة في اللجنة المركزية القائمة.


(6)
الهبوط الناعم في الجزر المعزولة
من السنن الجديدة في المؤتمر الخامس خلافاً لماجري العمل عليه منذ (1946) تقسيم عضوية المؤتمر في صورة لجان توزع عليها مواضيع النقاش وتنعقد سراً وهذا الأسلوب(الجزر المعزولة)تم تبريره بضرورات (التأمين) وهكذا واصلت المركزيه المطلقة سطوتها علي المؤتمر العام. حيث لايلتقي المؤتمرون إلا في جلسة واحدة ختامية لإجازة توصيات اللجنة وانتخاب القيادة.
والسكرتير السياسي المكلف يؤكد ان المؤتمر سينظر في توسيع الديمقراطية في الحزب كمسألة ضرورية وأساسية ومؤشر صدقيته (طريقة عمل المؤتمر).. واستمرار أسلوب الجزر المعزولة يصادر حقوق المؤتمر ويجعله شكلياً. واهداف هذا الاسلوب:
1- تقييد المناقشات العامة ومنع تبادل المعلومات وكذلك عرض تجارب المناطق المختلفة (تغييب العقل الجماعي).
2- تأمين وحماية الاختراقات في الحزب وفي لجنته المركزية التي أكدها أكثر من عضو فيها .
3- الوصول إلي قيادة من (اتجاه واحد).
4- منع التنسيق بين المؤتمرين وبالذات المختلفين مع سياسات اللجنة المركزية ،فإذا شرعوا في التنسيق خارج المؤتمر فهم متكتلون ومنقسمون وإذا أرادوا التنسيق من داخل المؤتمر لايستطيعون بطريقة الجزر المعزولة.
فما العمل؟
ولا تكتفي القيادة بذلك بل انها منحت نفسها حق(فحص)المؤتمرين المنتخبين وابعادهم(وهؤلاء هم الذين يجب عليهم الطعن في إجراءات انعقاد المؤتمر وإذا لم يفعلوا فهم شركاء في الجريمة)
إن جهاز الحزب ولجنته المركزية يعملان بجرأة علي تحريض العضوية علي الانقسام وهذا لن يحدث. الحقيقة ان جهاز الحزب ولجنته المركزية يفصلون انفسهم عن القواعد ويخرجون من الحزب بطوع اختيارهم.
وأمام الشيوعيين السودانيين قضايا فكرية وسياسية تتعاظم يومياً مع تعاظم الأزمة الوطنية الشاملة. وأكثر القضايا إلحاحاً هي مسألة التحالفات السياسية وبناء الجبهة الديمقراطية ويجب إنهاء العمل المعارض الذي يقوم علي ساقين الأولي للإنتفاضة والثانية للتسوية. وهذا من مهام المؤتمر العام للحزب طالما هو منعقد والذي عليه التأكيد أو المراجعة لماقرره المؤتمر الخامس, فقد سئم الناس كل الناس مواقف البرجوازية الصغيرة المتذبذبة في قيادة الحزب التي تمسك إسقاط النظام بيد والحفاظ عليه باليد الاخرى.
إن أخر كلمتين نطق بهما الكنين قبيل سفره لامريكا هما "نحن مع الهبوط الناعم" وسبقه يوسف حسين بالقول أن الظروف الموضوعية للثورة لم تنضج بعد وهذه سنة الله في الارض حتى جاءت لجنة الاتصال السياسي بأفادات جديده "تحت قيادة المكتب السياسي" (ويجوز كالعادة إصدار نص لما نشرته الصحف( لكن المؤكد أن القيادة إجتمعت واختارت الممثلين لحضور إجتماع باريس الاخير ثم تراجعت.)
وكانت أبرز إفادات لجنة الاتصال:
1- قوى نداء السودان تسير باتجاه التسوية وهي حقيقة يجب أن ننظر إليها كواقع، وان حزب الامة وقطاع الشمال سيوقعان على خارطة الطريق رضوخاً للضغوط الامريكية والتسوية ليست كفراً إذا شارك الحزب فيها.
2- إن الحزب الشيوعي منى نفسه بمد ثوري لإقتلاع النظام، وأن هذا الامر غير حقيقي، والتظاهرات والوقفات الاحتجاجية ليست مداً ثورياً على الاطلاق، وأن الحزب الشيوعي ينتظر شيئاً يطول إنتظاره.
لا نعجب لما توصلت أليه اللجنة أو أقوال القيادات في مركز الحزب فهم يستعجلون اللحاق بالوظائف المجانية في المجالس التشريعية والمجلس الوطني والسلطة التنفيذية، وهم في ذلك يهربون من كل مطالبات قطاع الشمال الذي يؤكد دائماً في كل أدبياته على مفردة (الشعوب السودانية) لا (الشعب السوداني) ويطالب بحكم ذاتي لمناطق دون أخرى ثم يطالب بحق الشعوب في تحقيق مصيرها.
أما السكرتير السياسي المكلف (الثورى) فهو أكد قبل أكثر من عام أن الظروف الموضوعية قد نضجت ولكن العجز الذاتي يحول دون إسقاط النظام، وكأنه يجهل، أو قد يجهل تفسير العجز الذاتي الذى هو العجز القيادي، الذي هو عجزه .
ونصدقه وبعد ساعات يتوجه للمطار فيمنع من السفر إلى باريس أو أديس أو برلين، في حين أن إسقاط النظام يبداء من أمبده والحاج يوسف والثورات وكل أنحاء السودان.
إن المؤتمر العام الشكلي هو مفتاح الهبوط الناعم في الجزر المعزولة.
أشـــــــــــــــــــــــــــــــاره: قامت لجنه فحص العضويه المنتخبه بأستبعاد أعضاء مؤتمر انتخبتهم مناطقهم تطبيقا لمبدأ ( الديمقراطيه الثوريه).

khogali17@yahoo.com

 

آراء