الحكم المدني الديمقراطية هو الحل

 


 

 

فلنتخيّل أننا ظننا نمارس الديمقراطية، ونجري الانتخابات في مواعيدها، في كنف الدولة البرلمانية منذ 1989 أي حوالي 33 سنة بما يعادل 9 دورات برلمانية، فهل يا ترى سيبقي من درنا السياسي شيء؟

خلال الممارسة الديمقراطية الراشدة، هنالك من يعزف علي وتر الأجندة الاجتماعية وهنالك من يضرب علي طبل الطرح الرأسمالي أو اللبرالي وهنالك من يطّبل للنظام الفدرالي، أو يدعو إلى تعزيز القبضة المركزية، وهناك من يطرح "الإسلام هل الحل"، الكل يعرض بضاعته في السوق السياسي المفتوح، ويعزف لها، وهي مهضومة في إطار أنا أرى، وأنا افتكر، وأنا أعتقد، دون تجريم ودون تخوين، وعلي الناخب أن يختار اللحن الذي يناسبه للرقص علي إيقاعه، قبل أن يضع القصاصة على الصندوق الانتخابي.

في ظل هذا الخيار، لا مجال لادعاء تجار الحرب تمثيل الغلابة، أو من بإمكانه التشدّق بالوصاية على الشعب، وبالتأكيد سيبور بضاعة ومن يتاجر بالإسلام في سوق السياسة المفتوح.

تأكيد الفشل الزريع للأنظمة الأحادية الشمولية، هو تأكيد لرجاحة الطرح الديمقراطي والمبَشر بعودته الميمونة ولو بعد حين، الديمقراطية نبتة حسّاسة، تحتاج مساحات شاسعة من الحريات، وقدر عظيم من المسؤولية والتسامح، والقدرة على عدم الخلط بين السياسية، والعلاقات الإنسانية الأخرى، والصبر وتفادي الاستثمار في الأزمات لإصدار أحكام جاهزة لوأد الممارسة في إي منعطف.

الديمقراطية والحكم المدني سيان، ولابد من ترسيخ الأخيرة، بحيث لا تتأثر بهوج الرياح السياسية، لضمان استمرار دوران دولاب الخدمة العامة حتي بدون حكومة، والاّ يسلط سيف الإحالة للصالح العام، على رقاب المعارضين، كما تفعل الأنظمة الشمولية الغاشمة .

تحت قبة البرلمان، إن أرادت الأحزاب ذات الهوى الرأسمالي أن تفرض اقتصاديات السوق الحر، تصدت لها الأحزاب الاشتراكية، التي تكافح من اجل الأجندة الاجتماعية، وإن حاولت الأحزاب السيارية أن تستبد، تصدت لها التنظيمات اليمنية، والعكس صحيح، وفي الحالات المصيرية، لابد من استفتاء الشعب، لذا لابد من نقطة وسطي، ولهذا تعتبر التركيبة السياسية للمملكة المتحدة وإيرلندا (ديمقراطية ويست منستر) هي الأفضل عالميا، أي النظام الهجين بين الاشتراكية الاجتماعية، واقتصاديات السوق الحر، هو السبب وراء تكالب المهاجرين إلي أوروبا من كافة بلدان العالم إلي بريطانيا، النظام الذي يسمح للمسلم أن يكون عمدة لمدينة مثل لندن، دون حساسية ضد أصوله أو معتقده.

من الطروحات التي لا تخلو من سوء النوايا، المطالبة بإطالة أمد فترات الحكومات الانتقالية، بحجة تهيئة الأجواء الانتخابية، بالنسبة لبلد كالسودان، نال استقلاله عبر ممارسة ديمقراطية راشدة، من تحت قبة البرلمان قبل اكثر من ستة عقود، نعتقد انه مهيأ إلي حدٍ كبير لإجراء انتخابات خلال ستة أشهر أو بالكثير سنة، إن صدقت النوايا، وخلصت التوجه، وأي تشكيلة برلمانية هي افضل من حكومات، محاصصة تفرض نفسها علي الشعب وتعرض مصير البلاد السياسي إلي مخاطر وأطماع الشمولين، ومكر العسكر، والناس في  غن عنها.

في زمان الناس الأغبر هذا، لا يضمن الإنسان، إلا نفسه من التبدل والتحول، فقد انعدمت الثقة في القائد العسكري مهما اقسم، ولا يمكن الوثوق في الزعيم السياسي مهما تبجح، يمكن الوثوق فقط في الصندوق الانتخابي.

هنالك العديد من نماذج الممارسة الديمقراطية، ليس واردا أن يتولى أي شخص منصب دستوري قبل اجتيازه الموافقة البرلمانية، وبالتالي لا مجال لإسناد الأمور لغير أهلها، وعلي التنفيذيين والدستوريين إرضاء نواب الشعب أولا، قبل إرضاء زعماء أحزابهم.

الممارسة الديمقراطية يمكن أن تطور، بحيث لا يشترط في التنفيذي أو الدستوري أن يكون صاحب مقعد برلماني، الأمر الذي يمنح الفرصة للتكنوقراط الشطار الفوز بثقة نواب الشعب وتولي مناصب رفيعة.

الانتخاب في حد ذاته يعني اختيار العنصر الأفضل، ونواميس هذه اللعبة السياسية، تكرس البقاء للأفضل في الساحة، وتفرض على الأحزاب أن تطوّر نفسها ذاتيا، كضرورة حياتية، أو تشريعيا بسن قوانين تقنن عملها، مستفيدة من تجارب الآخرين، وتجبر الكيانات الصغيرة علي التحالف أو الاندماج مع كيانات أخرى لتضمن حصاد انتخابي معتبر، لذا من المتوقع بل حتمي أن تتخلص كتلة الكيانات المنافسة، لتضع حدا للفوضى السياسية، وتريح الناس من زخم أحزاب الفكة الكرتونية، وتحرر الكيانات الطائفية والأسرية من الانكفاء علي نفسها، والركون على ماضيها، إن أرادت الاستمرارية والبقاء في الساحة السياسية، هذا هو الحل السحري المضمون لمعضلة الحكم في السودان.

بالطبع هذه الوصفة السحرية، لكي تسري مفعولها، وتأتي أكلها، لابد أن تهيأ لها ظروفها وطقوسها الخاصة، وإلاّ انقلب السحر على الساحر، والتاريخ شاهد على صناديق انتخابية نزيهة، صنعت طغاة مثل هتلر، وكرّست أنظمة استبدادية، مثل نظام أردوغان التركي، وقيس السعيد التونسي (قيد التخّلق)، الأمر الذي يؤكد على ضرورة مراعاة الطقوس المطلوبات الانتخابية، لا يتسع المجال لتفنيده.

ولن يتحقق الحلم المدني الديمقراطي ما لم تغادر الغالبية الصامتة محطة السلبية، والتحرك خطوات نحو المطالبة بممارسة حقهم الدستوري، وعدم ترك الانتهازين والعاطلين عن العمل، وفاقدو الأهلية، العبث بمقدراتهم ومصير بلادهم، لابد من تجريم التقاعس غير المبرر عن ممارسة الواجب الانتخابي الدستوري لكل مواطن راشد رجل أو امرأة.

ebraheemsu@gmail.com

 

آراء