الحركة الشعبية والإنتماء للوطن …. بقلم: د. عمر بادي
18 June, 2010
عمود : محور اللقيا
الحس الوطني أو الوطنية تتمثل في الشعور بالإنتماء إلى أرضٍ هي الوطن , و هذا الشعور فطري في تكوينه عند الإنسان المواطن الذي يرى أن إرتباطه بالأرض أمر حياتي يستدعي بذل الروح في سبيل حمايتها ضد الأعداء و الغزاة و المتربصين . لذلك , منذ الصغر تتم تربية و توعية الأبناء المواطنين بأهمية الوطن حتى يشبوا أكثر تمسكا به . حب الوطن شعور فطري كما قلت , لكن تقويه النشأة داخل الوطن و ما تحمله من ذكريات و شعور بالإرتباط . لذلك كان هذا الشعور الوطني ضعيفا عند الذين شبوا و ترعرعوا في أقطار أخرى غير الوطن الأم , إما صحبة للأبوين أو طلبا للعلم أو العمل أو نتاجا لعمليات تهجير قسرية
هذه المقدمة كان لا بد منها حتى نفهم عقلية الحركة الشعبية لتحرير السودان في تصريحات و نزوع بعض قيادييها الذين عاشوا ردحا من الزمان خارج السودان . الهدف الأول كما ورد في مانيفستو الحركة الشعبية في بداياتها كان تحرير السودان من هيمنة الوسط ثقافيا و دينيا و سياسيا و إقتصاديا و عرقيا , و الدعوة إلى السودان الجديد الذي يتساوى فيه الجميع أمام المواطنة دون تهميش أو إقصاء لأحد و تمثل فيه كل المكونات الثقافية و العرقية و المعتقدية . هكذا كانت دعوة الراحل جون قرنق و التي لقيت إستجابة من كثير من الشماليين إنضموا للحركة الشعبية أو تعاطفوا معها عن يقين و إيمان . لكن السؤال هنا : هل كان كل قياديي الحركة الشعبية مؤمنين بطرح السودان الجديد , أم كانت لبعضهم ترسبات قديمة لم يستطيعوا الفكاك منها ؟ يبدو أن الشق الثاني من السؤال كان مستوطنا عند البعض في مؤخرة عقولهم , و لكن كاريزمية القائد جون قرنق و قوة شخصيته في إدارة شئون الحركة الشعبية حالت دون إرتفاع أصواتهم , فقد كان قرنق مقنعا عندما قال لمثل هؤلاء : ( إننا ذاهبون إلى الخرطوم و إلى كل السودان , و أنتم إن أردتم التوقف عند كوستي فلكم ذلك ) !
لم نسمع في حياة قرنق القصيرة بعد إتفاقية سلام نيفاشا شيئا مثل التهجم العرقي على الشماليين و نعتهم بالجلابة و نبش كل رواسب الماضي أثناء فترة الإحتراب الطويلة . لقد سبق للسيد باقان أموم أمين عام الحركة الشعبية أن أدلى بتصريحات كتلك عدة مرات , بل و قد تمادى في ذلك و صرح في ندوة في القاهرة أنه لا يحس بالإنتماء إلى السودان الحالي , بل لديه إحساس بالإنتماء أكثر إلى كوبا التي عاش و تعلم فيها , و أنه ربما يهاجر مستقبلا إلى أي قطر آخر يعيش فيه ! هذا خير مثال لما أوردته قبلا . السيد باقان أموم كان الأمين العام للتجمع الوطني الديموقراطي بعد السيد مبارك الفاضل و إنضمام الجيش الشعبي لجبهة المقاومة في شرق السودان . إن كان السيد باقان منغلقا قبل ذلك في حرب الغوريلا في غابات الجنوب أو في مكاتب الحركة الشعبية في دول الجوار , فإن فرصة تقلده لمنصب الأمين العام في التجمع قد أتاحت له التعرف أكثر على السودانيين بمختلف مشاربهم , و كان عليه بالأحرى أن يغير بعض أفكاره القديمة إن لم يكن جلها . الآن السيد باقان أموم يعتبر أكبر صقر من صقور الإنفصال في الحركة الشعبية , و رغم مشاركته للسيد ياسر عرمان في الحملة الإنتخابية لرئاسة الجمهورية بحكم منصبه , إلا أنني أرى أنه لم يكن مقتنعا بما كان يفعل , و لذلك كان هو الذي صرح بإنسحاب الحركة من المشاركة في إنتخابات رئاسة الجمهورية و من ثم من الإنتخابات في الشمال !
للأسف كان هنالك بعض الكتاب الشماليين يدبجون مقالاتهم مجاراة لتصريحات السيد باقان العنصرية فسايروه في الكتابة المشينة عن الجلابة و أفاعيلهم في الجنوب و نسبوا للشماليين كل المآخذ الإستعمارية و تركاته في الجنوب , و تستر البعض منهم من سؤ كتاباتهم فكتب بأسماء مستعارة , لكنهم قد أحسوا خطأهم في ترسيخ سياسة الكراهية ضد الشماليين لدى الجنوبيين حين إرتفعت الآن اصوات الإنفصاليين الجنوبيين , فصمتوا صمت الموتى عما كانوا يكتبون ! إذن فقد إنحسر الشعور بالإنتماء عند الإخوة الإنفصاليين في الجنوب , من الإنتماء إلى كل السودان إلى الإنتماء إلى ارض جنوب السودان . هل هذا بحكم القومية العرقية اللونية ؟ و هل توجد قومية مثل هذه و لا زالت في مخيلتنا ما حل بالهوتو و التوتسي من حرب إبادة في رواندا ؟ القومية الحقة فيها شعب مترابط متداخل و لها لغة مشتركة و لها تاريخ و مصير واحد . العالم يتجه نحو الكيانات الكبرى , و التنوع السكاني الخلاق صار مرغوبا في الدول العظمى كما في أمريكا و بريطانيا و فرنسا , و التطور الثقافي و المعرفي صار يهدم الكثير من الجدران العازلة القديمة , و هكذا يكون المستقبل كما تقول مؤشراته .
الإخوة الجنوبيون مؤيدو الإنفصال صاروا يروجون لبضاعتهم علانية و يهاجمون في ذلك الحكومة و أفاعيلها المضادة لإتفاقية السلام و آحادية توجهها الإسلامي , و أيضا يهاجمون منبر السلام العادل و ما يبثه من سموم قاتلة للوحدة عن طريق صحيفته ( الإنتباهة ) . أقول هنا أن حكومة الإنقاذ كالحكومات السابقة ليست بدائمة حتى تكون سببا في إنفصال الجنوب , و حري بالإخوة في الجنوب أن يعوا ذلك , و ان منبر السلام العادل أرى أن لا بد من حله و إيقاف صحيفته لأنه يعمل ضد توجهات الدولة و ضد أمنها , و هل يوجد للأمن عمل أكثر من المحافظة على وحدة البلاد ؟
omar baday [ombaday@yahoo.com]