الحركـة الشـعبية وقـطار الجنـوب

 


 

 

abu_suli@hotmail.com

 

لقد فرضت الأهمية الجيوسياسية التي تتمتع بها السودان إضافة الى المعطيات الدولية، إلى تدخل القوى العالمية الكبرى في حلبة السباق والتنافس من اجل حجز موطئ قدم لها في هذا البلد، بما يحقق مصالحها وفتح آفاق لتحقيق اكبر قدر من المكاسب. إن أهم مقومات التنافس المحموم على هذا البلد، ينصب في مخزونه الإستراتيجي من الموارد الطبيعية والمواد الخام الدفينة تحت أرضها، والتي تحتاجها الصناعة العالمية لقلة تكاليفها. وتتنافس الصين والولايلت المتحدة الامريكية بشراسة لإستحواذ خيرات السودان، وبشكل خاص حول منابع الذهب الاسود(النفط) ، والتي تعتبرها كل من الدولتين الركيزة الاولى لأمنها القومي التي هي خارج إطار المساومة. وينعكس هذا التجاذب داخليا بوقوف الخارج  وراء كل من شريكي الحكم الرئيسيين في البلاد المؤتمر الوطني والحركة الشعبية . نعم لقد تم إكتشاف النفط على أيدي الشركات الامريكية، ولكنها أوكلت استخراجها للصين ، التي  أصبحت الدولة المهيمنة على حقول وإستيراد البترول السوداني، بل ايضا على الموارد الطبيعية والدفينة الآخرى، بينما تسعى اليوم الولايات المتحدة الامريكية للتنافس والصراع على المادة  اخرجتها للوجود مع التطلع الى ثروات السودان الاخرى وموقعه الإستراتيجي الفريد في القارة الإفريقية.

حملت إتفاقية نيفاشا الحركة الشعبية لتحرير السودان الى سدة الحكم، وجعلتها الحاكم على جنوب البلاد مع تقليدها منصب النائب الاول لرئيس الجمهورية السودانية. مضت اربعة أعوام على إنهاء الحرب القذرة في الجنوب والتي ذهبت ضحيتها مئات  الإلوف من الارواح السودانية، عليهم رحمة الله جميعا. إنها اربعة اعوام من السجال الحاد  بين شريكي الحكم في الخرطوم وجوبا، التي طغى عليه طابع الملاسنات اللاذعة بين الطرفين والتي كانت بمثابة  قنبلة موقوتة  التي فجرها الامين العام للحركة الشعبية وحرك بها قطار الجنوب، باتجاه  الإنفصال الذي  سيتم إعلانه من داخل برلمان الإقليم الجنوبي في حالة عدم إلتزام المؤتمر الوطني ببنود إتفاقية نيفاشا. جاء رد الشريك سريعا ، الذي اعتبر هكذا خطوة هي بمثابة  العودة لنقطة الصفر ، وتشكل العودة للتمرد. لقد سبق الامين العام للحركة الشعبية في هذا المنوال كلا من المبعوثين الامريكيين السابقيين للسودان ، ونتر(يشغل اليوم منصب مستشار حكومة الجنوب) وناسيوس، خلال مساءلة امام لجنة العلاقات الخارجية للكونغرس الامريكي، واتفقا على ان إنفصال الجنوب عن الشمال اصبح مسألة حتمية. الذي تلوح تعبيراته بالإحتفال في جنوب الوطن بأحداث توريت الدامية لعام 1955 ونوه بأنها الإنطلاقة للإستقلال.

حملت النشرة الإخبارية للتلفزيون الرسمي مساء الاربعاء الموافق 11.08.2009 هجوما قاسيا

على مضي اربعة اعوام لتولي الحركة الشعبية حكم جنوب البلاد، وأسهبت في التقريع والتنكيل بإدارة الحركة للحكم ، متهمتها  بتبديد الاموال وهدرها وشيوع الفساد، وتعميم الأنفلات الأمني  مع إشاعة مناخ لإرهاب النفسي على المواطنين من قبل قوات جيش الحركة،الذي عمم حالة من الجوع ونقصان الأمن الغذائي وأصبح شبح المجاعة يهدد بالنقص الغذائي الحاد، إضافة للصراعات القبلية المستمرة التي ذهبت ضحيتها المئات من النساء والاطفال في الشهرين المنصرمين. لقد نسي المؤتمر الوطني ما يجري في الشمال، حيث  تعلمت الحركة إساليب وممارسات الحكم منه.

إن شعار السـودان الجديد الذي كان يحمله الراحل الدكتور جون قرنق مبيور ، قد قبر برحيل فقيد البلاد الكبير. نعم لقد كان شخصية وطنية، مؤمنا بوحدة تراب الوطن، وكان يمسك بيده خيوط الحركة وأجنحتها. نعم لو قدر له أن يكون على قيد الحياة لطويت مشكلة دارفور، وأوقف تشرذم حركة تحرير السودان والحال كذلك لحركة العدل والمساواة، ولحلت الكثير من أزمات البلاد العالقة، بل ما كنا لنرى هذة التقريعات المتبادلة بين شريكي الحكم المتنافرين والمتصارعين. منذ اربعة اعوام تنتظر دارفور زيارة النائب الاول لرئيس الجمهورية، الذي لم يفلح حتى الآن في تقريب وجهات النظر لحركات الإقليم الغربي المسلحة، والتي وصفها بالمستعصية!

هل تصريحات الامين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان تندرج في إطار الإبتزاز السياسي المتبادل مع المؤتمر الوطني، ام انها جاءت ردا على مشروع حمدي الإستثماري القائم على التركة السابقة، ام ردا على إرتباكات مركز السلام، ام ان لها مدلولا آخر؟ هناك عقبة أساسية تشكل شوكة ،،حوتة كبرى،، عالقة في حلقوم شريكي نيفاشا، تتمثل في كيفية الخروج من مأزق و تخطي عقبة التعداد السكاني مع ترسيم الدوائر الإنتخابية، تجاوز الإلتباس القائم في قراءة قرار محكمة التحكيم الدولية ومن يحق لهم التصويت لتقرير مصير أبيي، حيث لن تكون  نسبة التصويت المقررة(75%،66.6،او51%) عام 2011 أخر سهم  حول الوحدة او الإنفصال.

لقد ركبت أحزاب المعارضة السودانية قطار الإتجاه المعاكس، وتعطل سير القاطرة، منهم من يجلس في ردهات المجلس الوطني الفاخرة، مستمتعا بملذات إمتيازاته،و منهم من توارى حزبه الثرى مع الإمام الهادي عبدالحمن المهدي، وآخر مع الشريف حسين الهندي ويشوبه القلق بتعريض الامن القومي المصري الى خطر في حال إنفصال جنوب الوطن وكأنما لا علاقة له مع الامن القومي السوداني منبع وطنيته.  حقا ان جمال الدين الأفغاني على حق حيث قال : إن الاحزاب السياسية نعم الدواء ولكنها لا تلبث حتى تنقلب إلى بئس الداء، ويعود السبب الى عدم التكافؤ بين الامة وأحزابها. نعم ان الأُمة قادرة على العيش بدون سلطان ولكن السلطان لا يمكن ان يعيش بدون أمة ورعية.

هل السجال الدائر اليوم في المنتدى السياسي السوداني حول تحريك قطار الجنوب، والإلتباسات التي تحوم حوله ، هو إيحاء  جديد للتدخلات  الخارجية حول المشهد السوداني المتأزم، الذي يمكن ان يهيأ المناخ والذريعة ويشكل بوابة عبور لها من اجل التمركز داخل الوطن والعبث بأوراقه المكشوفة؟ الضرورة تحتم على المواطنين مسآءلة الحاكمين على أخطائهم ومراجعة التجربة السياسية والفكرية وتقديم رؤية  كاملة  لتستطيع من خلالها مناقشة مجمل القضايا التي تعصف بالسودان  وتقيم التجربة والأستفادة من دروس الماضي والنتائج، إذا كان المقصود التطلع والسير نحو سودان موحد.

نقلا عن الصحافة

 

آراء