الحرب بسبب مياه النيل!! (مذكرات زول ساي)!!

 


 

 

 

 


عندما كنا صغاراً في حي النصر بمدينة كوستي، لم تكن لدينا أي مشكلة في الذهاب إلى مناطق السباحة فعلى طول نهر النيل الأبيض، كانت تتوفر ينابيع السباحة، فمثلاً كنا نسبح في مرسى بنطون طيبة، وكنا نسبح في عدة مواقع بالقرب من ميناء كوستي، كما كنا نسبح في عدة مناطق بجوار الردمية التي كانت تبعد حوالي كيلومتر واحد من ميز السكة حديد، لكن على الرغم من توفر كل تلك المسابح النيلية المجانية في ذلك الزمن الجميل، كانت لدى أولاد حلتنا أغرب هواية على الإطلاق، إنها هواية السفر على الأقدام إلى الينبوع المتفرعة مياهه من مياه النيل الأبيض والذي كان يقع على مسافة بعيدة جداً جداً لا تقل عن عشرة كليومترات خارج مدينة كوستي في اتجاه مدينة ربك وكانت تقبع إلى جوار الينبوع حلة صغيرة مكونة من قطاطي القش كنا نطلق عليها حلة الينبوع، كان الهدف الأساسي من تلك الرحلة الطويلة الشاقة هو السباحة في ذلك الينبوع بالذات والدخول في مشاجرات ومضاربات بالايدي من أولاد حلة الينبوع الذين كانوا يعتبرون ذلك الينبوع ملكاً مسجلاً لهم ويعتبروننا غزاة قادمين من كوكب آخر!!

لا اتذكر من هو أول شخص أرشدنا إلى موقع ينبوع الشر البعيد جداً جداً من مدينة كوستي، ولا أعرف حتى الآن ما هي الدوافع القوية التي كانت تدفعنا دفعاً للقيام من وقت لآخر بشن الغزوات والغارات الينبوعية والدخول في مشاجرات وحروبات كر وفر مع أولاد الينبوع ثم العودة من هناك ببعض الكدمات والخدوش؟!! وهل كان دافع الممنوع مرغوب هو الذي يدفعنا دفعاً للذهاب إلى ينبوع الشر البعيد رغم توفر عشرات الينابيع النيلية الآمنة القريبة جداً جداً من حلتنا؟!! لقد استمرت حروبات الينبوع لعدة سنوات وكانت تكثر في العطلات المدرسية السنوية، ومن المؤكد أننا كنا نشعر بأكبر قدر من الاثارة والتحدي بمجرد أن يصيح أحدنا: يلا نمشي الينبوع!!

بعد اجتياز المسافات الماراثونية الطويلة، كنا نجد الينبوع أحياناً خالياً من أولاد الينبوع، لكن ما أن نبدأ السباحة في مياه الينبوع حتى يظهر أحد أولاد الينبوع ثم يسرع وينادي رفاقه ومن ثم تبدأ المشاجرات والمضاربات، في بعض الأحيان كنا نجد بعض أولاد الينبوع يسبحون بداخله ومن ثم كانت الاشتباكات تبدأ بمجرد وصولنا للينبوع، ذات مرة، وجدنا إثنين من أولاد الينبوع يسبحون داخل الينبوع، وكنا نحن خمسة، جلدناهم جلدة نظيفة حتى هربوا إلى حلة الينبوع وهم يبكون ويصرخون، فرحنا بانتصارنا عليهم ورحنا نسبح بمزاج في مياه الينبوع الصافية، فجأة سمعنا صيحات عالية، وعندما التفتنا تجاه حلة الينبوع رأينا عدداً كبيراً من سكان حلة الينبوع يحملون العصي ويركضون نحونا كالاعصار بقصد الانتقام لجلد الولدين الينبوعيين، في تلك اللحظات طرنا في الهواء بلا أجنحة وهربنا في اتجاه مدينة كوستي تتبعنا صيحات وشتائم قبيلة الينبوعيين ومن المؤكد أننا قد حصلنا على أكبر قدر من المتعة والاثارة من تلك المطاردة الينبوعية العنيفة بدليل أننا، وبعد مرور أيام قليلة من وقوعها، صحنا في بعضنا البعض: يلا نمشي الينبوع!! وعلى ما أذكر فإنني لم اتوقف مطلقاً عن المشاركة الفاعلة في قيادة حروب الينبوع إلا بعد رحيل عائلتي من حي النصر إلى مربع سبعة وعشرين البعيد جداً عن حي النصر والبعيد جداً جداً عن ينبوع الشر ومن ثم تم اجباري على التقاعد المبكر وعدم المشاركة في حروب الينبوع المثيرة!!

فيصل الدابي/المحامي
menfaszo1@gmail.com
//////////////////

 

آراء