الحب فى زمن الكوليرا: من ينقذ الإنقاذ من محنتها!؟ … بقلم: د. احمد خير / واشنطن

 


 

 

 

العنوان كما تعرفون مقتبس من عنوان رواية الأديب العالمى الكاتب الكولومبى غابرييل غارسيا ماركيز ! لم أجد عنوانا أفضل من ذلك ليصور حالة البؤس والشقاء التى ينام ويصحوا عليها أبناء ســوداننا الذى كنا قد خبأناه فى الحنايا إلى أن جاء نفر بليل وإقتلعوه من الصدور !

علمنا التاريخ أن أية حكومة محترمة فى أى بلد ما عندما تجئ إلى سدة الحكم على ظهر دبابة ، و بعد أن يستتب لها الأمر تحاول بقدر الإمكان الإبتعاد عن مايعيد إلى الأذهان الخطأ الذى إرتكبته فى حق الشعب معللة ماقامت به بأنه كان من موجبات تصحيح الأوضاع ، إلا السلطة التى تتحكم الآن فى زمام الأمر فى السودان التى مافتأت تخرج علينا من حين لآخر لتقول لهذا الشعب الأبى بأننا قد قمنا بإنقلابنا بالقوة وإكان ماعاجبك تشرب من البحر!

هل لهؤلاء القوم ذرة من عقل تدلهم على خطيئتهم ليستغفروا عسى الله أن يغفر لهم !؟ أم أن الحكم الذى لم يكونوا يحلمون به فى يوم من الأيام ، قد أضلهم وأفقدهم الصواب!؟

هل لمستم أم قرأتم فى تاريخ الأمم أن هناك مجموعة إستولت على الحكم بليل وطوال أكثر من عقدين من الزمان لازالت تتبجح بفعلة لو فعلها إبليس لتبرأ منها ! ولكن عدم الخبرة فى شئون الحكم وإعتمادهم على أناس آحادى النظرة كالدابة التى عليها قلادة توجه بصرها إلى الأمام فقط بدون عناء النظر إلى اليمين والشمال ! بالطبع ليس للحيوان  خيار فى العصابة التى على عينيه ، فمابال العصابة  الحاكمة فى السودان لاتنظر من حولها لتتمعن فى أحوال البشر بغرض إصلاح الحال والخروج من عنق الزجاجة ، وتستدل إلى الطريق القويم!؟ أم أن السلطة والجاه والغنى الغير متوقع قد أعمى  العيون وبات الجميع فاقدون للبصر والبصيرة!؟

نلاحظ أنه بالرغم من الفترة الطويلة التى قضاها الحزب الحاكم فى السـودان على سـدة الحكم ، إلا   انه لازال يحبو فى عالم السياسة ! وهذا ليس حكما ً بدون دلالات ، بل من واقع أحداث أخذت بسـوداننا إلى منعطفات باتت تعمق من مشكلات بدأت مع بداية عهد الإنقاذ الذى قام كمن يتخبطه الشيطان ، وتمددت المشكلات بدون أن يدرى معولاً على ماسيحققه من إنتصارات فى جنوب البلاد  ، فأرسل الدبابين والصبية المختطفين من الشوارع ليرسلهم لقتال إخوة لهم فى جنوب البلاد تحت مظلة وهم سمونه زوراً وبهتانا " شهادة " إلى أن جاء شيخهم الذى علمهم السحر بخبر كان كالخنجر دسـه فى صدر كل أسرة فقدت وليدها فى غمرة تلك الحرب ليخبر البرية أن كل من قتل فى تلك الحرب راح غير مأسوف عليه وإنتفت عنه الشهادة ! قتل الإبن ، قتل الأخ وقتل الأب فى حروب  خاسرة ، إدعو  فى النهاية  أنها كانت حتمية لإيقاف نزيف الدم ! ثم قاموا بعقد معاهدات وإتفاقات لم يسبقهم عليها أحد ! نعم لم يسبقهم عليها أحد من حيث نتائج إذا كان السابقون لهم العلم بما سيفعله اللاحقون ، لما سقطت قطر دم فى جنوب السودانى الدامى منذ قبل الإستقلال ! فبعد عدة شهور سيتفتت السودان ، هذا البلد الذى نفخر بإمتداده على رقعة جغرافية  كانت مضرباً للأمثال من حيث خصوبة التربة وتوفر المياه ومصادر الثروة الطبيعية والأيدى العاملة !

السـودان يا أبناء الغابة والصحراء من نيمولى إلى حلفا ومن البحر الأحمر إلى أقصى حدود الجنينة فى الغرب  ، لن يكون كما عهدناه بعد إستفتاء تقرير المصير فى عام 2011 وهذا نتاج عمل أناس أحبوا السلطة إلى درجة ضحوا فيها بالأرض وبإخوة لنا شاركونا السراء والضراء وعلى مدى تاريخنا ! أناس لا أعرف إن كانوا يعلمون مايفعلون أم أن علي أعينهم غشاوة أعمتهم عن صائبة الطريق !

تفاوضت السلطة فى الدوحة مع الدكتور/ خليل إبراهيم من أجل الوصول إلى حل للنزاع فى دارفور ! ثم بعد أن إنتهت فترة السماح التى أعطتها لنفسها لتركز على الإنتخابات التى إكتسحتها لأسباب تعرفها هى ، تفرغت للعمل ضد من فاوضته قبل أيام فرفعت عليه دعوى لدى البوليس الدولى " الإنتربول " بحجة هجومه المسلح وإستباحته للإنسان والممتلكات الذى إعتبرته جريمة أرتكبت ، متناسية أنها كانت قد أطلقت سراح بعض ممن شاركوا فى تلك " الجريمة " ! لنفترض أن خليل وحركته  بهجومهم على العاصمة كانوا ينوون قلب نظام الحكم فى الخرطوم ، ماهو الفرق إذن بين ماقام به خليل وجماعته وبين ماقام به البشير وجماعته فى 30 يونيو 1989 !؟ أليست أركان الجريمة تقوم على " القصد الجنائى " و " الفعل الجنائى "  وكلاهما متوفران فيما قامت به الإنقاذ وما قام به  خليل ! أو ربما ترى السلطة أن من ينجح فى أرتكاب الفعل تسقط عنه التهمة !؟ تحت أى قانون هذا وفى أية مادة منه !؟ أفيدونا يرحمكم الله !

وإذا كنا سنطبق مبدأ المعاملة بالمثل ، ألا يحق إذن للسيد الصادق المهدى رفع دعوى قضائية ضد من إستولوا على الحكم بإنقلاب عسكرى !؟ وألا يحق له أن يطالب بمحاكمة من إرتكبوا الإثم بقتلهم مجدى محجوب وجرجس ، وقتلهم من بعد  الآلاف فى الجنوب ودارفور والشرق والشمال !؟ مالكم كيف تحكمون !؟ وكيف تبصرون !؟

ثم يخرج علينا وزير الدولة للخارجية السيد/ على كرتى الذى حل ضيفاً على " المنتصف " بقناة الجزيرة فى يوم الثلاثاء 11 مايو 2010 ليقول للملأ بان السلطة فى الجنوب قد زورت الإنتخابات !وأنها قد أرسلت بوفد إلى أستراليا للتعرف على النهج الذى تم عليه إنفصال تيمور الشرقية تمهيداً لما سيحدث بعد إستفتاء تقرير مصير جنوب السودان ! ياللهول ، هل الإنفصال المتوقع برعاية أمريكية ياسيد كرتى سيحتاج إلى تدخل أستراليا !؟ أومعرفة ماقامت به أستراليا حيال تيمور الشرقية !؟ أو أن أبناء الجنوب سيحتاجون إلى  تفاصيل أو الـ " بلو برنت " الذى أتبع فى تيمور الشرقية !؟

أما كان الأجدر للسيد كرتى أن يقدم للمشاهد أدلة أوالكشف عن محاولات جادة تقوم أو ستقوم بها الإنقاذ حيال تفادى الإنقسام المتوقع !؟ أما كان الأجدر به أن يوضح للمشاهد الحقيقة التى دفعت الولايات المتحدة الأمريكية من تكثيف جهودها حيال إعادة كامل تمثيلها الدبلوماسى قبل موعد تقرير المصير الذى يقول ممثليها بصراحة وبدون مواربة بأنهم يعملون لضمان " إنفصال سلمى " للجنوب !!!!

دلنى ياسيد كرتى أفادكم الله ، فى أى قاموس للدبلوماسية أجد سابقة لما يحدث أو سيحدث فى السودان !؟ وماهو ثمن سكوتكم !؟ ولصالح من !؟ وكيف سيهون عليكم تقسيم ســوداننا وماذا ستقولون للأجيال القادمة !؟

حقيقة أنا فى دوامة ولا أشك أن هناك الملايين مثلى ، وكلنا نحتاج إلى إجابة ! ولربما هناك ماترونه ولانراه  ، أو ماتقومون به ونجهله نحن ! أفيدنا يرحمكم الله ، أفيدنا يرحمكم الله . فنحن نموت فى  كل يوم ألف مرة كلما إقتربت عقارب الساعة إلى مشارف عام 2011 ! فقط نريد أن نتعرف على مايدور بخلدكم وقبل فوات الأوان ! إرحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء .              

نحبك ياســوداننا الموحد ، بالرغم من زمن الكوليرا الذى تعيش فيه!

 

آراء