الحركة الإسلامية السودانية وغياب الملامح … بقلم: د. تيسير محي الدين عثمان

 


 

 


الحركة الإسلامية السودانية ذلك الغائب الأكبر عن الساحة السياسية السودانية وكذلك تلك الحركة و التي باتت متأخرة في شأن النشاط الدعوي الديني والأنشطة الدينية المختلفة ولم تعد تلك الحركة ذات المنهج المنظم والمرتب والذي يعني ويعتني بتربية الأفراد والعضوية المنضوية والملتزمة بالنهج الديني والإسلامي وما صارت حركة واسعة النشاط في البلاد أو لها دور ملموس ولم تعد صاحبة بريق آخاذ يأسر قلوب وعقول المحبين وأصحاب نزعة التدين.
 ويبدو أن أمر الدنيا والسلطة قد شغل قدامي المحاربين والمنتمين وقدامي عضويتها وتفرقت بهم السبل فما عاد الإخوان إخواناً وما عاد الحلم الكبير بجنة عرضها السموات والأرض يداعب خيال وطموح ومسعي الدعاة الأوائل فلقد رأينا إخوان الإحن وصعب المحن ومن جمعتهم السجون والمعتقلات والإغتراب عن الوطن وأيام الصعاب يتخاصمون ويتجادلون ويكيدون لبعضهم ويتعادون ومن ثم يتفرقون ما بين حاكم ومحكوم ومعارض وكل في فلك يتقارعون وفي هم الدنيا وغنائمها يتصارعون ومن أجل المكاسب يتناحرون وصارت لغة الكيد والتباغض والعداء تشمت فيهم من كانوا لهم بالأمس أعداء.
الحركة الإسلامية السودانية والتي أقعدها و أذابها بريق السلطان وأمتطي أعضائها بريق التولي والحكم والنفوذ والمناصب وإن أتوا بغير ما كانوا يعتقدون في نبذهم للإنقلاب والعصيان فهي حركة حاربت سابق الحكم والطغيان وكل من أتي بليل ومدفع وبمبان وقاتلت بأشد ما ملكت من رجال وأصحاب عهد وإلتزام في الميدان ولزمت صوت الحق والدعوة ونادت بأن يكون الحكم شوري وحرية وبأسم الإسلام وحملت أسمي العنوان في أن يكون الحكم تداولاً بحق واختيار ورضوان.
 ولكنها إختارت و ركبت طريق الصعاب وقاومت الطوفان لترسي علي جبل ولتقود السفينة إلي البر بأمان وأتت أخيراً وهي تمتطي جنح الليل ستاراً لتقود البلاد بإنقلاب و بتدبير رجلها الدعوي والقائد لها وتزج به في السجن في البدايات لتبعد عن نفسها شبهة الإنقلاب أو الخروج عن المبدأ والعنوان ولتقضي لرجل آخر منها في أن يقود ويحكم بأسم مؤسسة عنوانها رجال وسلاح وشجعان.
وفي نهاية المحاولة كانت الحركة الإسلامية حاكمة بأسم جميل ورنان وكان عريض عنوانها إنقاذ للإنسان من الضياع والتردي والإحباط والنسيان وإنقاذ للبلد من صراع الأحزاب والكيمان وكان لها ما كان.. حكم وسلطة وشيخ ورئيس والكل يحفل ويحتفل بالسطان ومضت تنفذ في برامجها و كل ما تعتقد أنه خير لإنسان السودان وجمعت حولها رجال وشباب فيهم المتحمس وفيهم الشجعان وكان الشيخ يعبئ ويدفع الرجال والرئيس يخاطبهم مرتجلاً للحديث ومحمساً وفي بيانه موقف وقوة وثبات في المبدأ والإيمان والكل يجتهد في الميدان ومنهم من قضي نحبه دفاعاً عما إعتقد ومنهم من فارق الدنيا بعديد أسباب الموت وهو يعتقد أن من يبقي عليها بعده سيحمل نفس المبدأ والمعني ويزود بصدق عن العنوان وكانت الجدية والملامح تدل علي وجود منظومة قوية تحمل فكر وتذود عن مبادئ وأول عنوانها ثقتها في ربها وبنيها وفي تنظيم الإخوان !!!
ولم تمضي سنوات حتي كان قرار الشيخ أنه لم يعد هناك ضرورة لتنظيماً أو حركة إسلامية و لا جبهة ولا إخوان ولقد صارت الدولة عندنا وما عاد للتنظيم الإخواني والحركة لزوم وبيان وأمر وأقر بأن يكون الناس في حلفاً وحزباً جديداً يسميه مؤتمراً وأمر بأن يتولاه ويقوده رجل من مؤسسة معروفة ومن صفوفها الرجال والفرسان و الرئيس منتميا لهاً وهو قائدها العام في الميدان .. وحتي يقتنع أهل الوطن بهذا الجسم الجديد والذي سيضم ويشمل كل بني الإنسان في السودان ومنها صارت الحركة الإسلامية عنواناً سابقاً وتاريخاً مضي وأصبحت للدولة عنواناً جديداً وتنظيماً أجدّ وأختير له أسماً عاماً يشابه أحزاب بعض البلدان .
ودب الخلاف بعد ذلك في أمر السلطة وأختلف الشيخ والرئيس وتفرق شمل الإخوان مابين داعم لحاكم ورابط علي وثائق السلطان ومحتفظاً بالموقع والوظيفة وحاظياً بمخصصات ونعم ومكان وآخرين ملتزمون بعهدهم لشيخهم  ومرتبطين بالسير معه لأي مكان وبالتالي لا حظوظ ومناصب وسلطة والبعض يدفع الثمن من السجن والتشريد والتوهان ويفضل أن يكون معارضاً وناقداً للحاكم ولسابق الإخوان وأخيراَ صار المؤتمر أسماً جامعاً والكل يبقيه عنوانه ولكن تختلف النهايات ما بين وطني وشعبي فيصير أولهم مؤتمر وطني والأخر مؤتمر شعبي وترتسم الملامح في الفقدان العظيم لتلك الحركة وضياع جبهة الإسلام وما عاد أحد الأن يسيّر الأمور بعقيدة وفهم سابق  الأزمان أو يكتب في لافتته أسم الإسلام.
 ويبرز الخطأ الكبير وفداحة حل ذلك التنظيم المتماسك بأسم الإسلام و السبب العجلة في أمر الحكم و الإقبال  علي الدنيا وبالتالي فقد الكل بريقه حتي ولو أتي بأسم جديد وفي تجلياته حركة الإسلام وصار معظمهم يحمّل الشيخ جرم حل ذلك التنظيم وتفتيت شمل الإخوان و للعجب كان هو الخاسر الأول فلا دامت له السلطة ولا توهج بريقه آمراً وناهياً وقادته الأقدار لركناً قصياً وتزلزل موقعه برياح الفرقة وأضحي معارضاً لتلاميذه في أخر الزمان ونسي كل الذي كان وأصبحت حركته في مهب الريح وطي الكتمان وبلغ من عمره عتياً ومن الصعب أن تعود عجلة الزمان للدوران وأن يعود الشيخ مرة أخري قائداً فنان أو في نبراته     ذلك الصوت الرنان الذي يعمق الفكرة ويقنع كل إنسان .
وتأتي من جديد محاولة تكوين حركة إسلامية ومن صلب وفكرة من بقي في جانب الحكم والسلطة ولعل الغاية حفظ ماء الوجه والإرتباط بسابق أسم يداعب حنين في النفوس ويجمل الصورة كيفما كانت وتكون حركة وأسماً يحمل مسمياً سابقا ولكن بدون عنوان فقط نراها منظومة تعقد مؤتمراً وتنصب أميناً عاماً ومجلس شورى ورئيساً للمجلس وأمناء ولايات ولكنها في النهاية تخرج عن كامل العنوان  و لا تخرج عن إطار الحكم والسلطان ولا بريق لها إلا حينما تحتاج بيان أو مركز سلطوي ووظيفة ومغنم فتلجأ لأن تقول هذا أخو منظم أو حركي ينتمي لوحدة أو حركة إسلامية ولكن في المجمل لا نشاط ولا تبيان ولا دعوة أو عمل أو تنشيط لعضوية وتربية كوادر ولأن في غالب الأمر الكل منضوياً لحزب الحكم ولا نشاط إلا في إطار الدولة والحزب الحاكم وكل حركة إسلامية مؤتمر وطني وليست العكس .
وبالتالي لا جديد نذكره في حاضر الحركة الإسلامية الأن إلا عاطفة الزمان والتعلق بأسم أصبح تاريخاً و كانت المحاولات أن يعود قوياً وفاعلاً ولكن رغم جهود المبتدعين والداعين لعودته سيظل إسماً ذائباً في حمى حزب السلطان والذي إذا أريد له أن يكون فاعلاً فليخلع غيره من الأسماء وليعود حزب دعوة وحركة إسلامية لا غاية له إلا نصرة الإسلام وتتجرد هذه الحركة عن كل حظوظ الدنيا وتضحي بكل مغنم ومكاسب دنيا ولتذهب للأطراف والفرقان وأقاصي السودان ولتسعي لجمع الشمل وكل من تفرق من الإخوان وبالتالي يمكن أن تسمي حينها حركة الإسلام بالسودان أو الحركة الإسلامية السودانية ويعود نشاطها نموذج يذكر وتسجل حضوراً لقادم الأجيال ولا غاية لها إلا خدمة الإسلام والمسلمين ورضاء رب العالمين.
 فهل يستطيع كل من ملك نعيم دنيا وسلطةً ومالاً وجاهاً وكان من الإخوان أن يعود لسابق الأزمان ويصبح حركياً نقياً لا تستهويه الدنيا ويبذل كل ما يملك لخدمة الإسلام والإنسان ؟!  ومنها نستطيع كلنا أن نردد معه هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه!!!  أو نقول صادقين في سبيل الله قمنا نبتغي رفع اللواء لا لدنيا قد عملنا نحن للدين فداء..! أم ستظل هي شعارات فقط تردد وترفع الأصوات بها في المناسبات الدنيوية والتظاهرات وعند الشجب والإدانات بدون أن يعيشها إنسان السودان واقع حياة وبرامج عمل ومواقف صدق وأمانة ؟؟؟.


tayseer marawe [tmarawe@gmail.com]
\\\\\\\\\\\\

 

آراء