الحسن الميرغني بين خيارين أحلاهما مر

 


 

 

المقال السابق قد أشار أن عامل التغيير الجديد الذي دخل علي مؤسسة " الأسرة الميرغنية" هو "التعليم الحديث" و أن التعليم له أثرا كبيرا في طريقة التفكير، و يساعد صاحبه على التفكير خارج الصندوق، و أيضا يساعد على بناء التصورات حول مسألة الإصلاح السياسي، و خاصة إصلاح المؤسسة الحزبية و التي تحتاج لقدر عالي من الإبداع و الإنتاج الفكري، و هل هذا متوفر في جيل الميرغنية الجديد، أم أنهم يريدون السير في ذات الطريق الذي رسمه السيد علي؟ هذا هو التحدي أمام الجيل الجديد في الأسرة، و فرضه عاملان التعليم و وسائل الاتصال الاجتماعي. و التعرف على التحدي و كيفية مواجهته، نأخذ "الحسن الميرغني نموذجا " باعتبار أن التصور السياسي عنده أكثر تقدما عن أخيه جعفر الذي وافق أن يكون أداة لحفظ مصالح " رجال حول والده" و المجموعة هي التي سوف تفكر نيابة عنه، و أيضا يريدون واجهة يستندون عليها و يمارسون السياسة بأسمه، و لذلك يراهنون على وصايا السيد علي الميرغني. التي تؤسس على " القدسية" رغم إدراكهم أن الواقع في حالة تغير مستمر. و هذا لا يمنع أن بقية الأخوة سوف لن يطرحوا أنفسهم مستقبلا متنافسين في الساحة السياسية. أن الواقع المتغير سوف يفرض شروطا جديدة يجب معرفتها و استيعابها من خلال طريقة جديدة للتفكير.
أمام الحسن الميرغني أربعة تحديات أساسية، و هي تحديات مرتبطة برؤية الحسن لكيفية التعامل معها، و التحديات تتمحور في الأتي:-
1 – الاعتراف أن السياسة التي كان يدير بها والده كانت خاضعة لشروط المجتمع في ذلك الوقت، و الآن هي غير مفيدة و يجب أن تتغيير، و خاصة أن الحسن أكثر علما بعلم الإدارة. و الحسن عنده قدرة على التفكير لوحده دون وصاية من آخرين. و يجب أن يكون له قاعدة تنطلق من قاعدة معرفية، و ثقافية، تستطيع أن تقدم استشارات مفيدة.
2 – أن سياسة تعين قيادات في قمة الحزب من مدخل الولاء سوف تضر بالحزب، و لن تجلب غير العناصر ذات المقدرات المتواضعة، و يجب الاعتماد علي الكفاءة عبر ما تنص عليه لوائح الحزب من خلال التصعيد عبر صناديق الاقتراع، و التنافس الديمقراطي، يجب اعتماد أن تصبح السلطة للمؤسسة و لوائحها، لأنها تفتح الأبواب للعناصر المقبولة من قبل القواعد و العناصر الصلبة و ذات المعرفة المطلوبة.
3 – يجب التفريق بين ثقافة الطريقة و الثقافة السياسية. و الخروج من دائرة الشيخ و الحوار. فالكل داخل الحزب لهم حقوق و واجبات، و الجميع يجب أن يحترموا اللوائح الداخلية للحزب، و الجميع يجب أن يشاركوا في الانتخابات، و أحترام نتائجها، و ينتظر المعارضون لانتخابات أخرى دون الخروج لتكوين حزب جديد، كل ما توسعت المواعين الديمقراطية في الحزب سوف تحافظ على وحدته و قوته الاجتماعية، و تجاوز القوانين و اللوائح داخلية للحزب هي التي تبرز مجموعات التكتل و الشللية، و هؤلاء غير مفيدين لأنهم عرضة بأخذ عدوة الأمراض الاجتماعية.
4 – و أمام الحسن خيارين الأول إذا كان يريد قيادة الحزب، يعلم أنه سوف يدخل في تنافس مع الأخرين. و إذا كان يريد أن يكون راعيا للحزب، كما كان السيد علي الميرغني هذا موقع خالي كان حتى عام 1985م و يعطى له، لكن دون أن يكون له تدخل مباشر في العمل السياسي و صراعاته كما كان السيد علي الميرغني.
أن التحديات التي تواجه " أسرة الميرغني" سوف تفرض نفسها، و تزيد و لا تنقص، وفقا لإزدياد الوعي في الشارع، و خاصة في "الأجيال الجديدة" باعتبارة أن المعلومة منتشرة في النيت، و أن التعبير عن الرآي مسموح به، و يشكل ضغطا علي أي قيادة، و هذا التعبير لا تحكمه و معايير محددة، خاصة في بدايات التحول الديمقراطي، و يمكن أن يشكل حالة من التمرد على كل القديم، و بالتحديد على الأحزاب التقليدية، و ينظر إليها واحدة من مسببات الفشل السياسي في البلاد، هذه التحديات تحتاج إلي عقليات متفهمة لواقع التغيير، و باعتباره حالة تمرد على كل المؤروث. و إذا كان يريد الحسن الميرغني أن يتعامل معها من خلال أن يتدثر بالقداسة سوف يجد قبولا متواضعا ثم يتراجع اجتماعيا. و يجب عليه أن يدرك أن التحدي يحتاج لعقلية جديدة تستوعب هذا التغيير، و أثره على الأجيال الجديدة.
من خلال التعامل السياسي للحسن الميرغني في هذا الفترة الزمنية القصيرة ما يزال مؤمن بدور الكارزمة في المؤسسة الحزبية، رغم علمه أن الكارزمة ضد المؤسسية، و هي التي اقعدت الحزب في أن يمارس دوره باعتباره دولة محورية سياسية في السودان، حيث غاب الحزب الاتحادي الديمقراطي غيابا كاملا عن الساحة السياسية و يرجع ذلك لدور الكارزمة، و يجب أن يطرح الحسن الميرغني مسألة الكارزمة لحوار مفتوح بين قواعد الحزب. لأنها ليست قضية متعلقة بفئة محصورة في القيادة أو في أسرة بعينها، هي قضية تتعلق بحركة الحزب الجماهيرية و أيضا بالمشاركة الواسعة في أتخاذ القرار.
أن الطريقة الختمية هي رافد كبير للحزب جماهيريا، لكن الطريقة لها ثقافتها الخاصة التي يجب أن تكون على مسافة من الممارسة السياسية، باعتبار أن الثقافة السياسية القائمة على الندية تختلف تماما عن ثقافة الطريقة القائمة على الولاء و تبعية الحوار للشيخ و عدم مجادلته في رؤيته إذا كانت دينية أو غيرها. هذه المسالة يجب أن يجعلها الحسن نصب عينيه، و هي التي كانت قد قادت لانقسام الحزب الوطني الاتحادي من قبل و تكوين حزب الشعب الديمقراطي بمباركة السيد علي الميرغني، و يجب أن لا تتكرر مرة أخرى.
و معلوم أن أي معادلة لها جانبين. و الجانب الأخرى في المعادلة هي الجماهير، أو الحاشية التي تحاول أن تجتمع حول الكارزمة، هؤلاء هم الذين يشكلون أكبر عائق لإنطلاقة أي حزب سياسي، لأنهم هم الذين لا يعرفون البوح في الهواء الطلق و يفضلون الغرف المغلقة التي يكثر فيها الهمس علي آذان الكارزمة، و هي فئة موجودة في أي حزب سياسي، الغريب في الأمر أن وجوهها متحجرة و أجسادة متلونة تقبل العيش في أي وضع كان، هي الفئة المشحونة بالأمراض الاجتماعية " الانتهازية – التملق – الوصولية و غيرها" هي يعلوا صوتها عندما يضعف الحزب و يصبح منطقة طاردة للعناصر ذات القدرات العالية، و يضعف صوتها عندما تسحب الكارزمة كل المقاعد التي حولها. فهل الحسن سوف يدرك هذه الفترة التاريخية الصعبة التي يمر بها الوطن و حاجتها لأحزاب ديمقراطية مفتوحة. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء