الجيش والسلطة السياسية – السلطة السياسية والفساد

 


 

وجدي كامل
4 July, 2022

 

تنظيم العلاقة وضبطها بين الجيش والسياسة يعد من اهم مفاتيح واستقرار العملية السياسية بالدول ما دون التنمية ومنها السودان. هذه العلاقة المشبوهة التي قامت ما بعد حركة الاستقلال الوطنية وتكبدت فيها الحياة السياسية المدنية الخسارات الفادحة الجمة تؤكد يوما بعد يوم انها احد اضلاع النكوص والعجز التنموي في مجمل البلدان المتاثرة بظاهرتها والمصابة بمرضها وخاصة عندما بدأت المؤسسة العسكرية شن حملة فسادها على الاقتصاد الوطني المدني وافساده بخلق اقتصاد مواز. الاقتصاد الموازي الذي انشاته المؤسسة العسكرية وما انتجه من امتيازات ضخمة لكبار جنرالاتها وادخلهم في نادي النخب السياسية الفاسدة ما صار يعقد اكثر من علاقتهم بالسلطة عبر الافتتان بشراكة سرقة ونهب الريع الاقتصادي ما جعل امر شراكتهم في ادارة الدولة امرا حيويا وإستراتيجيا مهما لهم. تعظيم ومفاقمة العلاقة التجارية بين الجيش والسلطة الذي بدا بعهد جعفر محمد النميري في شكل رعاية الانشطة التجارية للمؤسسة التعاونية العسكرية بدعوى سد الاحتياجات وخاصة عند الازمات والمواجهات الحربية وهو تقليد يمكن وصفه ظاهريا انه من أنتاج الجارة الشمالية لنا وقد تم في ظروف مختلفة تماما. فمصر ما بعد عبد الناصر بنهاية الستينيات وحرب أكتوبر وفي ظروف التراخي الحربي وباعتماد تاريخ الملكية العسكرية للسلطة منذ يوليو ٥٢ وبفكرة خلق الكفاية او الاكتفاء الاقتصادي الذاتي لجيشها الضخم العدد استطاعت تأسيس انشطة اقتصادية بداخل وعن طريق المؤسسة العسكرية لمواجهة الاحتياجات والضرورات اللازمة لاستقرار الحياة العسكرية كدولة مواجهة كانت وتريد تنمية قدراتها العسكرية بنحو يؤمن لها وضعا دفاعيا وعسكريًا ممتازا. اما مؤسستنا السودانية العسكرية فقد تمكنت و في الثلث الاخير من حكم النميري من اطلاق يد الجيش في تأسيس المؤسسة التعاونية العسكرية باغراض عكست اهدافا اخرى اقرب الى الرشوة السياسية منها الى تنمية قدرات الجيش العاطل اصلا عن خوض اية حروب خارجية مما حرضه وحسب المثل الشائع ان يصبح فايقا ويعمل على تهميز امه (الدولة) بين الحين والاخر. ومن اللافت للنظر والمثير للملاحظة ان الجيش السوداني ورغم كل السنوات المنقضية بعد استقلال البلاد ظل ومن الناحية اللوجستية يحتل اهم المواقع حساسية في العاصمة القومية بمساحة شديدة الاتساع تكاد تلتصق بمطار البلاد والاحياء السكنية الحية المأهولة بالسكان فلا تفصله ايه مسافات يمكن وصفها بالآمنة عن مباني اهم الوزارت و المؤسسات التعليمية كجامعة الخرطوم وكذلك بقية مرافق ومؤسسات الاقتصاد ودور المال العام والخاص وبحيث تكاد تتاثر الحياة جميعها بمركز البلاد (ذات الطابع المركزي للحكم) وتتوقف الخدمات عند حدوث اي انقلاب او ازمة عسكرية داخلية ما. بل كاد ان يصبح المفهوم والهدف من التحاق الناس بالمؤسسة وعند نسبة مقدرة من منتسبي الجيش من الضباط والراغبين في الانخراط هى وبالاضافة لتأمين أوضاعهم الاقتصادية هى المشاركة في صناعة الانقلابات العسكرية والارتباط بتشكيلات قياداتها الحاكمة في حالة النجاح. ويكاد السودان وبما هو موثق ومسجل يحتل المرتبة الاولى منذ استقلاله كصاحب اكبر نصيب في محاولات خلق التغيير السياسي بواسطة الانقلابات العسكرية بما نجح منها وما فشل. في مقابل ذلك لا تقوم هذه العلاقة الفاسدة بين الجيش والسلطة بمناى عن فساد علاقة الاحزاب بالدولة كجهاز لللسيطرة على المال السياسي والسيطرة عليه والتحكم في مصادره وعلاقاته. من هنا فان علاقة الطرفين بالدولة تصبح علاقة اقرب الى الاستهداف للدولة بسرقة ريعها بدلا عن توظيفها لخدمة الشعب والمساهمة الوطنية النزيهة في تنمية الاقتصاد واوضاع المواطنيين من اهل البلاد المترامية الاطراف. ويكاد يخلص المتامل لحال علاقة الغالب الاعم من الاحزاب السياسية ومؤسسة الجيش الى وضعهما وبهذه العلاقة المخلة وغير النزيهة كاعداء بنيويين للمصلحة العامة وتطور البلاد والعباد طالما يظل الشاغل لهما الصراع على السلطة بهدف الاستفراد بريعها واقتصادها بدلا عن خدمة شعبها بتنمية الموارد والثروات وليس نهبها الذي كثيرا ما اتي وياتي بتخالفات صريحة بين مكونات الطرفين وتواطؤ مكشوف لا تخطئه العين.

wagdik@yahoo.com
/////////////////////////

 

آراء