الجيش هو أصل المشكلة ولب الأزمة 

 


 

فيصل بسمة
29 May, 2022

 

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.


يعتقد كثيرون أن الجيش هو أصل المشكلة و لب الأزمة السياسية الراهنة في بلاد السودان ، و أن جذور الكثير من المشاكل السياسية و الإدارية تعود إلى الإعتقاد السآئد لدى بعضٍ من العسكريين ، من صغار و كبار الرتب ، بأنهم هم ”الأوصيآء“ على مصالح جميع الشعوب السودانية ، و أن العسكريين هم الأجدر بتولي قيادة الحكم و الإدارة ، و أنهم حصرياً ”الرمز“ الذي يحمل العبء و يحمي الوطن!!! ، و قد ترسخت هذه المفاهيم في أذهان الكثير من العسكريين و المدنيين حتى كادت أن تصبح من المسلمات...

و مما يدعو إلى القلق الشديد و يثير الدهشة و يربك المشهد السياسي و يُعَقِّدُهُ كثيراً أن هنالك قطاعٌ ليس باليسير من عامة السودانيين البسطآء و كذلك خآصتهم من النخب ”رفيعة المستوى“ يوافقون العسكريين على إعتقاداتهم تلك ، بل و يؤمنون بأن ليس هنالك أفضل و أجدر من العسكر في القيادة و الوصاية و تولي أمر حكم البلاد و إدارة شؤون الدولة و العباد...

و يعتقد كثيرون أن جذور العديد من الأزمات السياسية في بلاد السودان تعود إلى سيادة و طغيان هذا المفهوم (وصاية العسكر) على الأمر العام ، و حق العسكر في الإستيلآء على السلطة بقوة السلاح متى شآءوا و أرادوا ، و في إنفراد العسكر بالرأي و القرار و فرض ذلك على الآخرين ، و في ضيق العسكر بالرأي الآخر المعارض و إزدرآءه ، و في عدم تقبل التوجيه و النقد...

و يظن/يعتقد كثيرون أن الكثير من التحالفات السياسية و الإنقلابات العسكرية في بلاد السودان لها علاقة وثيقة بمراكز صنع القرار في شمال وادي النيل ، و أن لها صلات بسنةٍ إستناها البكباشى (المقدم) جمال عبد الناصر و رفاقه في حركة الضباط ”الأحرار“ في الثالث و العشرين (٢٣) من شهر يوليو في سنة ١٩٥٣ ميلادية عندما إستولوا على الحكم بقوة السلاح و تمكنوا من مفاصل الدولة ، و ما تلى تلك ”الحركة“ من التقليد و حركات (حاكونا... حاكونا) العسكرية الإنقلابية المتعددة التي إجتاحت العالمين الإعرابي و الأفريقي...

و الظن/الإعتقاد أن تلك الإعتقادات العسكرية السلطوية نابعة من مباديء و مناهج التعليم و التدريب في المعاهد العسكرية ، عرين الأبطال و مصانع الرجال ، التي تُعَلِّمُ الدَّيَاشِي (العسكري) أنه في مصافٍ هي الأعلى درجةً ، و أن الدَّيَاشِي (الجياشي) يتفوق كثيراً على الإنسان المَلَكِي (المدني) العادي ، و ذلك لأنه ”رقمٌ“ له وزن و مقدار:

لو رَجَّعُو الملكية...

دياشي يوزن مية...

و الغالب أن أساس المشكلة يكمن في إعتقاد الدَّيَاشِي بأن الحالة الملكية (المدنية) تعني متلازمات: التراخي و عدم الإنضباط و فقدان المقدرة على العمل و الفعل و الإنجاز و المفضية جميعها إلى العجز و الفشل ، و أن العسكريين وحدهم يمتلكون المقدرات الخرافية و الإستثنآئية التي تمكنهم و تضمن لهم النجاح في القيادة و الإدارة و أمور الحكم و ذلك عن طريق إستنساخ و نقل الإنصياع المراتبي التنازلي في تنفيذ الأوامر العسكرية و تطبيق ذلك في الحياة المدنية ، و يبدوا أن لتلك الإعتقادات صلة و علاقة بالطبيعة التنازلية في تسلسل الأوامر في عالم الرتب العسكرية حيث الأصل في الإنصياع للأوامر العليا و تنفيذها مع إرجآء المسآءلة و النقاش و المراجعة ، إن وجدت ، لمرحلة ما بعد التنفيذ...

و يبدوا أن العسكريين لا يعلمون/يفهمون أو ربما أنهم لا يمتلكون الرغبة في تعلم أو فهم طبيعة العمل السياسي و الحكم المدني حيث الأصل في تقبل الآخر و إحترام الرأي المخالف ، و في حرية تبادل الأرآء و الأفكار ، و في التداول السلمي للسلطة ، و في تعدد السلطات ، و في مناقشة الدواعي ورآء القرارات ، و في دراسة تفاصيل الأمور و التي ربما تقود إلى الحوار المطول و الممل الذي قد تتخلله الإعتراضات و الإنتقادات و التحفظات تتلوها الإقتراحات ثم التعديلات و ذلك قبل اللجوء إلى الإقتراع الذي يفضي إلى القبول أو الرفض...

و يعتقد كثيرون أن أصل المعضلة في إعتقادات/إيمان العسكر في مقدراتهم القيادية ”الإستثنآئية“ ، و في تحالفاتهم السياسية و إستنتاجاتهم التي قادتهم مراراً و تكراراً إلى التدخلات المتسرعة و إلى تقويض الدستور و خرق القانون و الإستيلآء على السلطة بقوة السلاح ، و في إستخدام العنف و البطش و القمع و القتل لتثبيت أركان الحكم ، و في ممارستهم للتسلط و الجبروت و الطاغوت و الفساد و الإستعلآء على العباد بعد التمكن...

و أن المشكلة في إنشغال العسكر بالسياسة و الإقتصاد ، و في تورطهم في النزاعات الإثنية و القبلية و الجهوية ، و في إنغماسهم في الصراعات الفكرية و السياسية و في كل ما لا يخص العسكر و العسكرية...

و أن جوهر الأزمة في إنصراف العسكر عن مهامهم الأساسية المتمثلة في حذق الفنون العسكرية القتالية في الدفاع عن أراضي الوطن و صد العدو الخارجي و حفظ الأمن ، و في إحترام القانون و صون الدستور...

و أن الإشكال الأكبر في الفهم المغلوط لهذه المهام ، و في التغييب الفكري و الثقافي المصاحب للإنقلابات العسكرية ، و في محاولات غسيل الأدمغة و خداع البسطآء عن طريق الخطاب السياسي العاطفي الذي يستخدم/يستغل المذاهب الفكرية و الدين من أجل حشد السند الشعبي و بغرض تخويف و إرهاب و إسكات الخصوم...

و أن أصل المشكلة في ربط مفاهيم مثل: الأمة ، الشعب ، الدولة ، الوطنية و الإزدهار ، التقدم ، العز ، المجد و كل شئ حميد بالمؤسسات الأمنية و العسكرية و بشخوص السيد الرئيس القآئد العسكري و رفاقه ”الأحرار“ دون عداهم من جميع مؤسسات الدولة و كل الشخوص...

و أن أصل التعقيدات في ربط الوطن بالجيش منفرداً دون بقية مؤسسات الدولة و المهن الأخرى ، حتى أن اليوم الوطني و ذكرى الإستقلال و مناسبات قومية أخرى عديدة قد رُبِطَت في مخيلات الشعوب بالجيوش و (المارشات) العسكرية ، و بالجنود تركض على الطرقات تردد الجلالات ، و بالسيد الرئيس القآئد في زي تشريفي مزين بالنجوم و السيوف و النياشين يجلس أعلى منصة ، و حوله الحاشية و الحرس ، يراقب الجموع من خلف نظارة شمسية فاخرة بينما شاشات التلڨاز تستعرض أسلحة الجيش الثقيلة و الخفيفة و أسراب الطآئرات الحربية تخترق حاجز الصوت محدثة الإزعاج العظيم!!!...

السؤال:

السيد الرئيس القآئد و هذه العسكريات الفتاكة/الحاكمة/المتمكنة (عملتوا شنو) فيما يخص تنمية بلاد السودان: الإنسان و الموارد؟...

الإجابة:

الفشل الذريع في كل المجالات و إنعدام التنمية...

و هذه هي بلاد السودان و قد تشظت إلى إثنتين و (الباقي يَلِمُو الله)...

و هذا هو القاتل الحرامي و قد أصبح هو الحامي الخَامِّي...

و يبدوا أن القاعدة السياسية في بلاد السودان في:

- الضيق بالآخر و رأيه و اللجوء إلى المؤمرات و الدسآئس و الإنقلابات العسكرية لحسم الخلافات السياسية...

- غض الطرف عن الفساد المالي و الإداري و الإعتقال و التعذيب و القتل...

- الفهم الخاطيء لمبدأ عفىَٰ الله عما سلف...

و الحقيقة هي:

- أن أمجاد الجيش تنحصر في الحروب الأهلية و الإنقلابات العسكرية و في تقتيل أبنآء الوطن ، المسلحين و العزل ، و إهانة كرامتهم و تشريدهم...

- أن حماية الحدود و الدفاع عن الأرض تتم عن طريق الدفاع بالنيات و النظر و سلاح الدعآء!!!...

الخلاصة و الواقع هو:

أن الجيش في بلاد السودان هو لب المشكلة و أصل الكثير من الأزمات السياسية ، الجيش الذي دخل و تدخل في كل شيء و لم يستثني حتى الحكايات!!! ، و يبدوا أنه (ما فَضَّل للجيش) غير الدخول إلى غرف النوم و الأرحام يحددُ أنواع المواليد بهدف إمداد مصانع الرجال بالخام من جنس الذكور...

و البديهية هي أن:

- الأصل في القوات المسلحة المهنية المحترفة التي تقودها قيادات ذات عقول راجحة ، قيادات حسنة التدريب و التأهيل تلم جيداً بدورها و مهامها...

- لا شك في أن للجيوش دور محوري في الدفاع عن أمن و حماية مصالح الشعوب...

- الحماية الحقيقية لمصالح الشعوب تكون في صون الدستور و في إحترام الحريات و الحقوق ، و يكون ذلك عن طريق العمل في دولة السلطات و المؤسسات...

- حل المشاكل و الأزمات و المعضلات التي تواجه البلاد يكون في الحوار المجتمعي و في التفاهم السياسي و الوفاق الوطني ، و في الحكم المدني المتوافق على أدواته و شكل سلطاته و مؤسساته...

و حتماً ليس الحل في:

- الإحتراب و إستخدام الدوشكات و دانات الدبابات و الراجمات و طآئرات الأنتينوف ذات البراميل الحارقة...

- إثارة النعرات الجهوية و القبلية ، و في تحريض و تحريك جموع البسطآء لممارسة العنف و الإرهاب...

- الفساد و الإفساد...

- أمارة القاتل الجاهل...

و يعتقد كثيرون أن لا بديل لدولة العدالة و المؤسسات ، و أن مؤسسة الجيش القومي المهني المحترف لها دور أساسي في حفظ أمن الشعوب السودانية ، و في صون تراب الوطن و الدستور و كرامة المواطن...

و يعتقد كثيرون أنه يجب أن لا يتدخل العسكر في أمور السياسة و الحكم و الإقتصاد ، أما و إن رغب العسكري ”النزيه“ الخالية صحيفته من إرتكاب المخالفات و قتل العباد و نهب ثروات البلاد في ممارسة السياسة فعليه أن يَملُص (يخلع) الكَاكِي (الزي الرسمي للجيش) و يلبس مَلَكِي (مدني)...

و بلاش وصاية...

و بلاش أَونطَة...

ملحوظة:

تعريف العسكري لا يشمل المتمردين و مليشيات الجنجويد و المرتزقة...

و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.


فيصل بسمة

fbasama@gmail.com

 

آراء