الحَوَاريون الواردة في القرآن الكريم .. سودانية مروية اماً واباً

 


 

 

 

من كتابي: مملكة مروي سياحة تاريخية ولغوية بين حلقات الذكر والإنداية، الصادر من دار المصورات للنشر.

الحُوَار في العامية السودانية تعني التلميذ الذي يتلقى الدروس الدينية في الخلوة تحت توجيه أحد الشيوخ ملازماً له، وجمعها (حيران)، وقد يستقل الحُوار في مرحلة متقدمة ويصبح شيخاً قائماً بذاته، وحتى مع ذلك فهو يظل حُواراً لمعلمه. وترد كلمة حُوار في كتاب الطبقات كثيراً ومن ذلك: (قال الشيخ صالح ود بان النقا حدثنا الفقيه صغيرون الشقلاوي حَوار الشيخ ادريس قال: ان الشيخ محمد ود فايد؛ حُوار الشيخ يقدم في كل عام لزيارة الشيخ من البحر المر؛ وتحضر معه قبائل أكد وعرب التاكا وغيرهم؛ يجوا دافرين مثل قبائل جهينة؛ منهم من شايل العسل ومنهم من شايل القماش) ( ). وفي ترجمته للشيخ محمد القدال بن الفرضي جاء (ولما بلغه ان الفقيه الزين ولد صغيرون قال: تلامذتي اعلم من تلامذة ولد الفرضي، قال: انا حيراني اتقى من حيرانه). وجاء في ترجمة ود ضيف الله لنعيم البطحاني انه (حُوار الشيخ ادريس في الطريق) ( ).
وفي ترجمة ود ضيف الله للشيخ موسى ولد يعقوب وقد طلبه الملك لعلاج أخيه (فلما دنا من القرية جاءه القاضي محمد بن عبد الحميد وهو حُواره في الطريق، قال له الملك أرسل اليك لتعزم على ناصر اخوه) ( ).
وفي لسان العرب وردت مادة (حَوَر) وفيها عدة معاني:
الحَوارِيَّاتُ من النساء: النَّقِيَّاتُ الأَلوان والجلود لبياضهن، والحَوَرُ: أَن يَشْتَدَّ بياضُ العين وسَوادُ سَوادِها وتستدير حدقتها وترق جفونها ويبيضَّ ما حواليها؛ وقيل: الحَوَرُ شِدَّةُ سواد المُقْلَةِ في شدّة بياضها في شدّة بياض الجسد، ولا تكون الأَدْماءُ حَوْراءَ؛ قال الأَزهري: لا تسمى حوراء حتى تكون مع حَوَرِ عينيها بيضاءَ لَوْنِ الجَسَدِ. والأَعْرابُ تسمي نساء الأَمصار حَوَارِيَّاتٍ لبياضهن وتباعدهن عن قَشَفِ الأَعراب بنظافتهن. وقول العجاج:
بأَعْيُنٍ مُحَوَّراتٍ حُورِ
يعني الأَعين النقيات البياض الشديدات سواد الحَدَقِ. وفي حديث صفة الجنة: إِن في الجنة لَمُجْتَمَعاً للحُورِ العِينِ والتَّحْوِيرُ: التبييض.
في الأسطر التالية سنبرهن على أن الكلمة مروية وأنها حين وردت في القرآن الكريم وردت بمعناها المروي والذي غاب عن المفسرين.
فهي في اللغة المروية (اهواري)، وتفصيلها: اهـ ـ- وا - ري ah-w-ari أو احواري، لعدم وجود حرف الحاء في المروية، وهي كالآتي:
ah: يُدَرِّس، يتعلم، يَدْرُس. To teach, to learn, to study
w: يقود، يوجه، يُرْشِد، To guide, to lead
ari: الهام، جلاء، كشف، وحي، إظهار. Manifestation, revelation, affirmation
والمعني العام للكلمة هو: من يدرس أو يتعلم أو يتم ارشاده بتوجيه من صاحب الالهام او الكشف أو من بانت له الحقائق، أما المعنى الأكثر تحديداً للكلمة فهو من يتتلمذ بإرشاد معلم روحي كبير.
ويتضح من الكلمة المروية ومن التفاصيل التي قدمتها جذورها؛ ارتباطها بالتعليم وإشارتها لتلقي التوجيه والإرشاد من مرجع أعلى؛ له علاقة بالإلهام والكشف وجلاء الحقائق، مما لا يضع أي مجال للشك في علاقتها باللفظ السوداني الذي ظل متداولا على مر القرون وهو (حٌوار)، أي التلميذ التي يتلقى العلم بتوجيه من الشيخ. كل ما في الأمر أننا لو رجعنا للقرون المروية الماضية فسنقوم بحذف كلمة شيخ ونضع (كاهن) مكانها، فتصبح: التلميذ الذي يتلقى العلم بتوجيه من الكاهن.
ولما وردت الكلمة في القرآن الكريم فقد جعلها ذلك من صميم اللغة العربية، فقد جاء في الآيات 111 – 115 من سورة المائدة: (وإذ أوحيت إلى الحواريّين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنّا واشْهَدْ بأننا مسلمون {111} إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين {112} قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئنّ قلوبُنا ونعلمَ أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين {113} قال عيسى بن مريم اللهمَّ ربَّنا أنْزِل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدًا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين {114} قال اللهُ إني مُنَزِّلها عليكم فمن يكفر بعدُ منكم فإني أعذبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالَمين).
وجاء في الآية 52 من سورة آل عمران:
(فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)، ولأنها وردت دون سابق معرفة بجذرها اللغوي حار المفسرون فيها، ثم وجدوا أن أقرب جذر لها في العربية هو مادة (حَوَر)، وتعني البياض، لذا حاولوا تقديم تفسير لها من المادة اللغوية المتوفرة لديهم المرتبطة بالبياض. فقد جاء في لسان العرب: (وقال المفسرون: والحَوارِيُّونَ: القَصَّارُونَ لتبييضهم لأَنهم كانوا قصارين ثم غلب حتى صار كل ناصر وكل حميم حَوارِيّاً).
وفي تفسير الجلالين:
الحواريون أصفياء عيسى وهم أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا من الحور وهو البياض الخالص وقيل كانوا قصارين يحورون الثياب، أي يبيضونها.
وجاء في موضع آخر من اللسان:
والحَوارِيُّ: البَيَّاضُ، وهذا أَصل قوله، صلى الله عليه وسلم، في الزبير: حَوارِيَّ من أُمَّتي، وهذا كان بدأَه لأَنهم كانوا خلصاء عيسى وأَنصاره، وأَصله من التحوير التبييض، وإِنما سموا حواريين لأَنهم كانوا يغسلون الثياب أَي يُحَوِّرُونَها، وهو التبييض؛ ومنه الخُبْزُ الحُوَّارَى؛ ومنه قولهم: امرأَة حَوارِيَّةٌ إذا كانت بيضاء.
وفي تفسير القرطبي: (واختلف في تسميتهم بذلك، فقال ابن عباس: سموا بذلك لبياض ثيابهم، وكانوا صيادين. ابن أبي نجيح وابن أرطاة: كانوا قصارين فسموا بذلك لتبييضهم الثياب. قال عطاء: أسلمت مريمُ عيسى إلى أعمال شتى، وآخر ما دفعته إلى الحواريين وكانوا قصارين وصباغين، فأراد معلم عيسى السفر فقال لعيسى: عندي ثياب كثيرة مختلفة الألوان وقد علمتك الصبغة فاصبغها. فطبخ عيسى حباً واحداً وأدخله جميع الثياب وقال: كوني بإذن الله على ما أريد منك. فقدم الحواري والثياب كلها في الحب فلما رآها قال: قد أفسدتها ; فأخرج عيسى ثوباً أحمر وأصفر وأخضر إلى غير ذلك مما كان على كل ثوب مكتوب عليه صبغة، فعجب الحواري، وعلم أن ذلك من الله ودعا الناس إليه فآمنوا به، فهم الحواريون). أما معنى الحب فهو المادة النباتية مصدر الصبغة.
قال ابن عون: وأصل الحور في اللغة البياض، وحورت الثياب بيضتها، والحواري من الطعام ما حور، أي بيض، واحور ابيض، والجفنة المحورة: المبيضة بالسنام، والحواري أيضا الناصر، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -لكل نبي حواري وحواريي الزبير. والحواريات: النساء لبياضهن.
ولما وجد المفسرون أن هذا التفسير المادي القائم على اللون المحض وعلى الصناعة وهي تبييض الثياب لا يشفي غليلاً، اتجهوا للتأويل. فمن ذلك اقوال قتادة والضحاك: سموا بذلك لأنهم كانوا خاصة الأنبياء. يريدان لنقاء قلوبهم. وقيل: كانوا ملوكاً، وذلك أن الملك صنع طعاماً فدعا الناس إليه فكان عيسى على قصعة فكانت لا تنقص، فقال الملك له: من أنت؟ قال: عيسى ابن مريم، قال: إني أترك ملكي هذا وأتبعك. فانطلق بمن اتبعه معه، فهم الحواريون.
وانتقد ابن كثير بصورة غير مباشرة هذا التفسير القائم على الربط مع البياض وصناعة التبييض. قال:
((الحواريون، قيل: كانوا قصارين وقيل: سموا بذلك لبياض ثيابهم، وقيل: صيادين، والصحيح أن الحواري الناصر، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ندب الناس يوم الأحزاب، فانتدب الزبير، ثم ندبهم فانتدب الزبير، ثم ندبهم فانتدب الزبير، فقال:) إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير ((.
ثم اتبع آخرون نهج بن كثير في الابتعاد عن موضوع اللون والصناعة وأنه من الأفضل ربط الكلمة بالنُصرة فقال ابن سيده: وكلُّ مُبالِغٍ في نُصْرَةِ آخر حوَارِيٌّ. وسار الزْجَّاج في نفس الاتجاه فقال: الحواريون خُلْصَانُ الأَنبياء، عليهم السلام، وصفوتهم. قال: والدليل على ذلك قول النبي، صلى الله عليه وسلم: الزُّبَيْرُ ابن عمتي وحَوارِيَّ من أُمَّتِي؛ أَي خاصتي من أَصحابي وناصري. قال: وأَصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، حواريون).
ثم تقدم الزَّجَّاج خطوة في تقديم تفسير تجريدي يحاول النفاذ للموضوع فقال: (وتأْويل الحواريين في اللغة الذين أُخْلِصُوا ونُقُّوا من كل عيب؛ وكذلك الحُواَّرَى من الدقيق سمي به لأَنه يُنَقَّى من لُباب البُرِّ؛ قال: وتأْويله في الناس الذي قد روجع في اختِياره مرة بعد مرة فوجد نَقِيّاً من العيوب. قال: وأَصل التَّحْوِيرِ في اللغة من حارَ يَحُورُ، وهو الرجوع. والتَّحْوِيرُ: الترجيع، قال: فهذا تأْويله، والله أَعلم). فهنا جاء الزجاج بالدقيق وهو بالطبع أبيض مبقياً اللون في خلفية الصورة، وأدخل جذراً لغوياً جديداً للموضوع هو (حَارَ).
وفي نفس الاتجاه التجريدي وإبقاء اللون في خلفية الصورة روى شَمَّر أَنه قال: الحَوارِيُّ الناصح وأَصله الشيء الخالص، وكل شيء خَلَصَ لَوْنُه، فهو حَوارِيٌّ. والأَحْوَرِيُّ: الأَبيض الناعم.
وينحو السامرائي هذا النحو ويعطي البياض معنى مجازياً فيقول في حديثه عن (حواريون): (وهم أصحاب المسيح، وتسميهم النصارى الرسل، وهم من (حوارين) ومعناها البيض جمع أبيض؛ لأنهم تنقوا من الأدناس النفسية)، ويرفض السامرائي رأي من يقول بأنها آرامية، ويرى أنها (من السامي المشترك في مجموعة هذه اللغات) ( ).
وقد احتار الأب ماري انستاس الكرملي في أصل كلمة الحواري، وقال أنه اطلع على آراء بعض القائلين بأنها من الحبشية الجئزية، فكتب كما قال إلى ثلاثة من كبار المستشرقين من أصدقائه هم: الدكتور فيشر والدكتور ليتمان وهما المانيان والاستاذ ميكلانجلو وهو إيطالي، يطلب مشورتهم ويشير في نفس الوقت لاعتقاده بأنها من أصل عربي، فرد عليه فيشر بأن أول من قال بأنها من أصل حبشي هو العلامة نودلكه، إذ ذكر أنها من (حواريا) ومعناها الرسول، والأصل فيها "حار ،حور" ومعناها في الحبشية (ذهب)، أما ليتمان فأكد نفس رأي فيشر، ولكن فسر (حواريا) بانها تعني مسافر ومشاء وساعٍ، وذهب ميكلانجلو نفس مذهب زملائه المذكورين حيث ردها لأصل حبشي من الفعل حار.
رفض الاب الكرملي هذه الآراء بحجة أن الفعل حار موجود أصلاً في اللغة العربية وبالتالي لا حاجة لأخذ المعنى من لغة أخرى، والعربية جاء فيها: حار الماء، تردد، أي راح وجاء، وهذا ينسجم مع وظيفة الرسول في التردد أي الذهاب والمجيء، واستشهد الكرملي بما جاء في لسان العرب " واصل التحوير في اللغة من حار يحور وهو الرجوع، والتحوير: الترجيع"، وخلص الاب الكرملي إلى ان العربية تؤدي المعنى بصورة أحسن من الحبشية وبكثير. ثم تطرف الأب الكرملي ووصف اقوال من يقول إن العرب اقتبسوها من الحبش عند دخول الحبش بلاد اليمن، ثم عن أهل نجران تلقاها أهل الحجاز؛ بأنها أقوال مريض مصاب بالهذيان حسب رأيه.
ويبدو أن نَفْس الأب كان لا يزال فيها شيء من حتى بخصوص هذه الكلمة، فقد حاول الربط بين كل من مادتي (حبر) و(حور)، وأن الحبر مشتقة من الحور، والحبر هو العالم ذمياً كان او مسلماً حسب قوله. ويبدو أن كان يروم الوصول بصورة أو أخرى لإضفاء مسحة من العلم على كلمة الحواري ربما أحس أن الكلمة بكل تخريجاتها تفتقدها.
ثم قدم تخريجاً آخر فحواه (المتردد) وأن أصل الحواري هو الحوَار من صيغ المبالغة بمعنى الحائر أي المتردد، وقال إنهم زادوا الياء في الآخر مبالغة في الصفة، ثم نقل إلى الإسمية كما قالوا الشناح والشناحي أي الطويل، ثم وصل لخلاصة تمثل رأيه في المسألة هي: (أن الحواري لفظ عربي فصيح صحيح لا رائحة للعجمة فيه، وقد بيَّنا أن معناها الاصلي هو المتردد في الذهاب والإياب والمقدس النفس الطاهرها، كما هو شأن كل رسول، أو الأبيض القلب النقيُّه، وكل ذلك من صفات الرسول، الصادق الإيمان، والعامل به) ( ). ونلاحظ أن الأب الكرملي في خلاصته عاد كسابقيه لموضوع اللون، حيث تحول اللون لديه بصورة رمزية من الثياب للقلب.
ونسبة لأن هذا التقليد العلمي الاجتماعي غير موجود في مجتمعات عربية أو إسلامية أخرى (حسب المعلومات المتوفرة) فقد ركن الذين نادوا بعربية الكلمة من السودانيين لما جاء في اللسان:
(والحُوَارُ والحِوَارُ، الأَخيرة رديئة عند يعقوب: ولد الناقة من حين يوضع إِلى أَن يفطم ويفصل، فإِذا فصل عن أُمه فهو فصيل، وقيل: هو حُوَارٌ ساعةَ تضعه أُمه خاصة، والجمع أَحْوِرَةٌ وحِيرانٌ فيهما). وفي هذ يقول الطيب: (وقد شُبه التلميذ الذي يتبع أستاذه ويتلقى عنه العلم والإرشاد بالحُوار لأنه لم ينفصل عنه بعد) ( ). والرد على هذا المقولة هو: كيف غاب هذا المعنى؛ أي علاقة الانفصال والالتحام بين المعلم والتلميذ؛ عن مفسري القرآن الكريم وهو يتحدثون عن الحَواريين؛ وقد كان هذا المعنى في متناول يدهم؟ وواضح ان العلاقة المجازية كانت بالنسبة لهم ضعيفة للغاية؛ فلم يكلفوا أنفسهم عناء نقلها والاستفادة منها كواحدة من التفاسير للفظ (حُوار)، كما يبدو أنهم نظروا للفظي حُوار بضم الحاء، وحَوار بفتحها باعتبارهما مادتين لغويتين مختلفتين.
قدمنا مجموعة من الآراء والتفسيرات والتخريجات للكلمة، ومنها اتضح أن عدم المعرفة بجذر الكلمة ومنبعها كان سبباً في كل الخلط الذي تقدم ذكره، من ربطها باللون تارة؛ وربطها بالصناعة تارة أخرى، إلى محاولات تفسيرها مجازياً، مرة بأنها الناصر ومرة بالرسل، ومرة بالخلو من الأدناس، ومرة بنقاء القلوب، ثم صفوة الأنبياء، وأيضاً الظن بانها من أصل حبشي، ثم تخريجها بالخلط بين جذرين لغويين في اللغة العربية هما (حَوْر) بسكون الواو، وهي: (الرجوع عن الشيء وإِلى الشي)، وحَوَر بفتح الواو. وهي (أَن يَشْتَدَّ بياضُ العين وسَوادُ سَوادِها وتستدير حدقتها)، ومنه جاءت صفة البياض.
خلاصة الموضوع أن الكلمة مروية كما تقدم وأن مرويتها قد ثبتت بعد ارجاعها للعناصر الأساسية التي صُنعت منها الكلمة، وأنها تعنى التلميذ الذي يرتبط بمعلمه ارتباطاً روحياً، وإذا استعنا بالكلمة المروية لتفسير الآيات القرآنية الكريمة سنجد أن الحواريين هم التلاميذ الذين ارتبطوا بعيسى عليه السلام بعلاقة روحية خاصة، في مطابقة تامة للمعنى السوداني القائم إلى اليوم، ففي المشهد الأول الوارد في الآيات 111-115 من سورة المائدة نجد حواراً بين معلم وتلاميذه، وفيه الإشارة للعديد من المعاني الروحية. والمشهد الثاني الوارد في الآية 52 من سورة آل عمران يصور حواراً آخر بين معلم وتلاميذه يطلب منهم نصرته؛ فأجابه هؤلاء لما طلب؛ وبالمقابل طلبوا منه أن يشهد بأنهم مسلمون. والعلاقة الروحية ظاهرة أيضاً في هذه المعاني.
وهناك دليل آخر على انحدار الكلمة من أصل مروي هو: إذا كانت كلمة (حواريون) جمع مذكر سالم فما هو مفردها؟ مفردها هو حواري، وهذا كما جاء في الحديث الشريف الوارد في صحيح البخاري: (حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود الحفري وأبو نعيم عن سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن لكل نبي حواريا وإن حواري الزبير بن العوام)، فاذا طابقنا حواري مع اللفظ المروي اهواري، أو احواري، سنجد تطابقا يكاد ان يكون تاماً، مما يعزز ما ذهبنا إليه من الأصل المروي لهذه الكلمة.


nakhla@hotmail.com

 

آراء