الحركة الإسلامية السودانية: هل هي من عابدات وسادنات أصنام الأنظمة الشمولية؟ .. بقلم : غانم سليمان غانم
G_ghanim@hotmail.com
الحركة الاسلامية في السودان بين أممية الإسلام وعصبية الوطنية والقومية
من منطلق الأخوة الإسلامية والمواطنة السودانية وبالروح الديمقراطية كنت أود – من صميم قلبي – أن تكون الحركة الاسلامية السودانية نموذجاً بل رائدة للحركات الاسلامية في المنطقة والعالم! ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن! طوال ربع قرن وما ينيف من التنظير والممارسة لم يُقنع الحركيون والناشطون السياسيون الإسلاميون، من إخوان مسلمين وسلفيين وطرق صوفية ومواليهم من الطوائف الأخرى ومحبي السلطة، المواطنيين - السودانيين المسلمين وأهل الذمة منهم على حد سواء - بأن حركتهم الإسلامية ("السودانية": وهذا النعت مخل بالتوجهات الإسلامية الصادقة لأن الإسلام دين أممي ليست به عصبية قبلية أو جهوية أو حتى وطنية) هي حركة نهضوية تهدف لنهضة جميع السكان في السودان في كل المجالات وخاصة في مجال التنمية الإقتصادية والإجتماعية.
صناعة الأصنام وعبادتها
يقولون إن الإسلام هو الحل؟ وهل من الاسلام استنساخ تجارب الأمم الأخرى الفاشلة في الحكم والسياسة والإقتصاد؟ جاءت الحركة الاسلامية في السودان إلى الحكم بالدبابة وبشرزمة من العسكر بادعاء انقاذ البلاد والعباد من سوءات النظام السابق إن كانت له سوءات!!! وما لبثت أن قامت الحركة الاسلامية في السودان بإنشاء ما يسمي حزب المؤتمر الوطني - الحزب الواحد - ليتولى الحكم في السودان كأنها لم تستفد من تجربة الاتحاد الإشتراكي الذى انتفضت عليه من قٌبل جماهير الشعب السوداني - وزودته بقياداتها وكوادرها لتسيير الحكم في بلد متعدد الأعراق والديانات. تشبث حزب المؤتمر الوطني من خلال التمكين بالسلطة كالقرادة ليحكم الناس بالقهر والتسلط كمن لم يسمع بقول الخليفة الملهم عمر بن الخطاب :"لم استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا" والأمر ليس فى التسلط فقط بل فى التمكين والفساد والمحسوبية وسوء الإدارة وانعدام التخطيط. ضيع حزب المؤتمر الوطني ثلث البلاد بالتفريط في جنوب السودان وسيادة السودان وترك اخواننا المسلمين في جنوب السودان في مهب الرياح، كما ضيع الموارد البترولية بالصرف البذخي كأنه لا يخشى الفقر وأدخل البلاد في ثلاثة حروب أهلية كأنما لم يستفد من تجاربه في حربه الجهادية في جنوب السودان مما زعزع أمن البلاد وشرد العباد بالنزوح والهجرة. وقام حزب المؤتمر الوطني كذلك بتدمير البنيات الأساسية والمشروعات القومية الناجحة في مجالات الصناعة والزراعة وغيرها من القطاعات الانتاجية بشعار نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع.
حركة مفلسة دينياً وأخلاقيا وقيمياً
كان البعض في السودان يتصور بأن هؤلاء الناشطين الإسلاميين ح يجيبوا التور من قرونه ولكنهم اكتشفوا أن القبة ما فيها شيخ، فكلهم مفلسون في مجال الدين والإخلاق والقيم. ما كان السودانيين يتصورون أن يكون رواد وناشطي الحركة الاسلامية فاسدين ومفسدين لهذه الدرجة ولكنهم بعد العديد من حالات الفساد والسرقة والاختلاس حتي في هيئة الحج والعمرة والهيئة القضائية وغيرها من المرافق الحكومية اكتشفوا حقيقتهم وإفلاسهم المدقع حتى بلغ بالشيخ المؤسس والرائد في الحركة الاسلامية ياسين عمر الإمام – رحمه الله – اليأس من خير في الحركة لإسلامية بأن قال أنه "لا يستطيع دعوة الناس للحركة الاسلامية" وهذا قبل عقد من الزمان ولئن كان العمر بلغ به حتي هذا الحين لقال اللهم إننى أبرأ اليك مما فعل هؤلاء (الشعبي) وهؤلاء (الوطني) ليتني كنت نسيا منسيا. لقد اتسعت دائرة الفساد لتشمل الفساد الإداري والأخلاقي والمالي بكافة أشكاله ولا أعتقد أن الحركة الاسلامية ستحتوي الفساد بمناشدة الحكومة ومؤتمرها الوطني للقيام بمحاربة الفساد من خلال مؤسسات حكومية غير ذات صلاحية نافذة لأنه أصبح سرطاناً قاتلاً ولأن بعض كوادرها المتنفذين لاغب فيه لحد الثمالة ["أنا لحمي مر"!! على من (الله ؟ أم علىأمير المؤمنين؟) ولمن (شركاء الجريمة؟)].
لم تأت الحركة الاسلامية في السودان بجديد في مجال الحكم بل أسست مسخا مشوها للحكم يعتمد على نموذج الدولة الفيدرالية الرئاسية التى تتسم بثلاث سلطات: التنفيذية والقضائية والتشريعية، وهو أنموذج غربي بالتمام والكمال، وأتت بدستور مرقع لا يلبي طموحات أهل السودان في الحكم ولا في الإدارة أو القضاء أوحقوق الإنسان وطبقت النظام الفيدرالي بمركزية مهيمنة قلصت فيه صلاحيات وسلطات الولايات والأقاليم وأتاحت للمركز مسك زمام جميع الأمور بدون مراعاة لإختصاصات السلطات الثلاث وسلطات الأقاليم.
تبنت الحركة الإسلامية نظام الحزب الواحد ذى الصبغة الأوتوقراطية الذى أثبت فشله من قبل في السودان وفي جميع الدول النامية التى طبقته لأنه يكرس الإستبداد والظلم وقمع الحريات وتسلط الحكام ليسوق الناس كالقطيع من الأنعام بدون أعطاءهم حرياتهم كما هي مدرجة في مواثيق حقوق الإنسان وبدون الإهتمام بمعيشة المواطنين.
أما في مجال الاقتصاد فقد تبنت الحركة الاسلامية في السودان نظام اقتصاد السوق الحر – وهو نظام رأسمالي غربي – قبيح وقاسي على المواطنين في الدول النامية التى تحتاج الى نظام اقتصادى مخطط يراعي احتياجاتهم المعيشية من خدمات مختلفة ويلبى تطلعاتهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويحقق التكافل الإسلامي.
لم تسعى الحركة الاسلامية بنصح حزبها الحاكم لايقاف الحروب الأهلية في السودان وضرورة تطبيق الحكم الفيدرالى والاتحادي بالشفافية والنزاهة التامة وبتولية الأكفاء من المواطنيين.
أما في مجال الحريات فلم تأمر الحركة الاسلامية بمعروف وتنه عن منكر – كما هو مناطبها شرعياً - فالشعب ينتفض من غلاء المعيشة والظروف الحياتية الصعبة ويتم قمعه بالرصاص الحي لكأنما قتل الناس مباح في الشريعة الإسلامية.
لا تركنوا للذين ظلموا فتمسكم النار
تغض الحركة الاسلامية الطرف عن جرائم منسوبيها في المؤتمر الوطنى وفسادهم وطغيانهم وانتهاكات حقوق الإنسان التى يقترفونها وقتل الأبرياء من المهمشين في حروب لا هدف من وراءها سوى التشبث بالكراسي والحكم ونسيت الحركة الاسلامية ومنسوبيها أنهم محاسبون يوم القيامة عن كل نفس قتلت ظلماً، لذلك ندعوالحركة الإسلامية لمراجعة أى انتهاكات سابقة والتوبة منها والإنابة لله والتبرؤ منها والإعتذار لمسلمي السودان الذين يخافون من قتل بعوضة ناهيك عن قتل نفس مؤمنة.
إن استيلاء الحركة الاسلامية على السلطة بواسطة الإنقلاب كان أكبر غلطة ارتكبتها في حق الإسلام والوطن وحان الوقت لإرجاع السلطة لحكومة منتخبة بإرادة الشعب.
العدالة والتنمية والناشطون السياسيون المسلمون في تركيا
هل يجوز لنا مقارنة الحركة الإسلامية في السودان مع الحركة الاسلامية في تركيا؟ يبدو إنها مقارنة بين حميض وتفاح!!! لقد اكتوينا طوال ربع قرن من الزمان بتسلط وديكتاتورية نظام الحركة الاسلامية في السودان الذى رمانا في دركات الجحيم وفى نفس الوقت تنعم أهل تركيا بحكمة وبصارة الحركة الاسلامية في تركيا ويجوز لنا أن نقول ما أروع تسامح وعبقرية الناشطين السياسيين الإسلاميين في تركيا – رغم قصر تجربتهم مقارنة بحكم الإنقاذ - فهم لم يدعوا إلى عصبية جهوية بل يسعون بكل روح حضاري وعصري للانتماء للاتحاد الأوروبي رعاية لمصالح تركيا وهم لم يعادوا أمريكا كما إنهم لم يخرجوا من حلف الأطلنطي والمنظمات الدولية الأخرى بدعوى أيدولوجية ولم يقولوا جزافاً هو حلف فجار وهذه قواعد الحلف (انجرليك) ما زالت موجودة في تركيا وهم يعملون بالتنسيق التام مع حلف الأطلنطي فيما يتعلق بمختلف شئون المنطقة وحتى أحزابهم لم ينعتوها بالاسلامية لأنهم يعملون في صمت ولا يهمهم الشعارات الجوفاء التى تجلب لهم العداوة والبغضاء وهم يدركون تماما بأنه لا شيء في هذا الزمان يمكن أن يسمي بالإسلامي مائة في المائة بل هم يسعون لترسيخ قيم الاسلام فى العدالة والمساواة والحرية والتنمية والتحرر الاقتصادي والإجتماعي. نحن في السودان ندعي بأن بنوكنا اسلامية ولم نتواضع لنقول إنها متماشية مع أحكام وقواعد الشريعة الاسلامية لكأنما نحن في عهد النبوة وخلافة الإئمة الراشدين. بفضل الناشطين الإسلاميين في تركيا واحزابهم المستنيرة بلغت تركيا شأواً كبيرا في كل المجالات وتصنف تركيا ضمن الأسواق الناشئةالتي تتميز باقتصاد ديناميكي ومتنوع ونجحت تركيا في تخفيض نسبة البطالة إلى 9,1% وهي دون المتوسط لدول الاتحاد الأوروبي وبلغ الناتج القومي حوالى 735,264 مليار دولار أمريكي كما في 2010م، وتركيا على وشك إطفاء ديونها لصندوق النقد الدولي وقبل عشرة أعوام كانت ديونها 25,6 مليار دولار، ولم يبق غير 5,5 مليار دولار من هذه الديون.
g_ghanim@hotmail.com