dolib33@hotmail.com رحلة جديده في مسيرة المبعوثين الأمريكيين للخرطوم، يستهلها هذه المره الجنرال المتقاعد اسكود غرايشان المبعوث الأمريكي الجديد للسودان، رحلة تنتظرها تعقيدات داخلية وخارجية كثر ظلت الولايات المتحدة الأمريكية الفاعل الرئيسي فيها، وإن كانت رحلات سلفه إلياسون لم تأتى أكلها، فإن ضابط الطيران القادم الجديد للخرطوم تطورات الاحداث تنبئ بأن رحلته القادمه فوق الأجواء السودانية لن تكون كما يتفاءل لها، فالملفات المشتركة ازدات تعقيدا والقضايا تشابكت وتقاطعت فيها الرؤي بشكل حاد وبرز فيها فاعلين جدد، خاصة أن رحلة الجنرال مهدت لها الخارجية الأمريكية بلغة حاسمه وتهديد مبطن بعيداً عن لغة الجزره التى كان يستهل بها سابقيه مهامهم الدبلوماسية في الخرطوم، بدايات يبدو انها ستجعل من رحلة الجنرال المتقاعد أشبة بتحليقه بالمقاتلات التى ترعرع بين اجنحتها الباطشه. خطوة الرئيس الامريكي أوباما بتعين مبعوث جديد للسودان، تقليد رسخ لدى الادارة الأمريكيه منذ عهد الرئيس السابق بيل كلينتون الذي شهد عهده تعيين أول مبعوث أمريكي للسودان، كتوجه واضح نحو الاهتمام الأمريكي بالسودان وقضاياه، والتى كانت تتمحور حول تحسين العلاقات بين البلدين بعد قطيعة إمتدت طوال التسعينات من العقد المنصرم، لتشهد انفتاحاً منذ بداية الألفية والتى بدأت فيها مسيرة التعاون بين البلدين في كثير من الملفات خاصة فيما يتعلق بالتعاون ضد الارهاب عقب احداث الحادى عشر من سبتمبر 2001م، وهى جهود مشتركه لعب من خلالها الأمريكيين دورا بازراً في دفع جهود تحقيق السلام في جنوب السودان عبر اتفاقية نيفاشا التى حظيت برعاية أمريكية وغربيه كبيره. ويعتبر تعيين الجنرال غرايشان الذي يعد المبعوث الخامس للادارة الامريكية في السودان، لاستكمال مهمة المبعوثين الأمريكين خطوة جديده لمسيرة جديده ينتظر ان تفصح عنها الادارة الأمريكيه الجديده بقيادة بارك أوباما، وهو التعيين الذي قابلته الخرطوم بترحيب حذر داعية الى أن يكون حاملا لرؤى وافكار جديدة في الوصول لحلول مستدامة لا رؤىً لتعقيد الملفات العالقة، لأن السودان يتطلع الى علاقات جيدة قائمة على الاحترام بين البلدين، وقال وزير الدولة بالخارجية السماني الوسيلة في تصريحات صحافيه، أن الضغوط لن تؤدي ابدا الى حلول مشيرا الى الفشل الذي لازم الادارة الامريكية السابقة من خلال اتباعها لهذا المنهج. وكان الاهتمام الأمريكي بتخصيص مبعوث رئاسيا للسودان بدأ منذ الادارة الديمقراطية في عهد الرئيس الاسبق بيل كلنتون، الذي عين أول مبعوثا امريكياً للسودان، كان السيناتور هاري جونسون، الذي اطلع بمهمة تقريب وجهات النظر بين البلدين بعد قطيعة استمرت طويلا انتهت بضرب أمريكا لمصنع الشفاء بالخرطوم في اغسطس 1998م، ليأتى تعيين هاري جونسون بعد يوم واحد من بدء تصدير النفط السودانى في اغسطس 1998م، ويذهب كثير من المراقبين الى فشل هاري جونسون في احداث التقارب المطلوب بين البلدين الى التشدد الذي كانت تتسم به الانظمة في الدولتين اتجاه بعضهما. لتطوى الادارة الديقراطية برئاسة كلينتون حقبتها في العام "2000" دون احراز أى تقدم في علاقات البلدين، لتبدأ الادارة الجمهورية بقيادة جورج بوش مشوار جديد في تحسين العلاقة، وتعد ادارة بوش الابن الأكثر اهتماماً بالسودان حيث شهدت تعيين ثلاث مبعوثين امريكيين للسودان، بداءاً من السيناتور جون دانفورث الذي عين في العام 2001م، وجاء تعيين السيناتور دانفورث انعكاساً للتغير الذي حدث في سياسة الإدارة الأمريكية تجاه الخرطوم، فمنذ وصول نظام الإنقاذ الى الحكم عام 1989، كانت واشنطن تنتهج تجاهها سياسة مواجهة ارتكزت على خلق إطار إقليمى معاد للحكومة السودانية، وبعد مجئ الإدارة الجمهورية الى الحكم أصبح من الواضح أن هذه السياسة بحاجة الى المراجعة خصوصا بعد اتضاح عدم قدرتها على تشكيل أو تقديم البديل للنظام القائم، وترافق مع ذلك حدوث تغير فى الظروف الإقليمية المحيطة بالسودان، ومن جهة أخري كان نظام الإنقاذ نفسه يشهد بعض التحولات الهامة بعد الانقسامات الداخلية وخروج الدكتور حسن الترابى من الحكم، وبدأت الحكومة مرحلة جديده من التقارب مع الغرب والولايات المتحدة من خلال حزمة من السياسات والتوجهات الجديدة، والتى كان من أهمها، إيقاف مساندت التنظيمات الإسلامية المتهمة بالارهاب، ومحاولة إحداث قدر من الانفتاح الداخلى والحوار مع قوى المعارضة. ليجئ تعيين السيناتور دانفورث بمثابة الإعلان عن انتقال الإدارة الأمريكية من سياسة المواجهة ومحاولة إسقاط النظام السودانى، الى سياسة جديده تعتمد على الحوار والتفاوض، مع عدم التخلى عن التلويح بالعصا الغليظة إذا لزم الأمر. ويعد دانفورث الأفضل من بين جميع المبعوثين الامريكيين الذين حطوا رحالهم بالخرطوم، حيث استطاع دانفورث ومن خلال اطلاعه بمهام تحقيق السلام من دفع جهود السلام في السودان بداءاً من توقيع اتفاق وقف اطلاق النار بجبال النوبه في سويسرا "يناير2002"، ليقود بعد ذلك جهود عمليات احلال السلام التى جرت بنيروبي والتى قادت لتوقيع اتفاق ميجاكوس الاطارى بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان في يوليو 2002م، وعند تعثر مفاوضات السلام بين الحكومة والحركة الشعبية حول "جبال النوبه والنيل الأزرق" يشار الى ان دانفورث هو من تجود للطرفين بوثيقة اتفاق المناطق الثلاث، كما شهد عهده في السودان اصدار الكونجرس الأمريكي لما عرف بقانون "سلام السودان" "اكتوبر2002م"، لإلزام طرفي النزاع "الحكومة والحركة الشعبية" بضرورة التوصل لحل في أقرب فرصة، ووصف وقتها مراقبون القانون في حقيقته بأنه تهديد للحكومة السودانية باتخاذ عقوبات سياسية واقتصادية ضدها إذا عرقلت مفاوضات السلام. وفي عهده اندلع الصراع المسلح في دارفور الذي شهد في العام 2004م زيارة وزير الخارجية الأمريكي كولن باول لدارفور لتحقق من مزاعم وجود ابادة جماعية التى بدأت تتناقلها وسائل الاعلام والمنظمات العاملة في الإقليم. وبعد انتهاء حقبة السيناتور دانفورث، بعيد توقيع اتفاقية السلام الشامل في العام 2005م، ونتيجة لإندلاع حرب دارفور وتعثر خطوات تنفيذ اتفاقية السلام الشامل قام الرئيس الرئيس الأمريكي جورج بوش بتعيين اندرو ناتسيوس مبعوثا خاصا له إلى السودان في سبتمبر 2006، في محاولة للمساهمة في انهاء النزاع في اقليم دارفور غرب السودان، وللمساعدة في تنفيذ اتفاقية السلام المتعثرة بين الحكومة والحركة الشعبية. وتقول السيرة الذاتية للمبعوث الأمريكي الجديد اندرو ناتسيوس أنه قد شغل منصب مديراً للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، كما يعمل محاضرا في كلية ادموند وولش للخدمات الخارجية في جامعة جورج تاون الامريكيه، وبعد جولات كثيره قادها ناتسيوس من اجل تحقيق السلام في دارفور بائت جهوده بالفشل بحسب كثير من المراقبين لمسيرته في السودان، وقد اتسمت فترته في السودان بقيادته جهود الولايات المتحدة الأمريكية لإقناع الحكومة السودانية بقبول القوات الدولية التى رفضتها الخرطوم في دارفور، ليتقدم بعد عام من تعيينه على تقديم استقالته للرئيس الامريكي جورج بوش دون ان يذكر اى معلومات عن اسباب الاستقاله، ولكنه صرح عشية تقديم استقالته قائلا "ان التوقعات دائما مرتفعة في الولايات المتحدة، واضاف ان هناك حدودا في الواقع لقوة الولايات المتحدة والاوروبيين ولقدرة الاسرة الدولية على تجميع بلد يعاني من مشاكل خطيرة جدا، وقال يمكننا ان نساعد في العملية ويمكننا ان ندفع الناس "باتجاه حل المشكلة" ويمكننا ان نمارس شتى انواع الضغوط، لكن الواقع هو ان من يستطيع انقاذ السودان هم السودانيون انفسهم". ليمضي اندرو ناتسيوس تاركاً مهمته في السودان لخلفة الذي حل بدلاً عنه، السفير ريتشادر وليامسون الذي شغل منصبي سفير الولايات المتحدة في الامم المتحدة للشؤون السياسية الخاصة، وسفير الولايات المتحدة في لجنة حقوق الانسان التابعة للمنظمة الدولية. ويعتبر ريتشارد وليامسون من الدبلوماسيين الامريكيين المزودين بخبرة دبلوماسية كبيرة بحكم أنه تقلد منصبين دبلوماسيين كبيرين وعمل مساعداً لوزير الخارجية الأمريكي، ويحمل ريتشارد وليامسون أيضاً تاريخاً في سياسة ولاية إلينوى، فقد كان رئيساً للحزب الجمهورى في الولاية عندما مزقته الفضائح التي أحاطت بحاكم الولاية آنذاك جورج ريان مما حدا بالسيناتور الرائد السابق بيتر فتزجرالد أن يصف وليامسون بصانع السلام في بيئة قاسية ومنقسمة. واطلع وليامسون بمهمة تحسين العلاقات بين البلدين أكثر من سلفه دون القضايا الاخري خاصة بعد الحوار الجاد الذي قاده وزير الخارجية دينق ألور وزيارته للولايات المتحدة الأمريكية، والمطالب التى تقدم بها والمتعلقة برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب والعقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان من قبل امريكا بجانب قضايا تتصل بالعلاقات الثنائية ومعالجة مشاكل السفارة السودانية بواشنطن، بالاضافة الى القضايا التي ترى واشنطون ان الرؤية فيها غير واضحة، وقد قاد جولات حوار مع الحكومة السودانيه في هذه الملفات في كل من باريس والخرطوم فشلت جميعها في احداث التقدم المطلوب في العلاقة بين البلدين. وأخيرا استهلت الادارة الديمقراطية الجديده برئاسة الرئيس الإمريكي بارك اوباما، ولايته الجديده اتجاه السودان بتعيين الجنرال المتقاعد من سلاح الطيران الأمريكي اسكودا غريشان مبعوثا خاصاً للسودان قبل يومين، واسكوت جريشان، الذي تقول سيرته الذاتيه أنه ابن لابوين من المبشرين المسيحيين تربي في افريقيا، ويتحدث اللغة السواحلية بطلاقة، وحسب مصدر تحدث لوكالة رويترز قال "ان جريشان له خبرة واسعة بالمنطقة وتربطه علاقات شخصية ومهنية مع زعماء كبار، والاهم من ذلك انه تربطه صداقة شخصية بالرئيس باراك أوباما الذي يصغي اليه ويعطيه ثقته، وجاء تعيين اسكودا جريشان في وقت تشهد فيه العلاقة بين البلدين تصعيدا بسبب طرد الخرطوم "13" منظمة دولية من دارفور اتهمتها الحكومة بالتخابر لصالح المحكمة الجنائية الدولية التى أصدرت مذكرة توقيف بحق الرئيس البشير في الرابع من مارس الجاري، كما تزامن تعيين اسكودا مع تشدد ابدته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون اتجاه الخرطوم حيث قالت في تصريحات صحافيه "أن الرئيس البشير يتحمل المسئولية عن أى حالة وفاة تحدث بسبب طرد "13" منظمة اغاثة اجنبية في دارفور" ويصف مراقبون تعيين المبعوث الامريكي الخامس اسكوت غريشان، بأنه جاء في ظرف معقد اكثر بكثير مما عاشه ممن سبقه من المبعوثين الأمريكيين للسودان، لأن الملفات المشتركة والتى تهم البلدين قد اتسعت وتعقدت قضاياها، وبينما يصف آخرون الخطوة بأنها امر ايجابي باعتبار حاجة السودان لعلاقات طيبة مع امريكا في هذا الوقت، يقلل مراقبون من خطوة تعيين غريشان في احداث تغيير في علاقة البلدين، لإعتبار ان السياسة الامريكية تجاه السودان واضحة المعالم، خاصة التعاطي الامريكي مع الأزمة في دارفور، لذلك لا يضير ان ذهب هذا وجاء ذاك، لان النتيجة ستكون واحدة في كل الحالات باعتبار ان هناك خطاً امريكيا ثابتاً لا يمكن الخروج منه.