تقرير: خالد البلوله ازيرق dolib33@hotmail.com الخرطوم عادت لسكينتها، بعد ثلاثه أيام من التظاهر ضد قرار توقيف المحكمة الجنائية الدولية ضد السيد رئيس الجمهورية، هدوء وان بدأ ظاهراً على طرقات المدينة التى شهدت كثير من الانفعالات نتيجة القرار، ولكنه لم يبلغ النفوس بعد، فاعلان المذكرة كانت ضربة البداية لمشوار طويل ستمضي فيه الخرطوم مع المجتمع الدولى، وهو ما عناه السيد نائب رئيس الجمهورية في مؤتمره الصحفي حينما اشار الى ان معركة السودان القادمة ليست مع المحكمة الجنائية الدولية وإنما في مجلس الأمن الدولى. وإن كان نائب الرئيس على عثمان محمد طه قد اشار الى ان المعركة ستدار من مجلس الأمن الدولى، فإن العالمين ببواطن الامور يرون ان آليات تلك المعركة تظل هنا في داخل بدفع مستحقاته بكل تعقيداتها وتقاطعاتها، وهى مستحقات ظلت مصدر قلق للكثيرين خوفاً من انهيارها وعدم الايفاء بها نتيجة لتدعيات قرار المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس الجمهورية، ولكن مؤشرات الايام الفائته حملت كثير من التطمينات بالسير قدوماً في اتجاه تنفيذ اتفاقيات السلام الموقعه واحداث التحول الديمقراطى المنشود في البلاد بموجب اتفاقية السلام الشامل والدستور، وهو استحقاق مازال يكتنفه كثير من الغموض والصعوبات خاصة لجهة التحول الديمقراطى كأحد المخرجات التى يأمل ان تنشل البلاد من أزماتها الراهنة. فما ينتظر الممسكين بمفاصل الدوله تحدى لا تقل مواجهته عما يقومون به في مواجهة المحكمة الجنائية الدولية، خاصة الحزب الحاكم "المؤتمر الوطنى" الذي يسعي لإستثمار التعاطف الشعبي في رفضه لقرارات توقيف السيد رئيس الجمهورية، وهو تعاطف يدرك أهل المؤتمر الوطنى الى أنه يحتاج لبناء قاعدة صلبه لجمع الصف الوطنى، وهى قاعدة لها مستحقاتها ومتطلباتها التى ترتبط بالتحول الديمقراطي والحريات وتعديل القوانين المقيده لها كاحد المخارج للازمة الراهنة. وإن كان رئيس الجمهورية قد أمن في لقاءاته مع القوى السياسيه بعد صدور قرار التوقيف بحقه من المحكمة الجنائية الدوليه، فإن كثيرون يشيرون الى أن ما جري يعد فرصة جديده يجب على المؤتمر الوطنى استثمارها لصالح مشروع التحول الديمقراطي ومستحقاته، لإعتباره المخرج الحقيقي والمثالي من الازمة الراهنة بكل تعقيداتها، وهو ما حملته مضامين كلمات ممثلي القوي السياسيه عند لقاءها بالسيد رئيس الجمهورية التى أشارت الى ضرورة تعديل القوانين المقيدة للحريات واحداث التحول الديمقراطي المطلوب وفقاً لدستور واتفاقية السلام الشامل، وهى جملة القضايا التى تتوقف عندها القوى السياسية كثير لاحداث التغيير وتلبية متطلبات المرحلة القادمة بموجب الدستور واتفاقية السلام. وهو التحدى الذي يواجه المؤتمر الوطنى في ان يثبت للقوي السياسيه بعكس ما تراه فيه من عدم جدية في تعديل القوانين المقيدة للحريات ودفع مستحقات التحول الديمقراطي من الحريات، فالمؤتمر الوطنى الذي تتهمه القوي السياسيه بالتماطل والممانعه في احداث ذلك فإن ما يجري من حوله من تفاعلات عقب صدور مذكرة توقيف السيد رئيس الجمهورية من قضاة لاهالى، تكاد تشكل اعظم الفرص لإحداث ذلك، وللإقتراب اكثر من القوي السياسيه لتحقيق جمع صف وطنى يستطيع بمساهمة الجميع العبور من المأزق الراهن. وكان نائب الرئيس على عثمان محمد طه قد قال في مؤتمره الصحفي الاربعاء الماضي "إن مؤسسة الرئاسة ترفض قرار المحكمة بتوقيف الرئيس البشير ولن تستجيب له، وستعمل على مناهضته بكافة السبل السياسية والقانونية، وأن الحكومة ملتزمة باتفاقات السلام وكافة المواثيق والإتفاقات الدولية الموقعة معها، وستواصل مساعيها لتحقيق السلام فى دارفور، وهى تتمسك بحقها الدستورى فى تطبيق القانون لضمان إستقرار الأوضاع وإستتباب الأمن، وأنها تثق فى صمود الشعب السودانى وقدرته على تجاوز هذا الامتحان وتشيد بتضامن القوى السياسية والمجتمع المدنى مع الموقف الرسمى". ما حمله حديث نائب الرئيس على عثمان محمد طه شكل حالة اطمئنان للقوي السياسيه بعد تخوف اعتمل في نفوسها خشية من ردة الى العهد الاول والعودة بالبلاد لمربع الانقاذ الاول نتيجة تداعيات مذكرة التوقيف، نتيجة لإستنتاجات كرسائل كانت ترد عبر قيادات الاجهزة الامنيه لمؤيدي قرار المحكمة الجنائية الدولية. الا ان ردة الفعل الحكومى المتعاطيه بهدوء ومسئوليه بحسب ما اشار اليه السيد رئيس الجمهورية، كانت تبشير بمزيد من الانفتاح السياسي بكامل مستحقاته، وهو ما دفع مراقبون الى تحزير الحكومة بأن لا تفهم ان التعاطف الذي وجدته من الجمهور بان يدفعها لمزيد من التشدد والتحكم في الدولة، وانما يجب أن تستثمر ذلك لتقرب أكثر من تلك الجماهير عبر تنظيماتها السياسيه بإتاحت الحريات المطلوبه وتخفيف أعباء المعيشة على المواطنين. وهو ما أشار إليه الدكتور الطيب زين العابدين أمس بقوله "ان الحكومة وجدت تأييدا شعبيا كبيراً يرفض قرار الجنائية الدولية بصفته مهيناً للبلد فى شخص رئيسه ورمز سيادته، وهذا السند الشعبى يمنح الحكومة ابتداءً رصيداً سياسياً ومعنويا تعتمد عليه فى مواجهة القرار، ولكنه يحتاج الى سياسات داعمة له حتى يتحول الى أرضية صلبة تقف عليها كل القوى السياسية والمدنية متوحدة وراضية بمنهج الحكم وسياساته لمعالجة مشكلات البلد، وقال لا أستطيع أن أدعى أن سياسات المؤتمر الوطنى – بصفته الحزب الغالب فى السلطة – لمعالجة مشكلات البلاد الرئيسة تتمتع بالرضى من كل القوى السياسية المؤثرة بما فى ذلك الحركة الشعبيه نفسها وهى شريكته فى الحكم، فما زالت روح الشمولية وحب الهيمنة على السلطة والثروة والتعالى على الآخرين تسم سياساته العامة، ولعل قول الأستاذ على عثمان فى المؤتمر الصحفى بأن الحكومة ملتزمة بقضية التحول الديمقراطى تشير الى بعض ما تشكو منه أحزاب المعارضة بأن القوانين السارية ما زالت متناقضة مع الدستور الانتقالى ولا تحقق التحول الديمقراطى المطلوب. القوي السياسيه حرصت في لقاءها بالسيد رئيس الجمهورية، يوم الجمعه الماضي ببيت الضيافة، على التذكير والخروج بالضمانات تجاه التحول الديمقراطي والحريات، بعد تأكيد الرئيس البشير على ان الانتخابات المقبلة ستكون حرة ونزيهة، تلك التطمينات التى ارادت القوي السياسيه ان تقف عليها من خلال ما قيل في حضرة الرئيس الشبير، فقد طالب مساعد رئيس حزب الامة اللواء فضل الله برمة ناصر، الحكومة بالتعامل الهادىء مع قرار المحكمة الجنائية، والسعي الى مصالحة وطنية عبر برنامج يجمع القوى السياسية حول قضايا الحريات والانتخابات والاستفتاء على مصير الجنوب وحل أزمة دارفور. فيما دعا نائب الامين العام للمؤتمر الشعبي عبد الله حسن أحمد الى منبر قومي لمعالجة قضايا البلاد، وطالب بتغيير القوانين المقيدة للحريات لتهيئة الاجواء للانتخابات، ومنح الشعب حريته وتحقيق سلام عادل فى دارفور واقرار العدالة، والتصدى لاى محاولات لفرض عقوبات على البلاد. من جانبه دعا وزير "الجيش الشعبي" نيال دينق الى النظر فى تبعات قرار توقيف البشير وليس فى القرار ذاته، مطالبا بتنفيذ اتفاقات السلام ومعالجة المصاعب التى ستعطل اجراء الانتخابات وتسريع عملية السلام فى دارفور وناشد الحكومة باتخاذ خطوات ايجابية، محذرا من انتخابات جزئية. لكن القوي السياسيه مازالت تتوجس من المؤتمر الوطنى واجهزة الدوله، لذا يبدو تحمسها لتطمينات الحكومة بشئ من الريبة لا تبدي حماساً لضغط على المؤتمر الوطنى واستغلال حالة التقارب بينه والقوي السياسيه لإحداث التحول المطلوب، لذا تنظر للحركة الشعبية وتعول عليها في تحقيق تلك المعادلة من خلال شراكتها مع المؤتمر الوطنى، وهو ما اشار اليه بيان الفريق سلفاكير ميارديت نائب رئيس الجمهورية ورئيس الحركة الشعبية الذي قال فيه "يجب ان نواصل عمل الاشياء التى تضمن وتحافظ على السلام والاستقرار فى بلادنا, كما يجب ان نواصل تعزيز الامن والحماية لكل المواطنيين السودانيين وكل الاجانب المقيمين بالسودان، معلنا ان الحركة الشعبية سوف تعمل مع شريكها المؤتمر الوطنى فى كيفية معالجة القرارات بطرق سياسية ودبلوماسية وسوف يعمل الحزبين معآ باخلاص وجدية على معالجة موضوع دارفور والتنفيذ الكامل لاتفاقية السلام الشامل وسوف تسعى من اجل عملية الالتئام والمصالحة الوطنية. قرار توقيف الرئيس البشير الذي اصدرته المحكمة الجنائية الدوليه، شكل حالة من التعاطف الجماهيري مع رئيس الجمهورية في رفض القرار، فهل تفلح الحكومة في ترجمة هذا التعاطف لصالح مشروع التحول الديمقرطى المطلوب وبكل مستحقاته، بعد أن وفرت المحمكة الجنائية الدولية بقرارها فرصة نادرة لتحقيق ذلك وسط القوي السياسيه!!.