الحياة.. عرجاء.. وكفيفة.. إنها لجديرةٌ بالشفقة!

 


 

 

ناجي شريف بابكر
.
هذه الحياة لا تقسو عليك إلا وأنت في أكثر حالاتك هوانا وحاجة للمساندة.. الأشياء فيها تتخذ سياقات ومناحٍ غير لائقة إطلاقا.. بينما هي ليست مضطرة لذلك.. اي ان ما ياتي من قِبَلها من الجحود في اوقاتٍ غير مواتية كتلك.. لا يبدو أنه حتميّ بالضرورة.
فحينما يكون الإنسان في قمة قوته وعنفوانه يكون أقل حاجة للدعم والمساندة.. لكنه دون ان يختار، تأتيه القبلات، المؤازرة والتعاضد من كل صوب.. تنكب عليه كل الفاتنات بالحي. تتنافس على صندوقه البريدي عروض التوظيف.. والقروض الميسرة.. بل لا تكاد داره تخلو من الأحباب والاصدقاء.. وأولئك الذين يطرقون بابه كل يوم، للإطمئنان على حاله.. وهو وللمفارقة يبدو في أحسن حالاته الصحية..
لكن أحدنا وبمجرد أن ينتبه لكرّة الزمان ومكره.. ويبدأ الآخرون بإلإطراق أمامه وإتاحة الطريق له.. وتفضيله في وسائل النقل بالمقاعد المتاحة.. بمجرد ان يتصنعوا له إبتسامة الشفقة وهم يهمهمون بعبارات بالكاد يسمعها، حرصا منهم على إيهامه بالشفقة والتعاطف.. حينها فقط يعود أدراجه ليجد ان الدار قد صارت فارغة من الأحبة والزائرين.. من شاغليها، وحتى أولئك الذين كانوا لا ينقطعون يوما من طرق بابها للإطمئنان على صحته لم يعودوا يطرقونها كما عودوه.. لقد غادروا جميعا لوجهات بعيدة يبحثون عن احلام لهم لا تزال في إطار التشكل.. لم يبق منهم هناك سوى لُعبٍ قديمة وكانها تعاند الزمن، عروسات ملونه وبعض أحذية وردية وأخرى بالوان شتى، بقيت حزينة هي الأخرى وقد تبعثرت هنا وهناك.
لم يعد هناك ما يمنحه على أية حال.. محفظته التي كانت ترزح من ثقل ارصدتها، حتى انه يضطر احيانا لإفراغها في التسامر وهو يتسكع في الحانات وسط حشد من الأصدقاء والندمان.. اصبحت خالية كصحراء لا حدود لها.. معاشه الشهري.. يقطع له المسافات الطويلة وهو في اسوأ حالاته الصحية .. وحين يشارف النافذة بعد صفوف طويلة يخبره صبيٌ متأنق بأن يأتي في وقت لاحق.. لا بد أن المعتوهين قد عبثوا بأمواله.. هو والآخرون من أمثاله.. ربما ذهبت اموالهم ليعبث بها اناس لا يحتاجونها اصلا.. في الوقت الذي يعود فيه هو دون ان يدفع ثمن ما يدين به للصيدلاني بالناحية، من الدواء.
هذه الحياة لا تتخذ اوضاعا عادلة أو أقرب ماتكون للمثالية والحياد.. بل أنها فيما يبدو تتعمد أحيانا أن تلتزم أخرى معلولةً ومجانفةً للصواب.. فمن المنطقي بلا جدال ان الناس وهم في أضعف حالاتهم، يكونون الأجدر بالمساندة والأولى بها.. بل هم الأجدر فينا بأن نحيطهم بالقبل والعناق وحرارة اللقاء.. لماذا تُحَتم علينا الحياة وتدفعنا في مسارات مغايرة لإنسانيتنا.. ان نشدّ الرحال ونركض خلف أسرنا وأصدقائنا بينما نترك بالدار هناك، احبابا خلفنا وهم فرادى في أشد أوقاتهم حاجة للمؤانسة ولتحلقنا من حولهم..
هذه الحياة فيما يبدو.. ليست سوية بما فيه الكفاية.. أن شيئا ما في وقت ما لا بد أن يكون قد أصابها في مقتل، وربما ألحق بها علة مزمنة.. فإن عاهة لا تخطئُها العين في خطاها تجعلها تبدو وكأنها عرجاء للناظرين..
علةٌ تجعلها تخُصُّ الاقوياء من بيننا بالمناصرة، بدلا عمن هم أشدَّنا ضعفا.. وأن تُسَخّر العدالة والسلطة والقانون والسلاح للمتسلطين الأوصياء والمعتوهين وقطاع الطرق.. بينما تحرص على أن يبقى الضعفاء والضحايا لا حيلة لهم.. مستضعفون ومحرومون، أشدُّ ما يكون الحرمان، من أحلامهم وحقوقهم المشروعة.. من الإنصاف، تختارُ لهم أن يموتوا عُزَلاً وبأياد خالية.. أو كما قال كامو "الناسُ.. يموتونَ وهم ليسوا سُعَداء".
لا بد ان هناك عُطبا ما.. وعَوَاراً جديرٌ بالإصلاح، قبل أن ينفضّ السامر.
nagibabiker@gmail.com

 

آراء