الجلد بسوط ” العنج ” والجلد بقلم ضياء الدين بلال

 


 

سارة عيسى
11 December, 2010

 


           لا زال الناس يتمثلون بمقولة الحجاج بن يوسف الثقفي : سوف أضربنكم كضرب غرائب الإبل وسأحزمنكم مثل حزم السلم ، والإبل الغريبة هي التي ترد مورد الماء الذي لا يخص صاحبها ، وقد عُرف عن الإبل الصبر والجلد ، فهي تحتمل السياط من أجل شرب الماء ، لذلك يحتاج الرعاة لوسيلة تجعلها تحس بالألم حتى تفزع من مورد الماء  ، هذه المقدمة تعيدنا لصناعة سوط العنج في السودان ، وهو مثل السوط الذي أستخدمه الشرطيان في جلد تلك الفتاة المسكينة ، فهو يصنع من جلد الإبل ويقوى عن طريق مادة القطران ثم يحمس بالنار حتى يصير قوياً ، وهذا السوط أشبه بالسيف ، فأحياناً يقطع جلد الظهر ويدميه ، ومن يشاهد حلقات البطان يستطيع أن يرى الدماء وهي تنزف من ظهور الرجال بسبب هذا السوط ، ولذلك مهما كتبنا ومهما لعب بنا الخيال لا نستطيع أن نصل لحجم الألم الذي بلغته تلك  الفتاة المكلومة ، فهي كانت تتوسل لشياطين من الشر لا تعرف قلوبهم الرحمة ، وكان الشرطيان في غاية البهجة والسرور وهما يتناوبان على ضربها ويستمتعان بصراخها وهو تحاول أن تحمي بيديها  بقية جسدها الذي حرقه السوط ، ومن المفارقات أنهما كان يطلبا منها الثبات ، وعندما حاولت أن تحتمي خلف سيارة القاضي قاما بمباغتتها بالجلد في إماكن حساسة ، أنها جلسة تعذيب ممنهجة في الهواء الطلق ، صحيح أن أديبنا الطيب صالح وهو في النزع الأخير صفح عن رجال الإنقاذ وقبل توبتهم ، لكنه لو راي هذا المشهد لأدرك أنه كان محقاً عندما تسآل : من اين جاء هؤلاء الناس ؟؟

      هذا هو المشروع الحضاري الذي يبشرون به ويظنون أنه الوسيلة الوحيدة لربط قيم أهل الأرض مع قيم أهل السماء ، غضب الخليفة المعتصم لأن الروم أهانوا إمرأة في عمورية ، غضب لأن هذه المرأة أستغاثت به وصاحت : يا معتصماه ، بسببها جهز الجيوش وغزا البلدان ، أما هؤلاء ،  فهم يشحذون سياطهم من أجل تعذيب فتاة مغلوبة ، ولذلك ليس من الغريب أن تكون جنحة راسهم لدى المحكمة الدولية هي إغتصاب النساء ، فالقضية ليست فلتان في قاعة المحكمة كما حاول أن يصورها الصحفي ضياء الدين بلال عندما وصفها بأنها فضيحة الشرطة ، إنها ليست فضيحة الشرطة ، فهؤلاء موظفين في جهاز  الدولة  وعليهم تنفيذ الأوامر  ، والجلاد " قدو قدو " لا يعرف شيئاً عن المشروع الحضاري ، ومن صناع هذا المشروع الدكتور نافع  والذي كان تعليقه على الحادثة  واضحاً  ، فقد قال أن هذه الفتاة جُلدت لأنها غير محترمة ، بل أنه اقترح لها عقوبة  القتل لو علمنا حجم الجرم الذي أرتكبته ، فهو لم يقول أن هذا العمل هو من إختصاص الأجهزة العدلية ، فهذه دبلوماسية وتهذيب لا يملكها الدكتور نافع الذي اشتهر بزراعة فن التعذيب في السودان ، فالقضية أكبر من الشرطيين والقاضي الذين ظهروا في مقطع الفيديو ، القضية هي  المشروع الحضاري الذي أدى لإنفصال الجنوب وتشرذم البلاد ، وها هو الآن يقود فتيات السودان  عن طريق السياط .

سارة عيسي

  sara_issa_1@yahoo.com

 

آراء