الحكومة الانتقالية – جرد حساب السنتين

 


 

 

النقد الذاتي واحد من المباديء الاساسية للتقويم والاصلاح واستبانة الدرب الصحيح، ومراجعة النفس واحدة من أهم الوسائل المفضية لعدم التورط في الشطط والتمادي في الخطأ ومفارقة الطريق الفسيح، فكثير من الناس لا يعير لمثل هذه المباديء الاخلاقية العالية اي اعتبار، لذلك تجيء محصّلاته الحياتية محاطة بالفشل الماحق، وتكون احواله المستقبلية اكثر سوءًا من حاضره المعاصر، ففي مجتمعاتنا يقوم صاحب البقالة باجراء عمليات الجرد الشهرية والسنوية ليتوقف بها على حقيقة وضعه المالي، هل هو دائن ام مدين؟، وبعدها يكون لكل وضع من هذين الوضعين ما يناسبه من القرارات، إنّ الحياة ومنذ ان يبلغ الانسان الرشد ويدخل في دائرة التكليف يبدأ في احتساب كل صغيرة وكبيرة من مجريات الاحداث المتعلقة بحياته، باعتبار أنه اصبح مسؤولاً عن تصرفاته وسلوكياته مسؤولية فردية مباشرة لا يشاركه فيها احد، وبحسبان أنه قد اخذ يبتعد شيئاً فشيئا عن الاعتماد على الرعاية الابوية والامومية التي كان يستظل تحت رحمتها، وعطفاً على كل ذلك، نرى أن الوالدين غالباً ما يقفا الموقف الحازم العازم والحاسم، حيال صغيرهما الذي لم يبلغ الحلم.
لقد مضى على الحكومة الانتقالية عامان وبضع اشهر، ماهي المكاسب التي جناها الناس؟ وهل اضاعت حكومة الانتقال هذه ثمة مكتسبات قد ورثتها من الحكومة البائدة؟، إنّ الراصد لاحداث الفترة الانتقالية يرى ذلك الانجاز الكبير الذي تحقق من بسط للحريات العامة والخاصة قبل انقلاب الخامس والعشرين من شهر اكتوبر الماضي، ويلحظ الانفراجة الكبيرة في العلاقات المالية والاقتصادية الدولية المتعلقة برفع الحظر وازالة اسم البلاد من قوائم الحظر، وفتح باب الاستنفاع من تسهيلات البنك وصندوق النقد الدوليين، والاستفادة من الفرص الممنوحة من حكومات البلدان ذات الوزن بخارطة الاقتصاد العالمي، مثل جمهوريتي المانيا وفرنسا والولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة والنرويج، هذا الانفتاح الدبلوماسي العالمي لعب فيه رئيس الوزراء دوراً مفتاحياً منذ الخطوة الاولى لدخوله لمكتبه، وحتى وصوله لخط النهاية المتوجة بهذه الاحتفائيات العالمية، فالوجه المشرق للحكم المدني قد بان عبر شاشة وسماعة الهيئة القومية للاذاعة والتلفزيون.
الخسائر المترتبة على نهاية حقبة العامين تمثل رأس سنامها في الانقلاب العسكري، الذي سعى بكل جرأة لاعادة الحرس القديم لتسيد المشهدين السلطوي والاعلامي، واتضح بؤسها في نحر الوثيقة الدستورية التي تعاهد وتواثق عليها الناس، وبانت نواجز سؤتها في كبت الحريات ولجم السنة الصادعين بالحق وتكميم افواه الثوار، واعتقال الاحرار لمجرد قيامهم بالتعبير عمّا يجيش بقلوبهم وبما وقع على افئدتهم من اسى جراء سحق رفاقهم، ثم قدوم ثالثة الاثافي المحاربة لذلك العقد الفريد من الدبلوماسيات والدبلوماسيين الذين خاطبوا المحفل العالمي بمنجزات ثورة السودان، فما ادخروا جهداً لرفع رايتها عالية مرفرفة باعالي الصروح الدولية، لقد خسرت البلاد عند ارتكاب هذه الحماقة الكبرى وحدة الصف الداخلي وفتحت الباب مشرعاً على مصراعيه لتدخل الانوف المغرضة صاحبة الجند والهدف المسموم، واضاعوا فرصة الوطن التاريخية للوصول الى وفاق وسلام دائمين بادخال جزء من كل في العملية السلمية، تاركين بعض الاعزاء الكرام خارج دائرة الاتفاقيات والمواثيق المستهدفة أمن وسلامة البلاد.
الخسارة الاكبر التي تكبدها الناس، هي استمرار التمكين الحزبي المدحور، الامر الذي فشلت في ايقافه اللجنة المنوط بها استئصال هذا الورم السرطاني الذي يحمل في طياته اشر اشرار الشرور، فبعد عامين ونصف العام تم حبس افراد نفس اللجنة بتهم لا تقل خطورة من تهم الفساد والافساد المشهور، التي كانوا يوجهونها لسدنة النظام البائد المحظور، فكانت أم الخسائر كامنة في تفاصيل بطء محاكمة رموز النظام البائد الموتور، الذين قضوا سنتين دون اصدار حكم قاصم للظهور، ولم يحظوا باغلاق لملف قضاياهم مختصر لامتدادات هذه الشهور، التي قضاها حملة عرش سلطة البغي والعدوان الحامية لامبراطورية الطاغية المشهور، الذي يقبع داخل سجن خمس نجوم توفرت فيه كل اسباب الراحة التي لا توجد الا باعرق القصور، ولو كان هنالك امر سوف تندم عليه امهات الشهداء المدفونين تحت اتربة القبور، لكان هو ذلك التماهي المفضوح مع السجناء الذين حكم عليهم شعبنا الصبور، هذا الشعب الذي لا يخاف في الحق لومة لائم ولا صولة زائف مأجور.

اسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
29 نوفمبر 2021

 

آراء