الخارجية الأمريكية “في فتيل”

 


 

 

إنّ خبر إجلاء أعضاء البعثة الدبلوماسية الأمريكية دون سواهم من المواطنين الأمريكان والتصريح بأن الحكومة الأمريكية مؤقتاً لا خطة لها لإجلاء رعاياها من السودان نزل كالصاعقة على مئات الأمريكان العالقين في السودان. فمن ناحية لن تمرّ مثل هذه التصريحات مرور الكرام ومما لا شك فيه أنها ستلعب دوراً هاماً في الانتخابات الرئاسية القادمة كما حدث في موضوع القنصلية الأمريكية في بنغازي في الأيام الأولى للحرب في ليبيا. ومن ناحية أخرى جاءت لغة تصريح الخارجية الأمريكية وعباراتها وكأن الأمريكان العالقين في الخرطوم، بمن فيهم من النساء والأطفال، الذين يواجهون خطر الموت ليسوا ذوي أهمية وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية. فجاء التصريح "فجاً خالياً حتى من أبسط كلمات المواساة والتعاطف"، كما وصفه أحد الناشطين من ولاية فرجينيا. السؤال الذي بات يسأله الكثيرون ولا يجدون له جواباً، كيف تستطيع دول قدراتها العسكرية محدودة أن تخلي رعاياها بسلام من السودان، كما شاهدنا على شاشات التلفاز، وتقف الولايات المتحدة لا تحرك ساكناً ورعاياها يواجهون خطر الجوع والموت؟ وإن كان عدد الرعايا الأمريكان كبيراً، كما يزعم البعض، كان يمكن إخلاء الأطفال والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة؛ وهذا أقل ما يمكن أن تقوم به دولة في خدمة رعاياها. تصريح الخارجية الأمريكية جاء مخيباً للآمال وهذه ترجمة تقديرية لجوهر تصريح جون باس "على الرغم من أننا لا نتوقع تنسيق هذا الإخلاء (إخلاء الرعايا الأمريكان من السودان)، فإننا بالتأكيد لا نزال على اتصال وثيق بالعديد من المواطنين الأمريكيين المقيمين في الخرطوم وأماكن أخرى في السودان لمنحهم أفضل تقييم لدينا للوضع الأمني ولتشجيعهم على اتخاذ الاحتياطات المناسبة. وقد قمنا بذلك بالتنسيق الوثيق مع زملائنا الذين لديهم معرفة جيدة بالوضع وأفضل الطرق للتعامل مع الظروف على أرض الواقع. "التصريح في حد ذاته، كما ذكرنا، فقير المحتوى وخالٍ من اللباقة الدبلوماسية. ولا يتوقع أن يصدر عن شخص في قامة وكيل الخارجية الأمريكيّة. والجدير بالذكر أن عدداً كبيراً من المفكرين السودانيين يعتقدون أن مواقف الحكومات الأمريكيّة المتعاقبة لم يكن مشرّفاً تجاه الثورات التي اندلعت ضد الأنظمة الديكتاتورية في السودان وعلاقات الولايات بالمتحدة بالسودان يغلب عليها المصالح لا المواقف. وكلنا يعلم أن الولايات المتحدة (كإدارة) كانت، حليفاً لنظام الفريق عبود ولم تدعم ثورة أكتوبر1964 التي أطاحت بنظام الفريق عبود واختارت أول حكومة ديمقراطية منتخبة في أفريقيا أبهرت العالم آنذاك. وتكرر نفس الشيء مع انتفاضة أبريل 1985 التي أطاحت بنظام المشير نميري والذي كان في زيارة رسمية للولايات المتحدة حين اسقطته الثورة الشعبية. فقد زار رئيس الوزراء المنتخب وقتها الصادق المهدي الولايات المتحدة وعاد من زيارته لأمريكا خالي الوفاض مما شكل إحباطاً عاماً وحيرة في أوساط السودانيين. في حال ثورة ديسمبر الأخيرة تغير موقف الحكومة الأمريكية نحو الأفضل في دعم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ليس دعماً للديمقراطية، بل نكاية في نظام البشير. يرى الكثيرون أنّه آن لإدارة الرئيس بايدن التعامل المباشر والصريح والشجاع مع ملف الحرب في السودان واتخاذ موقف واضح لا لبس ولا غموض فيه. وأن تتولى بنفسها إدارة عملية إخلاء رعاياها من السودان.

salih@american.edu

 

آراء