اشتهر هتاف (الرد ... الرد ... بالسد ...السد ) فى السودان بين مؤيدى الحكومة هناك خلال اللقاءات التعبوية الجماهيرية التى كانت تنظم خلال العقد الأخير . وكانت الرسالة التى يحملها الهتاف لخصوم الحكومة السودانية والحزب ألوطنى الحاكم هى : نحن ماضون فى الإنجازات والدليل هذا السد ( هو سد كهرومائي يقع على مجرى نَهَر النيل في الولاية الشمالية بالسودان عند جزيرة مروي التي يحمل اسمها. وهو على بعد ٣٥٠ كلم من الخرطوم العاصمة السودانية .اكتمل بناء السد في مارس ٢٠٠٩م ، ويبلغ اجمالي طوله ٩،٢ كيلومتر فيما يصل ارتفاعه إلى ٦٧ مترا وقد صاحب عملية بنائه عدد من المشاريع التحضيرية، مثل إنشاء عدد من الطرق والجسور وخط للسكة الحديد ومدينة سكنية لإقامة فريق العمل الذي تألف من ٥٠٠٠ عامل نصفهم من السودانيين والنصف الأخر من الصينيين .وبلغت تكلفته الإجمالية ٢،٩٤٥مليون دولار امريكى ساهمت الصناديق العربية بتمويل ١،٢٢٣ مليون دولار، في حين مولت الحكومة السودانية المشروع بمبلغ ١،١١٤ مليون دولار فيما قدمت الحكومة الصينية تمويلا للمشروع بقيمة ٦٠٨ مليون دولار).ويكيبيديا
وبتاريخ ٢٨ من الشهر الماضي كشفت مجلة نيوزويك الامريكية فى مقال كتبه جاك مور عن دور وساطة غير معلنة واستمرت طوال عام كامل وعقدت خلالها اجتماعات فى ابو ظبى بدولة الإمارات والعاصمتين الاثيوبية والمصرية وبعلم ولى عهد دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد قام به القيادى الفلسطينى محمد الدحلان بين اثيوبيا والسودان ومصر فى قضية سد النهضة أو سد الألفية الكبير وهو سد اثيوبي قيد البناء يقع على النيل الأزرق بالقرب من الحدود الإثيوبية-السودانية. وعند اكتمال إنشاءه المرتقب سنة ٢٠١٧م سوف يصبح أكبر سد كهرومائي في القارة الافريقية والعاشر عالميا في قائمة أكبر السدود إنتاجا للكهرباء.وتقدر تكلفة الإنجاز ب ٤،٧ مليار دولار أمريكي . وهو واحد من ثلاثة سدود تُشيد لغرض توليد الطاقة الكهرمائية في إثيوبيا. وآثار المشروع الضخم الضخم درجة لا تصدق من التوجس والشكوك المبررة لدى خبراء مصريين وقبلهم سياسيين والشارع المصرى بخصوص تأثيره على تدفق مياه النيل وحصة مصر منها .فمصر هى: هبة النيل كما قال المؤرخ اليونانى هيرودوت قبل ١٥ قرنا قبل الميلاد.وانطلقت مخاوف حقيقية من اندلاع حرب بين مصر وإثيوبيا لدرجة انه في يونيو ٢٠١٣ م اثناء مناقشة تقرير الفريق الدولي من الخبراء مع الرئيس المصري السابق محمد مرسى اقترحت القيادات السياسية في مصر طرقا لتدمير السد، بما في ذلك دعم المتمردين المناهضين للحكومة الاثيوبية .ودون علم هؤلاء في الاجتماع، تسربت المناقشة على الهواء مباشرة . وعلى الأثر طلبت أثيوبيا من السفير المصري فى أديس أبابا شرحا لما دار فى الاجتماع.و اعتذر كبير مساعدي مرسي عن (الإحراج غير المقصود ) وأصدرت حكومته بيانا يشجع على حسن الجوار والاحترام المتبادل و السعي لتحقيق المصالح المشتركة دون إيذاء أي من الطرفين الآخرين ...ومع ذلك قال مرسى :( ان كل الخيارات مفتوحة، لأن حيوية الأمن المائي في مصر لا يمكن أن تنتهك على الإطلاق) موضحا انه (لا يدعو إلى الحرب ، ولكنه لن يسمح بان تكون إمدادات المياه لمصر مهددة بالانقراض ). وخلال تلك الفترة راجت أنباء عن تقدم مصر بطلب للوساطة الى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لجهة ثقلهما الاقتصادى فى اثيوبيا وتاليا نفوذهما هناك غير انه لم يرشح اى تاكيد او نفى من المسؤوليين فى البلدين بخصوص المسالة . ويبدو ان دولة الإمارات تولت الملف واسندته الى محمد الدحلان (محمد يوسف شاكر دحلان من مواليد مخيم خان يونس فى غزة بتاريخ ١٩٦١م ، قيادي في حركة فتح ، وقائد ومؤسس سابق لحركة شبيبة فتح في الضفة الغربية وقطاع غزة ورئيس جهاز الامن الوقائى الفلسطينى السابق في غزة وعضو العلاقات بمنظمة التحرير الفلسطينية وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح بالانتخاب في مؤتمرها السادس وحصل على أعلى نسبة أصوات من مرشحي فتح في دائرة محافظة خان يونس في انتخابات المجاس التشريعى الفلسطينى عام ٢٠٠٦م واستقال من منصب مستشار الأمن القومي بعد الانقسام الفلسطيني، وشغل مفوض الإعلام والثقافة في اللجنة المركزية لحركة فتح. فصلته اللجنة المركزية لحركة فتح بعد تقرير يتعرض لقضايا جنائية ومالية ( ويضيف اليها خصومه تسميم الزعيم الراحل ياسر عرفات واغتيال المبحوح فى دبى ) وأحيل للقضاء على إثرها وقد انتقل من بعد للعيش فى دولة الإمارات العربية المتحدة .اختارته السلطة الفلسطينية عضوا في فريق التفاوض الفلسطيني في مرحلة ما بعد توقيع اتّفاق أوسلو بدءا من مفاوضات القاهرة عام ١٩٩٤م ، ومرورًا بمفاوضات طابا والمفاوضات على إطلاق سراح الأسرى وواى ريفر وكامب ديفيد الثانية وانتهاءً بقيادته للمفاوضات التي أفضت إلى ما يسمى ببروتوكول العبور والحركة في سياق الإعداد لمرحلة ما بعد تطبيق خطة الإخلاء الإسرائيلي لقطاع غزة عام ١٩٩٥ن .قضى خمس سنوات في السجون الإسرائيلية في الفترة من ١٨٨١م - ١٩٨٦م قبل ترحيله إلى الأردن عام ١٩٨٨م . ويتحدث العربية والعبرية بطلاقة ).المصدر السابق
وقد عمد مسؤولون سودانيون وتبعهم مصريون الى نفى اى وساطة للدحلان فى موضوع السد .وحسب السفير السودانى فى القاهرة والذى نقلت عنه صحيفة اليوم التالى الخرطومية الأسبوع الفاءت :(قال عبد الحليم عبد المحمود، السفير السوداني بالقاهرة، لـ(اليوم التالي)، إن دحلان ليس له أي دور من قريب أو بعيد بهذا الملف، مؤكدا أن الوساطة التي تمت لتقريب وجهات النظر بين القاهرة وأديس أبابا في هذا الموضوع كانت سودانية خالصة، مضيفا أن السودان لعب دورا كبيرا في هذا الملف بالتعاون مع مصر وإثيوبيا، لافتا إلى أن مثل هذه الأقاويل ما هي إلا محاولة للتقليل من الدور الكبير الذي قام به السودان في ملف سد النهضة ). انتهى
واشارت الصحيفة الى ( انتهاء مهلة المكتبين الاستشاريين الفرنسي والهولندي لسد النهضة الإثيوبي، لتسليم خطة العمل المشتركة بالعمل سوياً لإعداد الدراسات الفنية المطلوبة، والتي اتفقت عليها الدول الثلاث مصر، السودان وإثيوبيا، ومن المقرر أن يقوم المكتبان بالاشتراك في جميع عناصر الدراسات المطلوبة، وفقاً لما اتفقت عليه الدول الثلاث، بعدم تكليف كل مكتب القيام بإحدى الدراسات منفردا وإنجاز الدراسات الهيدروليكية والاقتصادية والاجتماعية لسد النهضة الإثيوبي في مدة لا تتجاوز ١١ شهرا. وكان وزراء المياه والري بـ(مصر السودان وإثيوبيا)، قد اعتمدوا أول أبريل الماضي مكتبين استشاريين لشركة فرنسية وأخرى هولندية، لإجراء دراستين حول سد النهضة، وذلك من بين ٩ مكاتب جرى ترشيحها في وقت سابق من قبل الدول الثلاث، جاء استجابة للمقترح الذي تقدم به وزير الري السودانى معتز موسى، لحل خلاف قام في وقت سابق بين مصر وإثيوبيا بشأن اختيار مكتب واحد لإجراء الدراستين أو مكتبين، والمدة المحددة لإجراء هاتين الدراستين).
والمثير ان الصحافة الإسرائيلية دخلت فى الموضوع ايضا فقد نقلت رأى اليوم بتاريخ الاول من هذا الشهر عن صحيفة معاريف الإسرائيلية مقالا عنه يتضمن نفس المعلومات ليصل بالقارىء الى نتيجة ان الدحلان يعد نفسه للقيادة فى المرحلة القادمة ورده على خصومه كان ... بالسد. او بالأحرى دوره المحورى ونجاحه الباهر فى لعب دور وسيط فى قضية بالغة التعقيد بين ثلاث دول والوصول بها الى بر الأمان وتجنب سيناريو مواجهة كادت تنتقل من خانة الاحتمال والتوقع الى الرجحان الاكيد .يعنى ان التسريبات مقصودة ودعمتها نيوزويك بصور لدحلان مع رئيس الوزراء الأثيوبى ورئيس الاستخبارات المصرية.وهى بمثابة حملة لتقديمه فى صورة زعيم وقائد سياسي من الطراز الاول يمتلك القدرات المطلوبة للتعاطى مع المشهد السياسي الفلسطينى بتعقيداته الداخلية والإقليمية والدولية.
بالمناسبة سد مروى تعرض الى انتقادات حادة فى السودان باعتبار عدم جدواه فنيا واقتصاديا بما يبرر تكلفته الباهظة واعتبر مجرد مشروع دعاية سياسية قصد منه احداث تأثير نفسي بالبناء والتعمير والمستقبل الواعد بما يعيد الى الاذهان ملحمة مشروع السد العالى فى مصر إبان حقبة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر .فهل يكون رد السد وتسريباته رسالة مماثلة ؟
الدحلان والايام سيجيبان على السؤال .
حسين التهامى
كويكرتاون ، الولايات المتحدة الامريكية
husselto@yahoo.com
////////////