الجنوب … حصاد اربع سنوات من نيفاشا … تقرير: خالد البلوله ازيرق
9 July, 2009
khalid balola dolib33@hotmail.com
اربع سنوات تنقضي اليوم على بدء تنفيذ اتفاقية نيفاشا، الذي انطلق في مثل هذا اليوم من العام 2005م. سنوات انتظرها الجنوب قرابة "21" عاما هى سني الحرب التى خاضتها الحركة الشعبية ضد الحكومة المركزية بالخرطوم. وبعد مضي الأربع سنوات على خطوات التنفيذ التى بدأت تسري في الجسد الجنوبي عبر حكومة "شبه" مركزية تختص بشئونه وادارته، كيف تبدو محصلة تلك السنوات من السلام على خطوات البناء والتنمية والتطور لدي انسان الجنوب.
ما يحسب لإتفاقية السلام الشامل أنها بعد أن وضعت حداً للحرب الأهليه، أنها أسست للجنوب نظام حكم وهياكل تشريعيه وفقاً لما يجري في الحكومة المركزية، فبعد تعيين رئيس حكومة الجنوب، تم تشكيل حكومة الجنوب بكامل طاقمها التنفيذي، وتعيين المجلس التشريعي لحكومة الجنوب وفقاً لما نصت اتفاقية نيفاشا.
ولكن بعد مضي أربع سنوات على بدء تنفيذ "نيفاشا" كيف تبدو صورة الجنوب من واقع التنفيذ الفعلي لها وانعكاسها على المواطن. كثيرون يعدون ان مجرد وقف الاقتتال عبر الاتقافية يعد الأنجاز الأكبر للاتفاقية في جنوب السودان، الذي بدأت فيه بعد ذلك الحياة تسري بصورة شبة طبيعيه عدا بعض التوترات القبلية والأمنية التى كانت تقوم بها المليشات العسكرية المتعدده التى إنشقت في أوقات سابقة عن الحركة الشعبيه، والآن يكاد يكون نشاطها قد خمد تماماً بعد توفيق أوضاعها إما بالإنضمام للجيش الشعبي أو الالتحاق بالقوات المسلحة، تزامن ذلك مع إكتمال تنفيذ بروتوكول الترتيبات الأمنية بين القوات المسلحه والحركة الشعبيه، فيما عاني الجنوب طيلة الأربع سنوات الماضية خاصة السنتين الأولى لتنفيذ الإتفاقية من نشاط مجموعات جيش الرب اليوغندى المتواجد بالجنوب منذ قبل توقيع اتفاقية السلام، حيث أدت عمليات النهب والسرقة والاقتتال التى يمارسها منتسبي جيش الرب الى زغزغت الأمن والإستقرار هناك كثيراً خاصة في مناطق الاستوائية وبحر الجبل. ويكاد يكون الجنوب حالياً بعد توفيق أوضاع المليشات العسكرية وإخماد حركة جيش الرب، واحكام الجيش الشعبي وحركته على مفاصل الحياة بالجنوب، يعد خالياً من أى توترات عسكرية سوي الصراعات القبلية التى تندلع وتتجدد بين القبائل بين الفنية والأخري. ولكن الدكتور ابيغو اكوك، مدير مركز السلام والتنمية بجامعة جوبا، قال في مائدة احتمالات الوحده والانفصال أول امس "ان نيفاشا طرحت ان تكون الوحدة جاذبة، لكن الاشياء التى تجعل تلك الوحدة جاذبة في الجنوب غير موجوده، فالتخلف ازداد وكذلك عدم الاستقرار، وقال في ظل اتفاقية السلام الشامل قتل "2400" شخص فهناك خطر أمنى في الجنوب، وأضاف ان بالجنوب جيل كامل لا يعرف شئ عن الشمال بل يستنكر التواصل معه". وكان ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بالسودان أشرف قاضي، قد قال في وقت سابق"أن أوضاع مأساوية تضرب في أنحاء جنوب السودان وحصدت في الآونة الأخيرة من الأرواح أكثر مما سقط نتيجة الأوضاع في دارفور". وذهب كثيرون الى أن قاضي "يريد لفت الانتباه إلى الحقيقة المؤسفة من أن الجنوب بدأ ينزلق إلى سابق عهده من انعدام الأمن على نطاق واسع. ويعتبر التناحر القبلي الذي ينشب بين القبائل سببًا في سقوط معظم الضحايا في جنوب السودان. وفاقم من تلك المشاكل ان حكومة الجنوب ظلت تعاني من تدني أسعار النفط إلى النصف تقريبًا في العام المنصرم والذي يعد مصدر دخلها الوحيد تقريبًا. ورغم ان الكل يكاد يجمع على ان تطبيق نيفاشا حقق نوعاً من الاستقرار الأمني، إلا ان البعض اختلف حول رفعها للمظالم عن الجنوبيين وتحسين أوضاعهم. فيما تمثلت إيجابياتها كذلك في عودة مئات الآلاف من ابناء الجنوب اللاجئين بدول الجوار الى أوطانهم، فيما بدات رحلات داخلية للنازحين من الشمال للاستقرار في الجنوب رغم المشاكل والعقبات التى تواجه تلك الهجرات.
وقال السيد جوزيف أوكيلو وزير العلاقات بالمجلس الوطنى رئيس حزب سانو، لـ"الصحافة" ان كثير من السياسيين يقيمون حصاد نيفاشا ويتهمون بالجنوب بالتقصير دون أن يعملوا مقارنة بإنجازات حكومة الوحدة الوطنية، وقال ان اهم شئ أنجزته نيفاشا للجنوب أنه تم تكوين أجهزة الحكم بطريقة مرضية وتمت اجازة الدساتير والتشريعات، وفي جانب الأمن تم اكتمال ترتيبات البروتكول الامنى، ولكنه قال ان الإندماج لم يتم بطريقة مرضية حيث هناك بعض المليشات مازالت تحمل السلاح تتسبب في انعدام الأمن في المنطقه بالاضافة لقوات جيش الرب، وفي مجال التنمية قال ان حجم الدمار في الجنوب زمن الحرب كان كبيراً ولم يترك أى بنية تحتيه، ورغم ذلك فإن هناك أموالاً كبيره لم تذهب لتنمية بل صرفت في المرتبات، وتم تجاهل التنمية خاصة الطرق والجسور والزراعة لم تنجح فيها حكومة الجنوب".
ومن ناحية التطورات السياسيه إختلفت التقديرات حول النجاحات التى اصابتها الحركة الشعبية الممسكة بزمام الإمور هناك، فالحركة الشعبية تشير الى ان الحياة السياسيه في الجنوب بدأت تشهد حراكاً كبيراً بفضل اتفاقية السلام الشامل خاصة وسط القوي السياسية الجنوبية، ويصف قادتها الحريات والسلوك الديمقراطي المتاح فيه بأنه افضل من الشمال، فيما يمضي المناوؤن للحركة الشعبية الى وصف الوضع السياسي هناك بأنه يفتقر لأدني مقومات الحياة السياسية نتيجة القمع الذي تمارسه قوات استخبارت الحركة الشعبية على النشاط السياسي، فيما يصف قادة شريكها المؤتمر الوطنى بان الحركة الشعبية عجزت حتى الآن في التحول لحزب سياسي وتدير الجنوب عبر استخباراتها مما أخر علمية الحياة السياسيه وممارستها في الجنوب خاصة للأحزاب الغير منضوية تحت لوائها، وذهب د.غازي صلاح الدين في تنويره لملتقي الاعلاميين السودانيين العاملين بالخارج الى القول "ان الحركة الشعبية فشلت في التحول لحزب سياسي، كما ان برلمان الجنوب منذ تعيينه لم يقم بإجازة سوي قانون واحد، مشيراً الى أن الحركة فشلت في ادارة الجنوب، وأنها ستلمت مبلغ "6" مليار دولار من الحكومة المركزية لم تنعكس على أى من مشاريع التنمية هناك". وكانت قوي سياسيه جنوبية أول أمس قد شكت في ندوة من انعدام الحريات في الجنوب، حيث دعا فاروق جات كوث الأمين العام لجبهة الانقاذ الديمقراطية، الحركة الشعبية لإدارة حوار مع القوي الجنوبية اعمالا لمبدأ التدوال السلمي للسلطه وخلق مناخ مناسب وطبيعي يسمح للقوي السياسيه بممارسة نشاطها. فيما قال المنهدس شارلس ديسانقا نائب رئيس الحركة الشعبية التغيير الديمقراطي، ان الوقت قد حان لتغيير الأوضاع في جنوب السودان نحو الافضل بعد ان فشلت الحركة الشعبية في ادارة الإمور بشكل صحيح".
ولكن ان كان الوضع الأمنى قد شهد تحسناً كبيراً خلال الأربع سنوات الماضية، واختلفت التقديرات حول التطور السياسي بالجنوب، فإن الكل يكاد يجمع على فشل حكومة الجنوب في احداث التنمية والتطور الاقتصادي المطلوب، ويصف بعض الجنوبيين الوضع هناك بأنه لم يحدث فيه أي تغيير يذكر خاصة من ناحية التنمية والإعمار، حيث لم تفلح حكومة الجنوب في احداث أى نوع من التنمية كما انها فشلت في تنمية الموارد والمداخيل الإقتصادية رغم ما يتمتع به الجنوب من قدرات وإمكانيات اقتصادية كبيره، بل ظلت حكومة الجنوب تعتمد في مواردها على قسمة عائدات النفط، حتى هذه القسمه يشير كثيرون الى أنها كان يمكن ان تنهض بعدد من البنية التحتية في الجنوب الأمر الذي لم يحدث، وقد بلغت تلك المبالغ حسب الحكومة المركزية "6" مليار دولار، تدافع حكومة الجنوب في بنود صرفها بأنها تمضي في البند الأول "مرتبات" التى ترهق كاهل خزانة الجنوب. ويحسب على حكومة الجنوب قصورها في تفعيل وتمكين المؤسسات الاتحادية بالجنوب من اداء دورها خاصة الجمارك والضرائب على الحدود حيث تنشط التجارة هناك مع اوغندا واثيوبيا، وبسبب ذلك تفقد حكومة الجنوب أموالاً طائلة كان يمكن ان تساهم في رفد خزنتها المالية ليس بالقليل من المال. كما يعاب عليها اقتصادياً في أنها فتحت الجنوب لتجار اليوغنديين والكينين ما أدي لإرتفاع تكاليف "المعيشة" ويري البعض أنها لو إنفتحت شمالا وسهلت حركة التجارة وتأمينها لكان الوضع المعيشي في الجنوب أفضل من الوضع الحالي.