الحرية والتغيير تراهن على من…؟

 


 

 

عقدت المجلس المركزي لتحالف قوى الحرية و التغيير اجتماعه على مدى يومين ( 24-23 يوليو 2023م) بالقاهرة و أصدر بيانه الختامي الذي يبين رؤيته في الأزمة السياسية، و البيان من ناحية المحتوى لا جديد فيه غير نقطتين أساسيتين الأولى إدانة مارتكبه الدعم السريع في حق المواطنين واردف معه القوات المسلحة فق قصف المواطنين كما جاء في البيان. القضية الثانية توسيع قاعدة المشاركة في جبهة وطنية عريضة سمها البيان "وحدة القوي المدنية وقوى الثورة والتغيير" هذه الفقرة لا تتلاءم مع فقرة "تأسيس الدولة السودانية الجديدة عبر مشروع نهضوي جديد يحقق السلام المستدام ويقيم نظاماً مدنياً ديمقراطياً يحترم التنوع السوداني ويحسن ادارته" أن إقحام مصطلحات متناقضة ترضية للبعض هو الذي يشكك في مصداقية الهدف: كيف تستقيم (الثورة مع الديمقراطية) الأولى هدم و ادواتها تقود لنظام شمولي مهما تعللت و ملأت الشعارات بالديمقراطية، هناك بعض النخب تعتقد أن دخول مصطلحات الثورية تعني علو قدم المرء في الثقافة السياسية، و درج بعض السياسيين اقحام المصطلحات في غير مواضعها. مثلا لم تحدثنا الحرية عن ( مخاطبة جذور المشلكة) المصطلح الافي بين أصحاب عقل البندقية منذ ثمانينات القرن الماضي.
يقول البيان في إحدى فقراته "أكد الاجتماع إن الحرب التي اندلعت في 15 ابريل 2023م هي نتاج عقود من تراكمات سلبية، صاحبت انظمة الحكم الوطني منذ فجر الاستقلال وغياب المشروع الوطني الذي يحظى بإجماع كافي وعدم قدرة النظام السياسي علي التجديد والتحديث والتقدم، وإن قوى ثورة ديسمبر المجيدة سعت لكتابة تاريخ جديد لبلادنا،" هذا هروب إلي الأمام، و محاولة لتغبيش الوعي؛ ليست حرب 15 إبريل هي نتاج عقود من تراكمات سلبية، هي نتيجة لمصالح ذاتية ليس لها علاقة بالقضايا الوطنية. و كلمة تراكم محاولة لتعتيم قضية، هل الحرب خلاف داخل البناء العسكري أم سببها طموحات لقيادات تسعى فقط للسلطة؟ هذا الذي يجب أن يعرفه الشعب السوداني بعد وقف الحرب، هل هم بالفعل ( الكيزان) كما تقول قيادات الحرية أم هناك قيادات سياسية ضليعة في هذه الحرب؟ الحرب لها مسببات و طموحات يجب معرفتها و ليست نتيجة لتراكمات تاريخية.
ننتقل إلي محطة أخرى يقول البيان "أجاز الاجتماع الرؤية السياسية لإنهاء الحروب وتأسيس الدولة السودانية الجديدة عبر مشروع نهضوي جديد يحقق السلام المستدام ويقيم نظاماً مدنياً ديمقراطياً يحترم التنوع السوداني ويحسن ادارته ويبني جيشاً مهنياً قومياً واحداً ينأى عن السياسة ويخضع للسلطة المدنية. وفي هذا فإننا لن نبدأ من فراغ بل سنستصحب كل إيجابيات تجربتنا الوطنية والبناء عليها في إطار مشروع التأسيس والنهض." تجربة الحكم منذ أغسطس 2019م حتى أكتوبر 2021م تجربة قوى سياسية لم يكن لها أي أهتمام بمشروع ديمقراطي، كانت ساعية فقط لتمديد الفترة الانتقالية حسب ما تقتضي مصالح القيادات الحاكمة، و نسأل أي صرح ديمقراطي شيدته هذه المجموعة ( المؤسسات العدلية – المفوضيات – إصلاح الخدمة المدنية – مشاركة 40% من المرأة في الوظائف – مشاركة الشباب الذين صنعوا الثورة) ؟ أن القيادات التي قدمتها الحرية و التغيير و أدارت بها الأزمة، لا اعتقد إنها سوف تجد قبولا من قبل الشارع، و الذي تريد الحرية و التغيير أن تتحاور معه، بعد انقلاب 25 أكتوبر عجزت قيادات الحرية ان تتحاور مع الشارع، و عندما بدأت تشرع في ( الإطاري) أيضا أهملت الشارع. أن أحزاب هذه القيادات إذا كانت بالفعل تريد التواصل مع الشارع أفضل لها أن تقدم قيادات جديدة بمشروع مغاير.
أن تجربة الحرب المؤلمة التي يعيشها أهل السودان في عقول هؤلاء و يريدون إعادة التجربة بذات الأفتراضات السابقة، يقول البيان " ثمن الاجتماع الدور الدولي والإقليمي الذي يعمل على تيسير العملية السياسية وفقاً لإرادة الأطراف السودانية، وأكد على ضرورة أن تتكامل المبادرة السعودية الامريكية مع خارطة طريق الاتحاد الافريقي والايقاد ومقررات مؤتمر دول الجوار ومجهودات المجتمع الإقليمي والدولي الرامية لوقف الحرب لتصبح عملية واحدة بتنسيق بين الميسرين والأطراف السودانية". الدور الدولي إذا اقتضت المسألة وجوده فقط أن يكون مراقبا، و لكن أن يأتي مرة أخرى لكي يفرض اشخاص بعينهم، مسألة لن تكون مقبولة من قطاع عريض من السودانيين، و أيضا الاجتماعات في الغرف المغلقة بهدف إخراج قرارات ملزمة للأخرين غير مقبولة. إذا كانت قيادات الحرية مؤمنة بالجماهير و تريد أن تفتح معها حوارا لماذ الجري وراء المجتمع الدولي و إدخاله في شئوننا الداخلية.
إذا عرجنا لقضية الحرب قال الفريق أول ياسر العطا نائب القائد العام للجيش وسط حشد من الجنود في سلاح المهندسين بأمدرمان "أن الجيش رافض الهدن و أي مفاوضات قبل أن تخرج المليشيا من العاصمة و بعض المدن" و أيضا كانت الجماهير خرجت في عدد من الولايات ترفض الهدن. الحرية لها رؤية لوقف الحرب تقول في بيانها " وجه الاجتماع بنشر الرؤية الاستراتيجية كاملة لجماهير الشعب السوداني وفتح نقاش وطني حولها وصولاً لإنهاء الحرب وبناء مستقبل جديد لبلادنا تحت رايات الوحدة والسلام والعدالة والمواطنة المتساوية والديمقراطية والعيش الكريم." تباينت الرؤى: و وجب على قيادات الحرية الذهب مباشرة للخرطوم و استنفار الجماهير و الطلب منها الخروج في مليونية لكي تغير المعادلة، أما المناشدات لا تغير في الجوهر شيئا. المسألة الأخرى للحرب يجب ان يصحبها مشروع يقنع الكل للعمل من أجل وقف الحرب.
في قضية المشاركة في الشأن الوطني و بناء الدولة يقول بيان الحرية "طالب الاجتماع بضرورة تصنيف المؤتمر الوطني وواجهاته كتنظيم إرهابي جراء جرائمه التي ارتكبها منذ تقسيم البلاد والإبادة الجماعية انتهاءاً بإشعال حرب 15 أبريل والسعي لاستمرارها وتغذية خطابات الكراهية والعنصرية وتقسيم البلاد." هذا حديث اتفق عليه الناس منذ ايام الثورة، و قالت قيادة المؤتمر الوطني أنها لا تريد المشاركة في الفترة الانتقالية، و أنهم سوف يحضرون أنفسه للانتخابات. لكن تغير الموقف جعلت كل المجموعات الإسلامية في سلة واحدة، و تم معاداتها. الحرية و التغيير هي التي خلقت لنفسها تحديات كان يمكن تجاوزها، و السبب أن بعض القيادات في الحرية و التغيير كانت تعتقد أن إبعاد هؤلاء حتى لا يضايقوهم في المحاصصات، لأن الفكرة كانت مركزة على السلطة و اليس الديمقراطية. لآن الأخيرة تتطلب توسيع قاعدة المشاركة الاجتماعية.
ينتقل البيان و يتحدث عن مرحلة ما بعد الحرب و يقول "نستعد لما بعد الحرب ببرنامج إسعافي يستعيد المؤسسات المالية والإقتصادية ويعيد الإعمار ويستعيد عافية الإقتصاد ويهتم بالمنتجين بالتركيز على صغارهم، ويحقق التوازن التنموي وتقديم الخدمات لكل المواطنين. يعمل كذلك على تحقيق العدالة الجهوية والنوعية، وعلى حشد الموارد الوطنية والتعاون الدولي لتفجير طاقات بلادنا الإنتاجية ليصبح السودان مصدراً للسلام والأمن الغذائي." و نستعد راجعة (نحن) هل قوى الحرية قد كيفت نفسها بانها هي القوى التي يجب ان تتسلم مقاليد الحكم لكي تنفذ هذا البرنامج. أم الحكومة التي يجب ان يتم اختيارها من قبل المجتمع الدولي الذي أشارت إليه، و بالتالي تريد أن ترجع الكل للمشاكسة السياسية حول ( الاتفاق الإطاري)، أم هو اجماع القوى السودانية دون المؤتمر الوطني. حقيقة أن ثقافة اليسار المتغلب عندما ترفع في غير موضعها لا تفهم تحتاج لتعريف. و هل البلاد في حاجة إلي فترة انتقالية ترجعنا إلي نقطة الصفر. أم البلاد في حاجة لرئيس وزراء من داخل السودان يختار حكومة مهمتها الإعداد لانتخابات لرئيس للجمهورية لكي ينقل الناس للتفويض الدستوري.
أن قوى الحرية و التغيير كتحالف يضم عددا من الأحزاب و أفراد من مجموعات المهنيين لهم الحق أن يشكل وضعهم السياسي كما يريدون، و أيضا أن يقدموا رؤيتهم السياسية، و الرؤية المقدمة لا تحمل جديدا غير موافقتها بتوسيع الماشاركة. مرة تجعلها واسعةن و مرة ترجع عندما تتذكر معها من (اليسار حتى،) و تغلفها بالثورية. و أيضا للأخرين رؤى مخالفة تماما. أن الديمقراطية و السعي لها لا تقبل إلا ثقافتها و الأدوات الملائمة لها، و تحتاج إلي عصف ذهن أفكار تطرح للحوار و ليس شعارات ترجع لمينوفستات ترجع لثمانينيات القرن الماضي و أثبتت التجربة فشلها تماما. مع خالص التقدير. نسأل الله الأمن و الأمان و الاستقرار و النهضة لبلادنا.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء