الجيش: جنود الوطن وضباطه

 


 

 

كفى بك داءً

قال وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين في جلسة البرلمان الإثنين الماضي، 5 مايو، أن الجيش يواجه صعوبات شديدة في التجنيد عزاها في بيانه لسببين، ضعف المرتبات وجذب التعدين الأهلي والهجرة بالمقارنة مع الخدمة العسكرية. لذا، قال الوزير، استعان الجيش بمجندي الدفاع الشعبي والخدمة الوطنية الإلزامية لتغطية العجز في صفوفه. في ذات القضية كال الوزير عبد الرحيم اللوم لوزارة المالية أن حرمت الجيش من الموارد التي تلزمه. قال الوزير أن نسبة تنفيذ مشاريع الجيش في العام 2013، دون أن يفصح عنها، لم تتجاوز ثلاثين إلى خمسين بالمائة لنقص المال، يريد المزيد. إذا صح نقل الأخبار احتفظ الوزير آخر الجلسة بتقريره لنفسه بحجة أن حساسية ما فيه تمنع تداول نصه المكتوب بين النواب خوف تسربه للرأي العام.

يريد الوزير إذن المال العام هكذا بالثقة، لا من شاف لا من درى، ما ذكر في بيانه أمام المجلس سببا ظاهرا لتمنع وزارة الدفاع المزمن عن الخضوع للمراجع العام، حتى أصبح استثناء وزارته من المراجعة الحسابية، تشددت أو تواضعت، قاعدة لا داعي لتفسيرها، كده بس، كده بس! غرف الجيش من الميزانية العامة ما يشاء خلال سنين البترول السمينة، وقد ظهر بعض ذلك للرأي العام في مبانيه السامقة، قيادة القوات الجوية في هيئة طائرة لا تطير، وقيادة القوات البحرية في هيئة سفين لا يسير. رغم ذلك، قال الوزير في بيانه أن أوضاع مقرات الجيش ومعسكراته القتالية متواضعة لا تحفز أحدا على الانضمام إليه، الإعاشة في المعسكرات وأثناء العمليات ضعيفة والمباني غير مكتملة والمعدات ناقصة.

الفرق شاسع إذن بين حال صفوة الضباط في هرم القيادة العسكرية، من يعملون في حرز الطائرة أم قزازا أزرق والسفين ويفتح لهم بنك أم درمان الوطني الخزائن حتى أفرغوها مرة تلو الأخرى وبين جنود الجيش الذين صدوا عنه جملة بلسان الوزير إلى رزق التعدين الأهلي والجندية الكيري. إن أكرم الجيش ضباطه بأقساط العربات والشقق التمليك، وفوق ذلك معمار الطيارة والمركب، فقد شح صرفه على جنده المقاتلين، نصيبهم من البحبوحة التي كانت، كما يقود الاستنتاج من حديث الوزير، شق نبقة. لحل هذا التناقض، قرر الضباط أسياد الأمر الاستعانة بأصدقاء الدفاع الشعبي والخدمة الإلزامية محل الجنود مستحقي المعاشات. ترجمة ذلك خصخصة الجيش في مثل قوات الدعم السريع، حيث المقاتل مالك سلاحه، يسرح به ما شاء لا يستطيع نزعه ضابط والرزق تلاقيط.

رص الرئيس البشير أولويات الحوار الوطني كما بدت له، مجردات معلقة في هواء قاعة الصداقة المكيف، وانساق وراءه النادي السياسي يلهج بالانتقالية وما أدراك ما الانتقالية. لكن إن كان من حوار فليبدأ بما كتم وزير الدفاع عن نواب الوطني غير المؤتمنين كما يبدو على سر الدولة وهو مكشوف: الجيش، فطام ضباطه عن السياسة، ومنع سلاحه من التسليع، ومراجعة خزائنه بالحساب، ورعاية جنده بمال الوطن الحلال ألا ترهنهم الخصخصة للغنيمة من حق المواطنين الحرام.


m.elgizouli@gmail.com

 

آراء