الحركة الشعبية شمال اكسبوا زمنكم

 


 

 

اطلعت على كتيب صادر عن الحركة الشعبية شمال يتحدث عما اسموه المبادئ فوق الدستورية. وهو مفهوم لا علاقة له بالفقه الدستوري لا من قريب أو بعيد. وكان الاجدى تقديم وجهة نظر سياسية عن المبادئ التي يرون انها ذات اهمية خاصة في الدستور. اما تسميتها بانها مبادئ فوق الدستورية ينسف فكرة الدستور نفسه. فالدستور قيمته الاساسية انه يعرف في الفقه الدستوري، بالقانون الاسمى، وابو القوانين law of the land وربما اختلط على هؤلاء المنظرين فكرة المبادئ الدستورية التي يمنع مصادرتها او انتقاصها، وهي فكرة مستمدة من القانون الدولي في محاولات تثبيت مبادئ تلزم الدول بعدم انتقاصها تحت اي ظروف non derogable rights واعتمد في تحديد هذه المبادئ في مجال حقوق الانسان على القانون الطبيعي باعتبارها حقوق طبيعية مرتبطة بكرامة وحياة الانسان مثل منع التعذيب، عرفت بالمبادئ الملزمة jus cogens. وطريقة حماية هذه المبادئ تتم بنص داخل الدستور، لان اي مبدأ غير منصوص عليه في الدستور لايمكن اعتباره مبدأ دستوري. وفي فقه صياغة الدساتير فان المتواتر أن يفرد لها باب منفصل داخل الدستور مثل وثيقة الحقوق، التي تحتوي على ما يعرف بالحقوق الاساسية fundamental rights وتصان بمواد واضحة الصياغة في ان هذه الحقوق لايمكن المساس بها بائ شكل من الاشكال، وبالتالي تستطيع المحكمة الدستورية ان تلغي اي تصرف او تشريع يخالف مقتضيات هذه الحماية. وعلى منظري الحركة الشعبية ان يتدارسو أسس صناعة الدساتير ومبادئ القانون الدستوري، قبل الوقوع في هذه المزالق، فمن المفهوم انهم يسعون الى تحصين مبادئ محددة من المساس بها عبر سلطة الاغلبية البرلمانية وسلطات الدولة الاخرى، وهذا مطلب مقبول، ولكن ذلك لا يمكن ان يتم بمجرد وصفها بانها فوق دستورية فالدستور يعلو ولا يعلى عليه، لذلك تضمينها في الدستور هو ما يضفي عليها تلك الحماية، ومسألة انها مهمة وجوهرية لايتم باعطاءها وصف جزافي سياسي لتصبح دستورية. وفي نهاية الأمر فان أي مطالبة سياسية مكانها الاقناع العام لعموم الشعب ليصوت عليها في الاستفتاء العام، واذا فشلت في اقناع الناس فلا يمكن ان تفرضها باعطائها ذلك الوصف.
ولذلك على الحركة الشعبية ان لا تتهرب من واجبها في ممارسة العمل على اقناع العدد الكافي بأهمية تضمين هذه المطالب في الدستور واضفاء حماية مغلظة لها ضمن الدستور. وهذا عمل سياسي وليس دستوري، و لذلك يجب التحلى بامانة علمية في طرح تلك المطالب وتوضيحها للكافة ولا فانكم تضللون جمهوركم وتضيعون وقتهم في حين يمكن استثماره في توجيه الجهد نحو مرماه التثقيفي الاجتماعي السياسي وليس الدستوري لانه يبدو كتهافت، غير مجدي.

aliagab@yahoo.com




 

آراء