الجنوب كسب براءته: العقوبات الأمريكية .. الشمال مسلسل فشل رفعها مستمر .. تقرير: خالد البلولة إزيرق

 


 

 


«الجنوب» دولة بلا عقوبات امريكية في التاسع من يوليو القادم، هكذا اعلنت الادارة الامريكية، التي اكدت استمرار العقوبات على شمال السودان، اجراء ربما يدفع بتسيهل انطلاقة عجلة الدولة الوليدة، في وقت يضع فيه سلسلة من القيود على الدولة الام، التي تبدو منهكة جراء العقوبات المفروضة عليها من قبل الادارة الامريكية، وظلت تهلث وراء رفعها بعد اجرائها للاستفتاء واستيفائها بمطلوبات اتفاقية السلام الشامل، لتصطدم بعقبة الابقاء على العقوبات التي تضع لها الادارة الامريكية عدداً من الشروط يجب تنفيذها قبل رفعها.
اذاً مرحلة جديدة من مسيرة العلاقات السودانية «الشمالي» الامريكية يبدو أنها أصبحت تتشكل، وبدأت ملامحها تطل في الافق مع اقتراب موعد اعلان الدولة الجديدة في الجنوب، الذي تشير كل الدلائل بحسب ما هو معلن حتى الآن، انه سيكون متحللا من كثير من ورثة السودان الدولية، خاصة فيما يتعلق بالعقوبات المفروضة والالتزامات الدولية. وقد مثل اعلان الادارة الامريكية عن رفع العقوبات الاقتصادية عن دولة الجنوب بعد التاسع من يوليو القادم، وتأكيد استمرارها على شمال السودان، أولى ملامح المؤشرات الجديدة للعلاقات بين الخرطوم وواشنطون، التي ظلت تراوح مكانها منذ قرابة العقدين من «شدَ» يصل الى حالة العداء، و»جذب» لم يرتقِ بتحسين علاقات بالقدر الذي تطمح فيه الخرطوم، التي كثيرا ما وعدت بتحسين علاقاتها مع واشنطون ورفع العقوبات عنها بناء على عدة شروط، تجدد وتتكرر، على فترات وفي مناسبات مختلفه، بدأت منذ توقيع قانون سلام السودان، ولم تنتهِ باجراء الاستفتاء والاعتراف بنتائجه.
الخطوة التي اعلنتها الحكومة الامريكية برفع العقوبات عن الجنوب، لم تكن مفاجأة للمراقبين للشأن السوداني والحراك الامريكي فيه، بقدر ما انها بدت متوقعه لدى الخرطوم الرسمية التي وصفتها بأنها لا تنطوي على جديد، بل مضت الى التحذير من أن أي ضعف او انهيار للاقتصاد في شمال السودان ستترتب عليه آثار سلبية على جنوبه. وكان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكي، قال في بيان له، عن تلقيه توجيهات من وزارة الخزانة برفع العقوبات الاقتصادية عن دولة جنوب السودان عقب الانفصال الرسمي عن الشمال، وأضاف أنه عندما يتم تشكيل دولة جديدة في جنوب السودان في يوليو القادم، فانه لن يتم تضمينها في العقوبات المفروضة على السودان لأنها لا تقع في أراضي السودان أو تحكم بحكومته. وأوضح البيان «هذه الأوامر لا تنطبق على شمال السودان» وقال البيان «في حالة الترتيب لتقاسم «عائدات البترول» بين حكومة الشمال والدولة الجديدة، وجعل حكومة الدولة الجديدة ملزمة بمدفوعات للحكومة «في الشمال» من بيع النفط، والأشخاص الذين يمكن أن ينخرطوا في هذا الأمر، فهذا يتطلب أذناً من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية».
ووصف مراقبون الخطوة التي اتخذتها الادارة الامريكية بانها نتيجة طبيعية للعلاقات المتميزة بينها والحركة الشعبية، بالاضافة الى انها خطوة تعكس سعي الولايات المتحدة الامريكية لاستثمار الرصيد السياسي الذي بذلته في جنوب السودان منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل، وتعزيزه من خلال السياسات الاقتصادية لتقوية الدولة الجديدة حتى تطلع بمسئولياتها. وقالت الحكومة السودانية ان الولايات المتحدة الامريكية قامت بالفعل باستثناءات كثيرة في منظومة العقوبات على السودان طيلة الفترة الماضية وتوسعت في هذه الاستثناءات ولم يتبقَ الا القليل الذي يمكن ان يستكمل في اي وقت، وعزا المتحدث باسم الخارجية خالد موسى في تصريحات صحافية، للعربية نت» الاعلان عن رفع العقوبات عن الجنوب لعدة اسباب، أولها أن الولايات المتحدة الامريكية استثمرت رأسمالا سياسيا كبيرا جدا، وكذلك انفقت الكثير من الاموال في بناء القدرات وتهيئة دولة الجنوب الجديدة، مضيفا أن «منظومة الاستثناءات السابقة لم تجعل للعقوبات الموجودة على الجنوب أي معنى والآن هي تستكمل فقط الاعلان القانوني عن ذلك» مشيرا الى ان الشركات الأمريكية تعمل الآن بالجنوب والحكومة الامريكية تنفق عليها الأموال، واضاف «ان اعلان الولايات المتحدة الامريكية رفع العقوبات الاقتصادية عن الجنوب دون الشمال يعزز من شكوك بعض قطاعات المجتمع السوداني بان امريكا ظلت تفضل التعامل مع جزء من الوطن دون الجزء الآخر، أو أنها تعمل على تقوية جزء واضعاف الجزء الآخر». وقد مثل الاعلان الامريكي بان الجنوب سيكون بريئاً من العقوبات الاقتصادية المفروضة على الخرطوم، خيبة أمل وسط المتفائلين بقرب رفع هذه العقوبات بعد الوعد الذي تقدمت به الادارة الامريكية بالسعي لذلك بعد اجراء استفتاء الجنوب والاعتراف بنتيجته، وكانت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون، قد تعهدت في آخر زيارة لها لابوظبي بعد اجراء الاستفتاء بتقديم المساعدة للجانبين «الشمال والجنوب» وقالت أمام عدد من طلاب الجامعات فى أبوظبي فى برنامج بثته شبكة «إم بى سي» العربية «ان السماح باجراء الاستفتاء هذا يمكن أن يشكل مثالا رائعا على النتيجة السلمية لنزاع طويل»، مضيفة أن الشطرين الشمالي والجنوبي من السودان سيحتاجان إلى الكثير من الدعم، وأشارت إلى أن الجنوب «الفقير جدا» يحتاج إلى استثمارات فى البنية التحتية والمدارس والمستشفيات، فيما يحتاج الشمال كذلك إلى استثمارات، وقالت «أعتقد أن علينا جميعا العمل مع شمال السودان والاستثمار فيه حتى يلمس فوائد العمل الشجاع جدا الذى قام به، لذلك دعونا نعمل معا لمساعدة الحكومة فى الخرطوم والحكومة فى جوبا على تقديم الأفضل لشعبيهما». ولكن الدكتور صلاح الدومة، استاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، قال لـ»الصحافة» ان الاعلان الامريكي يؤشر لبداية علاقات جديدة مع الجنوب كدولة مستقلة، وبداية مرحلة ضغوط جديدة لدولة الشمال، لدفعها باتجاه برنامج تقسيم السودان، وكذلك يمثل الاعلان الامريكي رسائل لنظام الانقاذ بانه سيظل تحت الضغوط وان المقبل عليه من الضغوط اكبر بكثير مما كانت عليه، واضاف الدومة «هذه الضغوط كانت متوقعة، لكن الحكومة تسير بلا «هدى وكتاب منير» وقال الدومة ان الولايات المتحدة صارت تنزع يوميا «مسماراً» من ماكينة النظام، مشيرا الى ان النظام ظل يرتكب كثيراً من الاخطاء في علاقاته الخارجية ويدفع الشعب ثمنها».
ويستبعد مراقبون ان تقدم الحكومة الامريكية برئاسة اوباما على رفع العقوبات الاقتصادية عن الخرطوم، لإعتبار ان قرار رفع العقوبات تلك ليس بيد الرئيس الامريكي وطاقمه حتى يكافئ به، لأنه قرار يخص الكونغرس الامريكي، وصدر بقرار منه ولا يمكن ان ترفع الا بقرار من الكونغرس نفسه، مشيرين الى انه ليس هناك ما يعكس ان الكونغرس تتطابق رؤيته مع الادارة الامريكية، خاصة وان معظم اعضاء الكونغرس ربما تكون رؤيتهم مختلفه تماما في التعامل مع السودان مع رؤية الادارة الامريكية. وقال السفير الرشيد ابوشامه، لـ»الصحافة» ان الاعلان تصرف وارد وطبيعي نتيجة للعلاقات الودية بين الجنوب والولايات المتحدة الامريكية، وقال ان ذلك يعني ان الجنوب رفعت عنه كل المقاطعة الاقتصادية وانه كذلك غير مدرج في قائمة الدول الراعية للارهاب، واضاف «هذه مسألة واضحة، وليس فيها جديد، لأن امريكا رفعت هذه العقوبات منذ زمن عن الجنوب وجبال النوبة والنيل الازرق ودارفور ومناطق النازحين في العاصمة، ووعدت بتقديم المساعدة لهذه المناطق وبالتالي ليس فيها مفاجآت» واشار ابوشامة الى ان الاعلان الامريكي يمثل خيبة أمل للحكومة السودانية التي وعدتها الادارة الامريكية برفع العقوبات عنها، وانها كانت تتوقع بحسب الوعد الذي قدمته امريكا ان تتحسن العلاقات ورفع العقوبات بعد الاستفتاء، وقال «الاعلان هذا حينما يتحدث عن تأكيد استمرار العقوبات على الشمال، يثبت الاتهامات الامريكية ضد السودان فيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية وادراجه في قائمة الارهاب».
وكان عدد من اعضاء الكونغرس الامريكي دفعوا بخطاب للرئيس الامريكي باراك اوباما «الخميس الماضي» اعلنوا فيه تمسكهم بعدد من الشروط للموافقة على رفع القيود المفروضة على السودان وتطبيع العلاقات، ابرزها موافقة حكومة «المؤتمر الوطني» على انهاء أزمة دارفور، حل مشكلة أبيي وفق تحكيم لاهاي، ايقاف دعم المتمردين في الجنوب، ايقاف جميع اشكال الدعم المقدمة لجيش الرب الاوغندي، التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، معالجة قضايا ما بعد الاستفتاء، والمشتملة على ترسيم الحدود والمواطنة، واخيراً التحرك في اتجاه التحول الديمقراطي. وسبق للادارة الامريكية التي تفرض عقوبات اقتصادية على الخرطوم منذ العام 1997م، ان رفعت في يوليو 2005م الحظر عن قطاعي «السكة الحديد والطيران» من جملة قطاعات وضعتها في السابق في لائحة الحظر الأمريكي الاقتصادي على السودان، ووعدت وقتها بان «الحظر سيرفع تدريجيا»، كلما تقدم السودان في تنفيذ اتفاق السلام وتحسن الوضع في دارفور، وقد رفعت في الفترة الاخيرة الحظر على المعدات الزراعية. كما سبق للادارة الامريكية ان رفعت تلك العقوبات على دارفور وجبال النوبة ومناطق النازحين بالعاصمة الخرطوم.

khalid balola [dolib33@hotmail.com]
 

 

آراء