سلسلة مقالات تعريفيَّة “4” عن السينمائي السُّوداني حسين شريف: نُبذة تعريفيَّة عامَّة

 


 

 

هذه مقالةٌ تعريفيَّةٌ بسيطةٌ ومُوجزَةٌ عن السِّينمائيُّ والرَّسَّام والشَّاعرُ السُّوداني الرَّاحل حسين شريف ستتناولُ، بصُورةٍ عامَّةٍ ومُختَصَرَة، بعضاً من سيرتِهِ في مجال الإبداع السِّينمائي. أرجو أن يجد فيها قارئوها وقارئاتها، على الأقل، بعض الإفادة، إن لم يكُنْ بعض الإمتاع.

وُلِدَ السِّينمائي والرَّسَّام والشَّاعر السُّوداني الرَّاحل حسين شريف العالم في السَّابع من يوليو 1934م وتُوفِّي في 21 يناير من العام 2005م.

ألَّفَ الرَّائد السِّينمَائي حسين شريف الأفلام السِّينمائيَّة الآتية وأخرجَ ستة منها وشارك في إخراج أحدها (يوميَّاتُ مَنْفَى) فيما قام بإخراج آخرها الذي لم يكتمل تحريره (عن التُّراب والياقُوت) المخرج السِّينمائي وليد تامر:

1. جَدع النَّارْ
2. انتزاعُ الكهرمان.
3. النِّمُورُ شكلُها أفضَلْ.
4. ليست مياهُ القَمَرْ.
5. يوميَّات في المنفى.
6. الواثِقْ.
7. داؤود.
8. عن التُرابٌ والياقُوتْ.

وموضُوعُ فيلم جدعُ النَّار، ذلك الفيلم الوثائقي الذي ألَّفَهُ وأخرجه حسين شريف وأُصْدِرَ في العام 1973م باللُّغةِ العربيَّة، كان إحدى قبائل الأنقَسَنَا بمنطقة جنوب النيل الأزرق السُّودانيَّة. عبدت تلك القبيلة النَّار والشَّمس. ومن بعد الحصاد كان أهلُهَا يحتفلونَ بالرَّقص والمهرجانات وطقس يشتمل على جدع وإشعال الجَّمرات عِندَ الحقولْ. ويُشكِّلُ الرَّقصُ هُنَا طقسَاً على شرف الشَّمسِ وفيض إنعامِها. كما يُعتبرُ ذاكَ الطَّقسُ، في مُجمَلِهِ، بمثابةِ صلاةِ عِرفانٍ للشَّمسِ على بَرَكَةِ حصادٍ وفير. بعبارةٍ وجيزة، يُعدُّ ذاك الطَّقسُ، عِند تلك القبيلة، طقسُ خُصُوبَةْ.
حاز ذلك الفيلم على إشادات من النُّقَّاد السينمائيِّين عند عرضه في العام 1973م وهو قد كان عبارةَ عن فيلم وثائقي مباشر عن أُناسِ قبيلةٍ نائيةَ المكان وتقاليدهم المُبَجَّلة منذ عهودٍ عريقةٍ من الزَّمانْ.

وصُوِّرَ فلم انتزاع الكهرمان بمدينة سواكن السُّودانيَّة التي كانت في السابق ميناءاً سودانيَّاً مُزدَهِرَاً. وألَّفَ وأخرج ذاك الفيلم حسين شريف وأنتجه المجلس القومي للآداب والفنون بالسُّودان ووحدة إنتاج الأفلام السُّودَانيَّة وقام بتصوير مشاهده عبد المُنعم عَدَوِيْ وأنْتَجَهُ ألان بالارد Alan Ballard وصدر في العام 1975م باللُّغةِ العربيَّة وبلغت مُدَّةُ عرضه 32 دقيقة.

إنَّ كُلَّ أولئك الذين كتبُوا عن سواكن أقرُّوا بتشعُّبِ موضُوعِها كمادَّة للدِّراسة. وتُعدُّ سواكن مدينةٌ مُثيرَةٌ لفضُولٍ واهتمامٍ كبيرين إلى حدِّ أن أصلَ اسمَها ذاتِهِ لم يُتَّفَقُ على أصلِهِ فيما بين مُؤَرِّخِيْهَا والكاتبين عنها. وتاريخُ سواكن هو تاريخُ مجاعةٍ ووفرةٍ ورفاه، دَمارٍ وتَقَدُّم، تجارةٍ غنيَّةٍ وخراب، فضلاً عن استعمارٍ واحتلالٍ أجنبي. والذي يُصيِّرُ مدينةُ سواكن السُّودانيَّة قائمةً بقُوَّةٍ في الذَّاكرة هو صُمُودُها فهي مدينةٌ بُنيَتْ خَلَلَ الحربِ والغزوات وبلدتُها التَّاريخيَّةُ تُشكِّلُ نِتاجَاً للتَّصميمِ ورُوح المُنافسة المُثابِرَةْ.

اليومَ ترقُدُ مدينة سواكِن في الحُطام، ظلَّاً لنفسها السَّابقة. وقد استخدم السَّينمائيُّ حسين شريف في فيلمِهِ عنها رموز- من بينها العقارب وصَدَف البحر وقوافل الجِّمال- ليُصَعِّدَ حِسَّاً بالهُجران التَّام. إن المباني المرجانيَّة الخالية، مرأى العبيدُ عِند البحر وهم يجثُمُونَ عِند الشَّاطئ، كُلُّ ذلكَ يُضْفِي دلالات مُعيَّنة على الفيلم المعني. وبدءَاً من اختيار مؤلف ومخرج ذاك الفيلم عبارة "انتزاع الكهرمان" عنواناً له يتبيَّنُ لنا أنَّ العنوان إيَّاهُ مُوَضِّحٌ لذاتِهِ فلا كهرمان هنالك في سواكن الحاليَّة يمكن انتزاعُهُ ما يدُم من العسير جِدَّاً فعلَ ذلك وأنَّ ذاك العنوان يُقَدِّمُ لنا مُشابهةً استعاريَّةً بشأنِ فَصْلِ الجَّمال عن القُبحِ والحياة عن اللا حياة. والقصائد التي ضُمِّنَتْ في ذلك الفيلم والتي شكَّلت خلفيَّةً موسيقيَّةً لَهُ كانت قد أُدِّيَتْ غِنائيَّاً من قِبَلِ المطرب السُّوداني الرَّاحل عبد العزيز مُحمَّد داؤود.

وعن سواكن العهود المتأخِّرَة قال حسين شريف في العام 1974م: "فقط آثارٌ شاحبَةٌ من غِنَاهَا وازدهارِها العريق القِدَمْ تظلُّ ظاهرةً اليوم، انعكاسَاً مُعتَمَاً في مرآةٍ مشروخة، عينان فارغتان فيما النِّجُومُ مُضيئَةً عِندَ مَنْزِلٍ آخر، ضَحِكَاً عِندَ غُرفَةٍ أُخْرَىْ".

وفي "النِّمُورُ شكلُها أفضَلْ" طَوَّع المُخرج السِّينمائي حسين شريف قصَّةً قصيرةً بقلم جين ريس Jean Rhys لتغدُو فيلماً سينمائيَّاً. وفي ذاك الفيلم يُصَوِّبُ حسين شريف نظَرَهَ تجاه المنفى في أورُوبَّا، مُوضِّحَاً الفارقَ الواسعَ فيما بين الشَّمال والجَّنُوب ويُجري مقابلةً، في ذلكَ السِّياق، فيما بين حضارتين (ولعلَّهُمَا "ثقافتين") هما حضارة ("ثقافة") موطنه السُّودان وحضارة ("ثقافة") بلد المنفى الذي هو بريطانيا العظمَىْ. وخلال تجريداتٍ شعريَّةٍ يُدَبَّرُ مُخرج الفيلم إيَّاهُ، حسين شريف، تصويرَ حسٍّ قَوِيٍّ بالمنفى وبالشَّوق إلى أرضِ الوطن.

قامت المدرسة الوطنيَّة لإنتاج الأفلام والبرامج التَّلفزيونيَّة بإنتاج فيلم "النِّمُورُ شكلُها أفضَلْ" بأستوديوهات بيكونسفيلد بالمملكة المُتَّحِدَةْ وصَوَّرَ مشاهدَهُ باسكو ماكفارلينPasco Macfarlane وكان المشرفان على عمليَّة إنتاجهِ، باللُّغة الإنجليزيَّة وعلى مدى مُدَّةِ عرضٍ بلغت 20 دقيقة، كلير مَصِلْClare Mussel وألان تايرا Alan Tyrer. صدر ذلك الفيلم في العام 1979م وحاز على إشادة خاصَّة عِندَ "المهرجان المُتَجَوِّل The Tour Festival" في فرنسا في العام 1980م.

ويُشكِّلُ فيلم المؤلِّف والمخرج السِّينمائي حسين شريف المُسمَّى "ليست مياهُ القَمَرْ"، الذي انتجته المنظمة الدوليَّة لرعاية الأمومة والطفولة التابعة لهيئة الأمم المتحدة ("اليونيسيف") في العام 1985م، فيلمَاً تعليميَّاً وثائقيَّاً معنيَّاً بتشجيع تطعيم الأطفال في المناطق الريفيَّة. وقد اختار السَّينمائيُّ حسين شريف عنوان ذاك الفيلم بعنايةٍ كي يُوضِّحَ للقرويِّين أنَّ مهمَّة التطعيم تلك ليست هي بالمهمَّةِ العسيرةَ الإنجاز.

ويَشْتَمِلُ الفيلم الوثائقي المُسمَّى "يوميَّات في المنفى"، الذي تَشَارَكَ في إخراجِه عطيات الأبنودي وحسين شريف وأنتجته في العام 1993م المنظمة السُّودانيَّة لحقوق الإنسان وبلغت مدة عرضه 52 دقيقة واسْتُخْدِمَتْ فيه اللغتان العربيَّة والإنجليزيَّةِ معَاً، على تركيبةٍ من الصَّوتِ والصَّورة واللَّون وأفرادٍ ومجموعاتٍ من النَّاسِ يقدِّمُون شهاداتهم التاريخيَّة الخاصَّة بالفترة التي تلت حدوثَ الانقلاب الأصوليِّ الإسلامي في السُّودان في العام 1989م. شهدت تلك الفترة هجرة عددٍ مهُولٍ من السُّودانيِّين والسُّودانيَّات من موطنهم إلى مُختلفِ أرجاء العالم فالسُّودان غَدا آناءِها مكانَاً طاردَاً لأهلِهِ وشَعْبِهِ. وقد هاجرت الغالبيَّة العظمى من السُّودانيين والسُّودانيَّات حينذاك إلى مصر التي صُوِّرَ عِندَها ذاكَ الفيلم حيثُ بلغ عددهم هناك، في وقتِ تصوير الفيلم المعني، ما يقارب الثلاثة ملايين منذ حدوث الانقلاب العسكري الأصولي الإسلامي في السودان في 30 يونيو من العام 1989م.
ومُتَنَقِّلاً فيما بين شرائح مختلفة من المجتمعات السُّودانيَّة في مصر ألقى ذاك الفيلم (يوميَّات في المنفى)، عبر العديدِ من الشِّهادات الشَّخصِيَّة، الضُّوءَ على الأوضاع المعيشيَّة لعمومِ السُّودانيين والسُّودانيَّات من النَّاس هُناكْ. وكُلُّ أولئكَ ساهموا، في الفيلم إيَّاهُ، بِسُرُودٍ خاصَّة عن ملحمة الهجرة تلك وأعربوا عن رغبتهم في العودة، ذات يومٍ، إلى الوطن.

تجدرُ الإشارةُ هنا إلى أنَّ ذلك الفيلم قد عُرِضَ لأوَّلِ مَرَّةٍ عِندَ مؤتمر هيئة الأمم المتَّحدة لحقوق الإنسان في فيينَّا في العام 1993م.

وفي فيلم "الواثق"، الذي لم يكتمل إعداده قبل رحيل المخرج حسين شريف من هذه الدُّنيا الفانية والذي تبلغ مدته 90 دقيقة، تَتِمُّ رواية حكاية الواثق صباح الخير ذي الشخصيَّة الشَّبيهة بشخصيَّة "روبن هود" التراثيَّة الأسكتلنديَّة المعروفة إذ كان هو قاطع طريقٍ ينهبُ الأغنياء ويُوزِّع غنائمه منهم على الفقراء. وقد بَرَزَ الواثق صباح الخير على المشهد السُّوداني في عهدِ فرضِ قوانين سبتمبر ("قوانين الشَّريعة الإسلاميَّة") في العام 1958م على شِعُوبِ السُّودان من قِبلِ جعفر محمَّد نميري، حاكم السُّودان العسكري حينذاكْ.

كان الواثق صباح الخير يطرقِ أبواب الفقراء من النَّاس عِندَ مُنتصَفِ الليالي، بِدَأبٍ ومُثابرة، ويجلب لهم معه الطَّعامَ والنِّقُود. وعندما كان يُسألُ عمَّن هو كان يجيبُ بأنَّه مُمَثِّلٌ لإحدى منظَّمات العون الإنساني.

كان الواثق يسرق سيارات غالية الثَّمن، يقتحم بيوت الأثرياء، يُغيرُ على مراكز شُرطة، غير أنَّهُ ألقي القبضُ عليه في النِّهاية واستمرت محاكمته لمدَّة ساعةٍ واحدةٍ ولم تكن هنالك سوى قلَّةٍ من الأدلة ضدَّه، إن وُجِدَتْ، ثُمَّ صُلِبَ لمدَّةِ 40 دقيقة قبل أن تُنْهَى حياتُهُ. وقد تحوَّل مأتمُهُ، من بعد ذلك، إلى مظاهرةٍ سِيَاسيَّةٍ، سيَّما وأنَّه كان قد سبق له وأن صار أُسطُورَةً حتَّى قبلَ مماتِهِ.

لسوءِ الحظِّ لم يرَ فيلم "الواثق" ذاكَ أبداً النُّورَ إذ لم يَتوفَّر تمويلٌ لإتمامِ إخراجِهِ.

ومن أفلام المُخرج السِّينمائي التي كانت قيد الإعداد فيلم "داؤود" الوثائقي الذي بلغت مدَّتُهُ 52 دقيقة واستُخدِمت فيه اللغتان العربيَّة والإنجليزيَّة، معَاً. يتناولُ ذلك الفيلم حياة وأعمال المغني السُّوداني الشَّهير عبد العزيز محمَّد داؤود. كان المغنِّي السُّودانيُّ المعروف عبد العزيز محَّمد داؤود، الذي درج مُعجَبُوهُ على تسميتِهِ "أبو داؤود"، راغبَاً في توثيق وتقديم أعماله بصُورةٍ مختلفةٍ جِدَّاً عن تِلكَ التي عُرضت بها في التَّلفزيون السُّوداني فاقترح له صديقه الأديب والمترجم البروفسور علي المك المخرج حسين شريف كأفضل شخصٍ بِوُسْعِهِ فِعلَ ذلك. وبالفعل بدأ تسجيل محتويات ذاك الفيلم في العام 1984م، غير أنَّهُ لم يُكْمَل أبدَاً إثر وفاة المغنِّي السُّودانِي "أبو داؤود" المُفاجئة.

وآخرُ أعمال السِّينمائيِّ السُّوداني حسين شريف هو فيلمه المُسمَّى "عن التُّراب والياقُوت". أخرج ذلك الفيلم، الذي لم يكتمل إعداده للعرض، تامر السَّيِّد وهو يحتوي على ترجمةٍ بَصَرِيَّةٍ لقصائد منفى سُودانيَّة مُختَارَةْ.

يوليو 2023م
إبراهيم جعفر

khalifa618@yahoo.co.uk
///////////////////////////

 

آراء